احتراق تحفة زها حديد يثير حزناً وغضباً بين اللبنانيين

المجمع التجاري كان يرتقب افتتاحه بعد 6 سنوات من الانتظار

تصميم زها حديد وسط بيروت من الخارج
تصميم زها حديد وسط بيروت من الخارج
TT

احتراق تحفة زها حديد يثير حزناً وغضباً بين اللبنانيين

تصميم زها حديد وسط بيروت من الخارج
تصميم زها حديد وسط بيروت من الخارج

كارثة جديدة استفاق عليها اللبنانيون صباح أمس؛ إنه الحريق الثالث في بيروت خلال أسبوع واحد، وفي المنطقة نفسها، بعد انفجار المرفأ المروع في أغسطس (آب) الماضي، وأودى بحياة ما يقارب 200 شخص. هذه المرة الضحية هي التحفة التي تزين وسط بيروت للمهندسة المعمارية العراقية العالمية زها حديد. وصل المبنى الجميل الذي استغرق إنشاؤه 4 سنوات إلى خواتيمه، بقيت اللمسات الأخيرة قبل افتتاحه.
ولم يتمكن انفجار المرفأ الذي وقع الشهر الماضي، وأحدث أضراراً مفجعة، رغم قربه منه، من تدميره. وجاء اشتعال النار في الناحية المقابلة لفندق هيلتون ليقضي على ما يقارب نصف هذه الناحية، وإحالتها سواداً. الحريق أضر بشكل رئيسي بالواجهة الخارجية للمبنى الذي صمم ليكون المجمع التجاري الوحيد في وسط بيروت.
وتعود ملكية المبنى إلى شركة «سوليدير» التي أولت عناية خاصة لجمالية الأماكن في وسط المدينة. والمجمع يأتي امتداداً لأسواق بيروت التي دمرت بشكل كلي في أثناء الحرب الأهلية، وأعيد بناؤها بتصميم يجمع بين الروح الشرقية والحداثة الغربية، ووضع تصميمها كل من الفرنسي رافئيل مونيو والإنجليزي كيفن داش. وأوكل تصميم المجمع الملاصق لها إلى المعمارية زها حديد، بصفته امتداداً للأسواق في جغرافيتها، وفي جماليتها الفنية البديعة.
وحديد تعرف بيروت جيداً وهي التي درست في الجامعة الأميركية، وكان لها رأيها الخاص في إعادة بناء الوسط المدمر بعد الحرب، وأتيح لها أن تشارك قبل وفاتها في وضع لمستها عليه.
و أصدرت شركة «سوليدير» التي تعود لها ملكية المبنى بياناً، جاء فيه: «في حدود الساعة 7:50 من صباح يوم الثلاثاء، الواقع في 15 (سبتمبر) أيلول 2020، وعند قيام بعض عمال يعملون لصالح متعهد بناء مشروع المهندسة الراحلة زها حديد (قيد الإنشاء) بإصلاحات على غشاء عزل المياه في الطابق الأرضي من البناء الكائن في الجهة الشمالية الغربية من أسواق بيروت، اشتعلت النيران عند قيامهم بتنفيذ الإصلاحات الضرورية.
وقد أدى هذا الأمر إلى امتداد النيران بسرعة، رغم محاولة عمال الموقع السيطرة عليها باستعمال مطافئ الحريق، ولكن من دون جدوى، إلى أن تدخلت عناصر فوج الإطفاء والدفاع المدني بشكل فوري، وقاموا بإخمادها».
وفي الوقت عينه، أصدرت شركة المقاولات «سلطان ستيل» بياناً ترد فيه على ما يتردد من أن سبب الحريق في مبنى زها حديد يعود إلى أعمال تلحيم تقوم بها الشركة. وجاء في البيان: «إن شركة (سلطان ستيل) تنفي أن يكون الحريق الحاصل في مبنى زها حديد سببه التلحيم أو أعمال قامت بها الشركة»، مؤكدة أنها أنجزت أعمال التلحيم في القسم الذي حصل فيه الحريق منذ أكثر من سنة.
واستغرق تصميم هذه التحفة المعمارية سنتين، وتمت المباشرة في بنائها قبل 4 سنوات، لكن الأمور سارت ببطء، وزاد من تباطؤها الأزمات المتلاحقة، وآخرها أزمة كورونا. والمجمع التجاري في بيروت هو آخر، أو من بين آخر، ما صممته زها حديد.
ويتكون من طوابق خمسة، بمساحة تبلغ 26370 متراً مربعاً، إضافة إلى أقسام المتجر في الطابقين الأرضي والسفلي، ويفترض أن يشمل شققاً ومطعماً على سطحه العلوي. وهو يتميز من الخارج باستدارته، وبالخطوط البيضاء التي تلتف حوله، وتشكل ما يشبه مكعبات مختلفة المقاسات. ومن الداخل، يحتفظ بروح المنحنيات الخارجية نفسها. ويبدو أن شركة «سوليدير» مصممة على إعادة إصلاح ما أفسده الحريق.
ويشرح معماري سبق له أن عمل في المبنى أنه يقام وفقاً لمقاييس عالمية، وتتبع في إنشائه أقصى معايير السلامة العامة. وكونه استثنائياً في تصميمه، فإن أصعب ما في تنفيذه، والأكثر تكلفة، هذه الواجهات الخارجية التي احترق جانب منها. ويتردد أن تكلفة هذه التحفة تصل إلى 40 مليون دولار.
وسادت مشاعر غضب بين اللبنانيين، أمس، نتيجة الحرائق المتكررة التي عزيت دائماً إلى عمليات تلحيم خرجت عن السيطرة. وكان هذا المبنى الجميل الذي عشقه بعضهم، وكان ينتظر افتتاحه، ولم يعجب آخرين، في حين لم ينتبه له فريق ثالث، قد شغل الصحافة العالمية إثر احتراقه، كما شغل اللبنانيين أنفسهم الذين باتوا ينتظرون في كل صباح خبراً أسود جديداً. أما الخبر الوحيد الجميل، فهو أن الخسائر مادية، وأن فرق الدفاع المدني سيطرت على النيران قبل أن تلتهم أجزاء أكبر ومساحات أوسع.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».