كان النجم البرازيلي فينيسيوس جونيور يلعب كرة القدم بشكل مستمر عندما كان طفلاً، ولا يزال يفعل ذلك حتى الآن. وفي بداية هذه المقابلة الشخصية، وقبل أن يجلس على كرسيه للحديث، كان جونيور يستعرض مهاراته بنقل الكرة بين قدميه في الهواء دون أن تسقط على الأرض، ويضحك. وقبل بضع سنوات، كان جونيور يلعب كرة القدم ويستعرض مهاراته في شوارع مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية، لكنه الآن يمتعنا بإبداعاته الكروية على ملعب «سانتياغو برنابيو» مع نادي ريال مدريد.
يقول جونيور: «لدي الكثير من الذكريات الجميلة مع أصدقائي في ريو دي جانيرو. كنت كل يوم أقضي جزءا من وقتي في لعب كرة القدم ثم اللعب بالطائرات الورقية. وكان والدي دائما ما يأتي ليأخذني من الملعب. وحتى عندما كبرت، كنت ألعب كرة القدم داخل منزلي، خاصة في الأيام الممطرة. ودائما ما كنت أتسبب في كسر المصابيح الكهربائية وإتلاف أثاث المنزل. وعندما كنت في الرابعة من عمري، سقطت على الأرض أثناء اللعب، وأُجريت لي ثلاث غرز في مؤخرة رأسي».
ورغم أن عائلة جونيور، بايكساو دي أوليفيرا، كانت تُقيم في ريو دي جانيرو، كان والد فينيسيوس يسافر لمسافة 400 كيلومتر إلى ساو باولو من أجل العثور على عمل وإعالة أسرته. ومع تطور مهارات فينيسيوس، عرف الأب أن ابنه الصغير ستتاح أمامه العديد من الفرص لمساعدة عائلته من خلال ممارسة كرة القدم. يقول فينيسيوس: «منذ أن بدأت لعب كرة القدم، كنت دائما محط تركيز واهتمام الجميع. وحتى عندما كنت أفوز بالمشروب الغازي بعد الفوز بإحدى المباريات في الشارع، كان هناك اهتمام كبير بما أقدمه. والآن وبعد أن أصبحت أعول عائلتي بسبب لعبي لكرة القدم، يتعين علي أن أستثمر بشكل أكبر في هذه اللعبة حتى أصل إلى مستويات أعلى. كنت أتخيل دائماً أن كرة القدم ستساعدني على أن أعول عائلتي، ولا أعرف ماذا كنت سأفعل لو لم أكن لاعب كرة قدم».
انضم فينيسيوس إلى نادي فلامنغو البرازيلي وهو في العاشرة من عمره، وكان يتميز بالمهارة الشديدة والسرعة الفائقة ويلعب في مركز الجناح وهو يرتدي القميص رقم ثمانية، وكان يستعرض مهاراته في كل مرة تصل فيها الكرة إلى قدميه. وسرعان ما أصبح معروفاً كواحد من أكثر اللاعبين الشباب الواعدين في ريو دي جانيرو، وتجاوزت شهرته حدود البرازيل في عام 2017 عندما تألق بشكل لافت للأنظار مع فريق فلامنغو تحت 20 عاما في بطولة كأس ساو باولو للناشئين - وهي البطولة التي شهدت أيضا بداية تألق العديد من اللاعبين البرازيلين الكبار مثل نيمار، وغابرييل جيسوس وكاكا. وكان فينيسيوس أصغر بثلاث سنوات من العديد من اللاعبين الآخرين في تلك البطولة. وكان مسؤولو ريال مدريد يتابعون هذا اللاعب عن كثب ومعجبين كثيرا بقدراته وإمكانياته، واتفقوا مع نادي فلامنغو على ضم اللاعب مقابل 39.6 مليون جنيه إسترليني في مايو (أيار) عام 2017 وكان جونيور يبلغ من العمر 16 عاماً فقط آنذاك، ولم يلعب سوى 17 دقيقة على مستوى الفريق الأول.
وسمح ريال مدريد لفينيسيوس بالبقاء مع فلامنغو لعام آخر حتى يتطور مستواه ويكتشف المزيد من الخبرات. وداخل الملعب، كان مدافعو الأندية المنافسة يركزون على فرض رقابة لصيقة عليه لأنه مصدر الخطورة الأكبر. أما خارج الملعب، فكان يواجه مشكلة أكبر، حيث كان المشجعون البرازيليون يتعاملون معه بقسوة شديدة، نظرا لأنه طفل أسود قادم من أحد الأحياء الفقيرة. يقول جونيور عن ذلك: «لم أكن أنا الوحيد المستهدف بهذا الشكل، حيث كان بعض المشجعين البرازيليين لديهم مشكلة مع نجاح الناس في مجالات أخرى من الحياة. إنهم يكرهون نيمار أيضا، على سبيل المثال. لقد كنت سعيداً جداً عندما رأيت أن العديد من البرازيليين يشجعون نيمار وباريس سان جيرمان ويتمنون فوزهما بدوري أبطال أوروبا. في الحقيقة، لا أحب أن أفكر في هذه اللحظات السيئة في مسيرتي، لكنني أتمنى بالتأكيد أن أجعل كل برازيلي يشجعني يوماً ما».
وكان هناك جانب «عنصري» في الإساءات التي كان يتعرض لها. وكان مشجعو الفرق المنافسة يعلقون على منشوراته على مواقع التواصل الاجتماعي بإهانات عنصرية. وفي عام 2018 حصل جونيور على بطاقة حمراء في مباراة فريقه أمام بوتافوغو، وأطلقت عليه سيدة في المدرجات وابلا من الإساءات العنصرية أثناء خروجه من ملعب المباراة. وغالباً ما كان يطلق عليه جمهور الأندية المنافسة في البرازيل اسم «نيغويبا»، وهو لاعب أسود أظهر قدرات وفنيات كبيرة جدا في بداية مسيرته الكروية لكنه لم ينجح أبدا في الوصول إلى مستويات تناسب القدرات التي يملكها. والآن، يعد جونيور جزءاً من حركة «حياة السود مهمة»، ودائما ما يدعم هذه الحركة على وسائل التواصل الاجتماعي.
وأعرب النجم البرازيلي عن إعجابه بالرياضيين الآخرين الذين دعموا هذه الحملة، ويقول عن ذلك: «هناك اهتمام كبير بدعم قضيتنا، بقيادة رجال مهمين مثل ليبرون جيمس ولويس هاميلتون، وهما قدوتي في الحياة. لقد كانت تلك اللحظة التي رفض فيها لاعبو الدوري الأميركي لكرة السلة للمحترفين الاستمرار في الملعب، قوية للغاية. إنها تجعل الناس يرون مدى اهتمامنا بهذه القضية. مثل هذه الأمور تجعلني أشعر بالسعادة والحزن في نفس الوقت، لأننا في عام 2020 ولا يزال يتعين علينا محاربة العنصرية والأشياء الأخرى التي تُستخدم لتقسيمنا».
ويتطور فينيسيوس، البالغ من العمر الآن 20 عاماً، بشكل كبير على المستوى الكروي والشخصي. وسجل اللاعب البرازيلي هدفا في مرمى برشلونة في مباراة الكلاسيكو على ملعب «سانتياغو برنابيو» في بداية شهر مارس (آذار) أمام 78 ألفا و237 متفرجا، ثم قضى شهرين في منزله بسبب إجراءات الإغلاق نتيجة تفشي فيروس «كورونا»، ولم ير أحداً أو يخرج من المنزل ولو مرة واحدة خلال تلك الفترة. وبمجرد استئناف منافسات كرة القدم في إسبانيا، حقق ريال مدريد نتائج مميزة للغاية وحصل على لقب الدوري الإسباني الممتاز، لكنه ودع دوري أبطال أوروبا من دور الستة عشر بعد الخسارة أمام مانشستر سيتي في مباراة شهدت أداء متواضعا من جانب ريال مدريد على ملعب «الاتحاد».
وترك المدير الفني للفريق الملكي، زين الدين زيدان، فينيسيوس على مقاعد البدلاء في تلك المباراة، وهو القرار الذي أثار إحباط الجماهير في إسبانيا والبرازيل، لكنه لم يزعج فينيسيوس نفسه كثيراً. يقول اللاعب البرازيلي الشاب: «بالطبع كنت أرغب في المشاركة ومساعدة ريال مدريد على التأهل للدور التالي، لكني ألعب في أعظم ناد في العالم، حيث يوجد الكثير من اللاعبين الموهوبين. المدير الفني للفريق لديه الكثير من الخيارات في كل مباراة، ودائما ما يختار العناصر التي يرى أنها مناسبة للقاء، وهذا جزء من كرة القدم، ويتعين علينا أن نتفهم الأسباب التي تجعله يختار مجموعة معينة من اللاعبين لخوض اللقاء».
ورغم أن فينيسيوس كان محط أنظار الكثير من الأندية الكبرى، فإنه لم يتردد في الانتقال إلى ريال مدريد. وكان لديه خيار التوقيع لبرشلونة، لكنه اتخذ قراره بالانضمام إلى النادي الملكي بعد الحديث مع مارسيلو وكاسيميرو. وعلاوة على ذلك، فإن وجوده في ريال مدريد مع لاعبين آخرين من اللاعبين البرازيليين الواعدين، وهما رودريغو ورينير، قد ساعده على التكيف سريعا مع الأجواء في «سانتياغو برنابيو».
ويلعب فينيسيوس مع مجموعة من اللاعبين الكبار الذين يمتلكون خبرات هائلة يوجهونه ويحمسونه في الحصص التدريبية وأثناء المباريات. يقول اللاعب البرازيلي: «أحظى بالكثير من الدعم هنا. يمكننا أن نرى أنهم قلقون علينا نحن اللاعبين الشباب، لأننا نمثل حاضر ومستقبل ريال مدريد. وفي سن العشرين، فإن اللاعبين الوحيدين اللذين لعبا عددا من المباريات أكبر من عدد المباريات التي لعبتها مع ريال مدريد هما كاسياس وراؤول، وهما اللذان أصبحا أسطورتين في تاريخ النادي بعد ذلك. لقد فازا بالعديد من الألقاب والبطولات، وآمل أن أفعل ذلك أيضاً. سيرخيو راموس وكاسيميرو هما المثل الأعلى بالنسبة لي هنا، وأراهما وهما يتدربان بكل قوة، وأريد أن أفعل ذلك أيضاً. كل زملائي يلعبون بتركيز شديد، لكن الطريقة التي يعمل بها راموس وكاسيميرو تجعلني أرغب في بذل مجهود أكبر دائما».
وقد حصل فينيسيوس على لقب الدوري الإسباني الممتاز مع ريال مدريد، ويتطور مستواه بشكل ملحوظ مع أحد أكبر الأندية في العالم، لكن ما زال هناك شيء مفقود، حيث لم يلعب فينيسوس سوى مباراة دولية واحدة مع منتخب البرازيل، ويسعى لأن يكون لاعبا أساسيا في تشكيلة راقصي السامبا. يقول فينيسيوس: «أتمنى أن ألعب مع منتخب السيليساو مرة أخرى، إلى جانب عدد من اللاعبين الذين يشكلون المثل الأعلى بالنسبة لي، مثل نيمار الذي يعد مصدر إلهامي الحقيقي، لذا سيكون من الرائع أن ألعب إلى جواره بقميص المنتخب البرازيلي. أنا أبذل قصارى جهدي من أجل الانضمام لصفوف المنتخب البرازيلي وإسعاد شعبنا. أريد أن ألعب في كأس العالم المقبلة، وأتمنى أن نفوز بها. لكن هناك الكثير من اللاعبين الجيدين الذين يمكن اختيارهم، لذلك فأنا أركز على تطوير وتحسين مستواي والحصول على مزيد من الخبرات داخل الملعب. وبالطبع، يجب أن أكون مستعداً لتقديم أفضل شهر في حياتي إذا حدث ذلك ولعبت مع منتخب البرازيل في نهائيات كأس العالم».
جونيور: أتمنى نسيان البعض لون بشرتي وأن يشجعني الجميع يوماً ما
اللاعب البرازيلي يتحدث عن فضل كرة القدم في انتشال أسرته من الفقر... وآماله في التألق مع ريال مدريد
جونيور: أتمنى نسيان البعض لون بشرتي وأن يشجعني الجميع يوماً ما
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة