العلاقة الروسية ـ السورية أمام مرحلة جديدة

العلاقة الروسية ـ السورية أمام مرحلة جديدة
TT

العلاقة الروسية ـ السورية أمام مرحلة جديدة

العلاقة الروسية ـ السورية أمام مرحلة جديدة

إذا كان حضور يوري بوريسوف على رأس الوفد الزائر لسوريا طبيعياً ومنطقياً؛ كونه يرأس من الجانب الروسي اللجنة الحكومية المشتركة للتعاون التجاري الاقتصادي، فإن مشاركة وزير الخارجية سيرغي لافروف في هذه الجولة من المباحثات، أثارت تكهنات كثيرة، حول الرسائل التي أرادت موسكو توجيهها إلى الجانب السوري، في إطار ما وصف بأنه بلورة لملامح مرحلة جديدة في تعامل الروس مع الملف السوري.
إذ لم يسبق أن حضر لافروف اجتماعات هذه اللجنة، التي تعنى أساساً بآليات تطوير التعاون التجاري الاقتصادي بين البلدين. ثم إن التمثيل الرفيع لوزارتي الدفاع والأجهزة الأمنية لفت الأنظار بدوره. ولقد أعاد ذلك التذكير بأن لافروف كان زار دمشق مرة وحيدة بعد اندلاع الأزمة السورية، في بداية فبراير (شباط) 2012 وكان يرافقه رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية آنذاك ميخائيل فرادكوف. وبومذاك شكلت تلك الزيارة نقطة التحول الأساسية لجهة تدشين الانخراط الروسي الواسع في الأزمة السورية، وتبني موقف النظام، وبدء الدفاع عنه أمام مجلس الأمن وفي المحافل الدولية الأخرى، فضلاً عن توسيع إمداده بالمعدات العسكرية والخبراء الأمنيين والعسكريين.
أما المرحلة الثانية فقد بدأت في نهاية سبتمبر (أيلول) 2015 من خلال التدخل العسكري المباشر، وشروع موسكو في إدارة العمليات القتالية التي أسفرت عن تقليص نفوذ المعارضة واستعادة قوات النظام وحلفائه زمام المبادرة. وبعدما كانت سيطرتها في ذلك الوقت لا تزيد على أقل من 20 في المائة من الأراضي السورية، باتت تزيد بقليل على ثلثي مساحة البلاد.
وحقاً، لم تتردد موسكو - في أكثر من موقف - بتذكير السلطات السورية بأن لها الفضل الأساسي في المحافظة على النظام، وعلى وجوده. وكرّر لافروف في أكثر من تصريح كلاماً عن أن «دمشق كانت ستقع في أيدي الإرهابيين بعد أسبوع أو أسبوعين على الأكثر لو لم نتدخل». ومع انتهاء مرحلة «العمليات العسكرية النشطة» - بحسب وصف الروس - في بداية العام الماضي، بدا أن موسكو تسعى نحو إطلاق عملية سياسية تسهل حشد تأييد دولي لإعادة الإعمار، وعودة اللاجئين، وتقلص من احتمالات انزلاقها وحيدة في مواجهة تفاقم الأوضاع المعيشية والاقتصادية للسوريين في ظروف بالغة الصعوبة.
ولم تخف أوساط روسية استياءها من أداء السلطات السورية، التي اتهمت في تعليقات كثيرة بأنها عرقلت دفع العملية السياسية، كما أنها «واصلت التمسك بخطاب خشبي يقوم على أنها انتصرت، وبمقدورها فرض شروطها على الطرف الخاسر».
على هذه الخلفية نُظر إلى الزيارة اللافتة للوفد الروسي على أنها تهدف إلى توجيه رسائل واضحة إلى دمشق بضرورة الانخراط النشط في العملية السياسية، فضلاً عن ضرورة القيام بـ«خطوات جادة ومسؤولة» على صعيد الإصلاح الداخلي اقتصادياً وسياسياً.
وأشارت مصادر دبلوماسية روسية إلى أن موسكو سعت لتحقيق غرضين أساسيين:
الأول، إطلاق آلية واسعة لدعم الاقتصاد السوري، في مواجهة المخاوف من انهياره بسبب تردي الأوضاع المعيشية والتدهور الكبير في الأوضاع الداخلية، ما يمكن أن يسبب أزمات كبرى، لا تعرقل فقط التسوية السياسية، بل قد تسفر أيضاً عن خسائر سياسية فادحة لروسيا في نهجها الدبلوماسي على المسار السوري.
والآخر، المرتبط بالأول بشكل وثيق، هو وضع آليات لدفع عملية المفاوضات السورية في جنيف على أساس القرار 2254، مع التركيز على الأهمية القصوى لتطبيق بنود القرار بشكل كامل. ما يعني أن النقاش لا يقتصر على اللجنة الدستورية التي هي بين بنود القرار، بل ينسحب على بندي الانتقال السياسي والتحضير للانتخابات.
بهذا المعنى يتحدث خبراء روس عن «مرحلة جديدة» في تعامل موسكو مع الملف السوري. وتقوم هذه المرحلة على انخراط أوسع في السيطرة على أهم مشاريع البنى التحتية الصناعية ومشاريع الطاقة تحضيراً لإطلاق عمليات إعادة الإعمار في وقت لاحق. وبالتوازي مع ذلك، فإن موسكو بدأت ترسم ملامح الخطوات المقبلة سياسياً، من خلال التأكيد على أنه «لا حل عسكرياً» للملفات التي ما زالت عالقة في سوريا. والمقصود هنا إدلب ومنطقة شرق الفرات.
أيضاً، تسعى موسكو إلى إعادة ترتيب المشهد المتعلق بالعلاقة مع تركيا عبر التمسك بشراكتها مع أنقرة في سوريا رغم استياء النظام. وهي تعمل على ترتيب الوضع لفتح حوار شامل مع الولايات المتحدة بعد انقضاء الاستحقاق الانتخابي الرئاسي هناك، بهدف حسم الوضع في مناطق شرق الفرات. بعبارة أخرى، فإن المرحلة الثالثة التي أطلقتها الزيارة، تركّز على إعادة ترتيب الوضع السوري على مختلف الصُّعد، وتعزيز الأوراق الروسية تمهيداً لإطلاق مرحلة التسوية النهائية.


مقالات ذات صلة

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

حصاد الأسبوع Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في

فتحية الدخاخني ( القاهرة)
رياضة سعودية السعودية تستمر في تشكيل خريطة مختلف الرياضات العالمية بتنظيم واستضافات غير مسبوقة (الشرق الأوسط)

السعودية ستُشكل خريطة الرياضة العالمية في 2025

شارف عام حافل بالأحداث الرياضية بما في ذلك الألعاب الأولمبية التي حظيت بإشادة واسعة وأربع بطولات قارية لكرة القدم على الانتهاء ومن المتوقع أن يكون عام 2025 أقل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
حصاد الأسبوع فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية بقيادة ميشال بارنييه في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)،

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع خافيير ميلي (أ.ب)

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار

شوقي الريّس (مدريد)

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

تشون دو - هوان (رويترز)
تشون دو - هوان (رويترز)
TT

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

تشون دو - هوان (رويترز)
تشون دو - هوان (رويترز)

سينغمان ري (الصورة الرئاسية الرسمية)

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

وفي سلسلة من التاريخ المظلم لقادة البلاد، عزل البرلمان الرئيسة بارك غيون - هاي، التي كانت أول امرأة تتولى منصب الرئاسة الكورية الجنوبية، ثم سُجنت في وقت لاحق من عام 2016. ولقد واجهت بارك، التي هي ابنة الديكتاتور السابق بارك تشونغ - هي، اتهامات بقبول أو طلب عشرات الملايين من الدولارات من مجموعات اقتصادية وصناعية كبرى.

وفي الحالات الأخرى، انتحر روه مو - هيون، الذي تولى الرئاسة في الفترة من 2003 إلى 2008، بصورة مأساوية في مايو (أيار) 2009 عندما قفز من منحدر صخري بينما كان قيد التحقيق بتهمة تلقي رشوة، بلغت في مجموعها 6 ملايين دولار، ذهبت إلى زوجته وأقاربه.

وعلى نحو مماثل، حُكم على الرئيس السابق لي ميونغ - باك بالسجن 15 سنة في أكتوبر (تشرين الأول) 2018 بتهمة الفساد. ومع ذلك، اختُصرت فترة سجنه عندما تلقى عفواً من الرئيس الحالي يون سوك - يول في ديسمبر (كانون الأول) عام 2022.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ أدين تشون دو - هوان، الرجل العسكري القوي والسيئ السمعة، الملقّب بـ«جزار غوانغجو»، وتلميذه الرئيس نوه تاي - وو، بتهمة الخيانة لدوريهما في انقلاب عام 1979، وحُكم عليهما بالسجن لأكثر من 20 سنة، ومع ذلك، صدر عفو عنهما في وقت لاحق.

بارك غيون- هاي (رويترز)

الأحكام العرفية

باعتبار اقتصاد كوريا الجنوبية، رابع أكبر اقتصاد في آسيا، وكون البلاد «البلد الجار» المتاخم لكوريا الشمالية المسلحة نووياً، تأثرت كوريا الجنوبية بفترات تاريخية من الحكم العسكري والاضطرابات السياسية، مع انتقال الدولة إلى نظام ديمقراطي حقيقي عام 1987.

والواقع، رغم وجود المؤسسات الديمقراطية، استمرت التوترات السياسية في البلاد، بدءاً من تأسيسها بعد نيل الاستقلال عن الاستعمار الياباني عام 1948. كذلك منذ تأسيسها، شهدت كوريا الجنوبية العديد من الصدامات السياسية - الأمنية التي أُعلن خلالها فرض الأحكام العرفية، بما في ذلك حلقة محورية عام 1980 خلّفت عشرات القتلى.

وهنا يشرح الصحافي الهندي شيخار غوبتا، رئيس تحرير صحيفة «ذا برنت»، مواجهات البلاد مع الانقلابات العسكرية وملاحقات الرؤساء، بالقول: «إجمالاً، أعلنت الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية 16 مرة على الأقل. وكان أول مرسوم بالأحكام العرفية قد أصدره عام 1948 الرئيس (آنذاك) سينغمان ري، إثر مواجهة القوات الحكومية تمرداً عسكرياً بقيادة الشيوعيين. ثم فرض ري، الذي تولى الرئاسة لمدة 12 سنة، الأحكام العرفية مرة أخرى في عام 1952».

مع ذلك، كان تشون دو - هوان آخر «ديكتاتور» حكم كوريا الجنوبية. وتشون عسكري برتبة جنرال قفز إلى السلطة في انقلاب إثر اغتيال الرئيس بارك تشونغ - هي عام 1979، وكان بارك جنرالاً سابقاً أعلن أيضاً الأحكام العرفية أثناء وجوده في السلطة لقمع المعارضة حتى لا تنتقل البلاد رسمياً إلى الديمقراطية. نيودلهي: «الشرق الأوسط»