تراجعت تركيا خطوة للوراء وسحبت سفينة البحث «أوروتش رئيس» من منطقة متنازع عليها مع اليونان في شرق المتوسط لإفساح المجال للمحادثات التي يرعاها حلف شمال الأطلسي (ناتو) والوساطة الأوروبية لإنهاء التوتر في المنطقة وسط ترحيب من أثينا.
وفي خطوة تعد مفاجئة على الرغم مما سبقها من إبداء أنقرة المتكرر الرغبة في الحوار بسبب تزايد الضغوط من جانب الاتحاد الأوروبي والناتو وواشنطن ودعوة إلى اليونان لعدم الوقوع في فخ بعض الدول التي تبحث عن مصالح في شرق المتوسط (في إشارة إلى فرنسا تحديداً)، سحبت تركيا سفينة الأبحاث التركية «أوروتش رئيس»، التي كان مقرراً أن تواصل عمليات المسح السيزمي للتنقيب عن الغاز الطبيعي في شرق المتوسط قرب الجزر اليونانية حتى 25 سبتمبر (أيلول) الجاري. وأعادتها إلى سواحل أنطاليا (جنوب تركيا) في ساعة متأخرة من ليل السبت – الأحد... وقوبلت الخطوة التركية بترحيب يوناني. ووصف المتحدث باسم الحكومة اليونانية ستيليوس بيتساس، مغادرة السفينة التركية المنطقة المتنازع عليها بأنها «خطوة إيجابية». وقال في تصريح، أمس: «هذه إشارة إيجابية. سنرى كيف تتطور الأمور لإجراء تقييم مناسب»، في إشارة إلى إمكانية إطلاق حوار مع تركيا لطالما رفضت أثينا المشاركة فيه «تحت التهديد».
وقال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، في مقابلة مع وكالة «الأناضول» الرسمية أمس، إن سحب سفينة التنقيب «أوروتش رئيس» من منطقة متنازع عليها بين بلاده واليونان في شرق المتوسط لا يعني تراجع أنقرة عن حقوقها هناك. وصرح أكار: «السفينة ستنفذ تحركات أخرى في المنطقة وفقاً للخطة المرسومة... لن نتراجع عن حقوقنا في شرق المتوسط... تم سحب السفينة إلى ميناء أنطاليا بعد انتهاء مدة الإخطار الملاحي المعلن سابقاً».
وفي وقت سابق أمس، قالت صحيفة «يني شفق» القريبة من الحكومة إن سفينة «أوروتش رئيس» علّقت أعمالها في المنطقة التي كان من المخطط أن يستمر العمل بها حتى 25 سبتمبر الجاري، بعد المباحثات مع الجانب اليوناني، التي أُجريت في مقر الناتو في بروكسل الأسبوع الماضي.
وفي الوقت ذاته، اتهم أكار اليونان بتسليح 18 جزيرة في بحر إيجه بشكل يتنافى مع القانون الدولي، مشيراً إلى أن ذلك يصعّد التوتر ويقوّض الحوار. ودعا أثينا إلى التخلي عن التصرفات «المستفزة» التي من شأنها تصعيد التوتر. وقال: «من وجهة نظر تركيا، لن يفيد التوتر والحركات الاستفزازية أياً كان وخصوصاً اليونان. نحن نؤيد الحوار ونرغب في حل المشكلات في المنطقة عبر الوسائل السلمية والسياسية».
وتزامنت خطوة التهدئة التركية مع زيارة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، لقبرص، مساء السبت، حيث عبّر عن قلق واشنطن البالغ من تحركات تركيا في شرق المتوسط وحث أنقرة على وقف الأنشطة التي تثير توتراً في المنطقة، داعياً جميع الأطراف إلى دعم السبل الدبلوماسية لإنهاء التوتر. وقال بومبيو للصحافيين في نيقوسيا بعد اجتماع مع رئيس جمهورية قبرص نيكوس أناستاسيادس، ووزير الخارجيّة نيكوس خريستودوليدس: «ما زلنا نشعر بقلق عميق من عمليّات الاستكشاف التي تقوم بها تركيا في مناطق تؤكد اليونان وقبرص أنها تخضع لسلطتها في شرق المتوسط... التوتر العسكري المتزايد لا يساعد أحداً سوى الخصوم الذين يرغبون في رؤية الانقسام في وحدة دول حلف الناتو»، مؤكداً أن الشراكة الإقليميّة ضروريّة للغاية لأمن الطاقة الدائم.
من جهته، رحب أناستاسيادس بـ«الموقف الحازم للولايات المتحدة بشأن إدانة عمليّات التنقيب التركيّة غير القانونيّة داخل المنطقة الاقتصاديّة الخالصة لقبرص». وجاءت زيار بومبيو بعد أيام من زيارة قصيرة لقبرص أجراها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، شدد خلالها على العلاقات الوثيقة بين موسكو والجزيرة وعرض القيام بوساطة لتخفيف التوتر بينها وبين تركيا في النزاع بشأن الحقوق البحرية والطاقة.
ولم يغفل بومبيو تذكير قبرص بأن واشنطن لا تشعر بالارتياح من توقف سفن حربية روسية في الموانئ القبرصية. وقال: «نعلم أن جميع السفن العسكرية الروسية التي تتوقف في الموانئ القبرصية لا تقوم بمهام إنسانية في سوريا ونطلب من قبرص والرئيس (أناستاسيادس) مراعاة مخاوفنا».
وأكدت قبرص مراراً أنها تقدم تسهيلات للسفن الحربية الروسية لأسباب تتعلق بالأوضاع الإنسانية في سوريا.
وبدأت القوات التركية، السبت، مناورات بالذخيرة الحية قبالة سواحل قبرص. ووصف مركز تنسيق الإنقاذ المشترك التابع لوزارة الدفاع القبرصية تحرك تركيا بأنه غير قانوني، لأنه «ينتهك سيادة جمهورية قبرص وحقوقها السيادية».
وأعلن الحرس الوطني القبرصي اليوناني أنه سيشارك في مناورات تدريبية مشتركة مع القوات الأميركية، وأن سفينتي نقل متوسطتين تابعتين لقوات البحرية الأميركية الخاصة موجودتان في قبرص للمشاركة في تدريبات عسكرية مشتركة تستمر حتى 20 سبتمبر.
كما لا يزال التوتر شديداً بين تركيا واليونان، حيث تدّعي كل منهما الحق في التنقيب في الجزء نفسه من شرق البحر المتوسط. وأعلنت الدول الأوروبية السبع المطلة على البحر المتوسط في ختام قمتها حول الأوضاع في شرق المتوسط التي عُقدت في جزيرة كورسيكا الفرنسية، الخميس، استعدادها لفرض عقوبات على تركيا ما لم تتراجع عن «تحركاتها الأحادية» في المنطقة ودعمها الكامل وتضامنها مع قبرص واليونان.
وأعلن رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، السبت، صفقات شراء أسلحة وإصلاح شامل للجيش وسط التوتر مع تركيا في شرق البحر المتوسط. وقال في كلمة في مدينة سالونيك الشمالية: «آن أوان تعزيز القوات المسلحة... هذه المبادرات تشكل برنامجاً قوياً سوف يتحول إلى درع وطنية». ولفت إلى أن اليونان سوف تحصل على 18 طائرة «رافال» فرنسية، وأربع فرقاطات متعددة المهام، وأربع طائرات مروحية، إضافة إلى تطويع 15 ألف جندي، وضخ التمويل في قطاع صناعة الأسلحة الوطنية والدفاع ضد الهجمات السيبرانية، وسيتم تأمين أسلحة جديدة مضادة للدبابات وطوربيدات بحرية وصواريخ جوية.
أنقرة توقف التنقيب... وأثينا ترحب
بومبيو عبّر عن قلق بلاده إزاء تحركات تركيا في شرق المتوسط
أنقرة توقف التنقيب... وأثينا ترحب
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة