حلم العودة لنازحي ديالى احترق بنار «داعش» والميليشيات المسلحة

بعد تعرض منازلهم للتدمير والحرق والنهب

جانب من الحياة في مخيم للنازحين قرب خانقين (رويترز)
جانب من الحياة في مخيم للنازحين قرب خانقين (رويترز)
TT

حلم العودة لنازحي ديالى احترق بنار «داعش» والميليشيات المسلحة

جانب من الحياة في مخيم للنازحين قرب خانقين (رويترز)
جانب من الحياة في مخيم للنازحين قرب خانقين (رويترز)

هربوا من الموت خوفا من بطش مسلحي «داعش» بعد أن سيطروا على مدنهم ومناطقهم وتشتتوا بين محافظات العراق وذاقوا المرارة في مخيمات النازحين وتفشت بينهم الأمراض وسوء الحال وضنك المعيشة ثم استبشروا خيراً بعد أن تمكنت القوات الحكومية من تحرير مناطقهم وطرد مسلحي التنظيم المتطرف وعقدوا العزم وشدوا للعودة للدار والجار.
تركوا المخيمات قاصدين بيوتهم وعند الوصول إليها فوجئوا بتدمير منازلهم وحرق بساتينهم من قبل ميليشيات طائفية احتلت مدنهم خلفا لـ«داعش».
أبو عمر (40 سنة) رب لأسرة متكونة من 6 أفراد عائلته واحدة من مئات العوائل التي فوجئت بهدم وحرق بيوتهم من قبل الميليشيات. يقول أبو عمر لـ«الشرق الأوسط»: «بعد أن تركت بيتي بسبب دخول مسلحي (داعش) لمنطقتنا في ناحية السعدية (90 كلم شمال شرقي بعقوبة مركز محافظة ديالى) اتجهت بعائلتي صوب مناطق كردستان ثم سكنت في مخيمات النازحين وعانينا الكثير والكثير.. داهمتنا الأمراض وحر الصيف وبرد الشتاء والأمطار وصعوبات كثيرة، إضافة للحالة النفسية التي أخذت مأخذها مني ومن زوجتي وأولادي الذين فقدوا دراستهم وأصدقائهم. وبعد كل هذه المعاناة استبشرنا خيرا بتحرير مناطقنا من قبل القوات الحكومية فتركت المخيم وعدت إلى مدينتي مع عوائل كثيرة قررت العودة لكن عند وصولي للبيت رأيته مدمرا بالكامل ليس بفعل العمليات العسكرية ولكن تم حرقه قبل يوم واحد من موعد وصولي إليه». ويوضح أبو عمر: «المنطقة كانت قد حررتها القوات الحكومية قبل أسبوعين من قرار عودتي.. حزنت وبكيت وأنا أرى بيتي يتصاعد من ركامه الدخان. لم يكن أمامي سوى الاتجاه صوب مخيم آخر أنشأته المحافظة في منطقة خانقين القريبة من الحدود الإيرانية. وصلت إلى هناك فوجدت المخيم يحتوي على كرفانات للسكن بقيت هناك أسبوعا عشت خلالها الأمرين فلا ماء ولا كهرباء والمنطقة نائية وقريبة من خط السير الحدودي مع إيران. تركت المخيم وقسمت أفراد عائلتي إلى قسمين وتركتهم عند أقارب لكي أعود مرة أخرى للمخيم الأول في كردستان».
السيدة أم مثنى (47 سنة)، أرملة قتل زوجها في حادث تفجير وتعيل 5 أيتام، قالت: «كل المعاناة التي صادفتني في حياتي هي ليست أسوأ من لحظة مشاهدتي لمنظر بيتي وقد تمت تسويته بالأرض إثر تفجيره من قبل الميليشيات المسلحة». وتساءلت «ما مصيري ومصير أولادي وما العمل وأين أتجه وإلى من أشكو؟ لا أعرف غير البكاء والنحيب. كان بيتنا هو كل ما لدينا ونحن الآن مشتتون ضائعون. لماذا تركت حكومتنا تلك الميليشيات تعبث بمصيرنا.. لماذا؟ إلى متى سأبقى تحت خيمة وسط العراء أنا وأولادي؟».
ويقول سرمد (33 سنة)، الذي يعمل في النجارة: «كنت أسكن أنا وزوجتي وبناتي في بيت أهلي مع والدي ووالدتي وإخوتي في ناحية العظيم التابعة لقضاء الخالص (50 كلم من بعقوبة مركز محافظة ديالى) وبعد العمليات العسكرية التي دارت بين مسلحي (داعش) والقوات الحكومية تركنا بيتنا واتجهنا صوب مخيمات النازحين في محافظة أربيل بإقليم كردستان. أمضينا قرابة الستة أشهر هناك في حال معيشي يرثى له. أبي وأمي يعانيان الكثير من الأمراض المزمنة وبقية أفراد أسرتي يحتاجون لكثير من الحاجات الأساسية التي تركناها في البيت بعد خروجنا بشكل مفاجئ أشبه بالهروب من الموت. أمضينا كل تلك الفترة في معاناة حقيقية وبعد سماعنا تحرير منطقة العظيم من قبل القوات الحكومية قررنا ترك المعاناة في المخيم والعودة إلى بيتنا وعند اقترابنا من المدينة فوجئنا بمنعنا من الدخول مثلما تم منع الكثير من العوائل العائدة بحجة أن هذه الأرض هي ليست تابعة لهم. تم اعتقال عدد من الشباب ناهيك عما حدث للمنازل داخل المدينة من عمليات سلب ونهب وحرق وتفجير».
ويقول رعد الدهلكي، النائب في البرلمان عن محافظة ديالى ورئيس لجنة المهجرين فيها، لـ«لشرق الأوسط» إن الأوضاع في محافظة ديالى «تتأزم يوما بعد آخر على الرغم من دحر مسلحي (داعش) في أكثر مناطقها»، لافتا إلى أن «ممارسات الميليشيات لا تقل خطرا عن ممارسات تنظيم داعش، فهي ترتكب جرائم القتل والتهجير وتنفذ اعتقالات عشوائية بحق النازحين العائدين».
ويضيف الدهلكي: «المدن التي تم تحريرها وعلى الرغم من سيطرة الحكومة العراقية عليها إلا أنها لم تُسلم لأهلها، بل تتحكم فيها ميليشيات طائفية ترتكب الأعمال الإجرامية سعيا منهم لتغيير ديموغرافية تلك المناطق»، موضحا أن نوابا عن المحافظة طالبوا رئيس الوزراء حيدر العبادي بزيارة المحافظة والاطلاع على الأوضاع الأمنية عن كثب وتقييم مجرياتها.
بدوره، قال عامر المجمعي، محافظ ديالى، لـ«الشرق الأوسط» إن «حجم الدمار في المناطق المتضررة في ديالى بلغت نسبته أكثر من 40 في المائة وإن إعمار المناطق المتضررة من العنف والعمليات العسكرية داخل مناطق المحافظة يحتاج إلى 250 مليار دينار عراقي »، مطالبا بـ«تأمين المبالغ المالية لإعادة البناء والإعمار وإعادة الخدمات الأساسية إلى المناطق المحررة والإسراع بإعادة الأسر النازحة وتأمين الخدمات لهم بشكل فوري من أجل إعادة الاستقرار ومسك المناطق المحررة والفضاء على أعمال العنف بشكل كامل».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.