انسحاب الهند من «القوقاز ـ 2020» يكرس الصراع الإقليمي

نيودلهي قالت لا في وجه حليفتها القديمة روسيا بسبب مشاركة الصين وباكستان في التدريبات

انسحاب الهند من «القوقاز ـ 2020» يكرس الصراع الإقليمي
TT

انسحاب الهند من «القوقاز ـ 2020» يكرس الصراع الإقليمي

انسحاب الهند من «القوقاز ـ 2020» يكرس الصراع الإقليمي

في قرار يحمل دلالات جيو - استراتيجية كبرى، قررت الهند الانسحاب من تدريبات عسكرية استراتيجية متعددة الأطراف تحمل اسم «القوقاز - 2020» المقرر أن تُجرى تحت مظلة «منظمة شنغهاي للتعاون»، التجمع الدولي الأورو - آسيوي الذي تقوده الصين وروسيا.
وفق الإعلان الرسمي، قالت الحكومة الهندية إن انسحابها تقرر «في ضوء جائحة (كوفيد - 19) والمصاعب التي خلقها فيما يخص التدريبات، بما في ذلك ما يتعلق بالترتيبات اللوجيستية. وعليه، قررت الهند ألا ترسل فرقة عسكرية للمشاركة هذا العام في تدريبات (القوقاز - 2020). وجرى إخطار الجانب الروسي بالأمر». لكن، مع ذلك، أفادت مصادر داخل وزارة الخارجية أن الهند قررت في الواقع الامتناع عن المشاركة في أي تدريبات عسكرية مع جنود صينيين وباكستانيين.

أفادت مصادر هندية مطلعة بأن نيودلهي كانت مستعدة بادئ الأمر لإرسال 200 عسكري، بينهم 180 جندياً من كتيبة مشاة ومراقبون من القوات الجوية والبحرية، بهدف المشاركة في تدريبات «القوقاز - 20». إلا أنه في وقت لاحق قررت الهند إعادة النظر على نحو كامل في قرارها. وفي هذا الصدد، أعرب المحلل السياسي آر إس غيل عن اعتقاده بأنه «أساساً، لا جدوى من وراء التظاهر بأن العلاقات مع الصين وباكستان طبيعية، مع أن هذا التوجه هو ما تتخذه جميع الدول في العلاقات الدولية والسياسة الخارجية. لكن الهند هنا تتخذ المسار الصحيح. وفي مؤشر على اعتراضها، قررت الهند أن تقول لا في وجه روسيا التي تُعتَبر حليفتها القديمة».
وأضاف غيل: «في واقع الأمر يأتي هذا القرار بمثابة خطوة دبلوماسية كبرى تعكس سيادة واستقلالية الهند. ونظراً لتعذر التوصل حتى الآن إلى تسوية واضحة لحالة التأزم القائمة على خط الحدود بين الهند والصين، رأت الهند من المناسب التذرع بجائحة «كوفيد - 19» وتبعاتها كمبرر للتغيب عن التدريبات، الأمر الذي يعد صحيحاً في جزء منه. أما السبب غير المعلن فقد يكون أن الهند ارتأت ألا تشارك في تدريبات عسكرية مشتركة مع قوات صينية وباكستانية بالنظر إلى الوضع المتأزم على الحدود. الواضح أن الهند ليست راغبة في إرسال إشارات خاطئة لشعبها والمجتمع الدولي».
ما يُذكر أنه من المقرّر مشاركة العديد من دول «منظمة شنغهاي للتعاون» في التدريبات، ومنها الصين وباكستان وروسيا وكازاخستان (قزاقستان) وقيرغيزستان وتاجيكستان وأوزبكستان ومنغوليا وسوريا وإيران ومصر وبيلاروسيا وتركيا وأرمينيا وأذربيجان وتركمانستان. وأيضاً، يشمل البرنامج مشاركة فرق من أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، المعترف بهما جزئياً كدول من جانب روسيا وعدد قليل من الدول الأخرى. ولقد سبق أن نظمت هذه التدريبات عامي 2012 و2016.
ووفق البرنامج المعدّ، ستجري التدريبات في منطقة أستراخان بجنوب روسيا (شمال شاطئ بحر قزوين) بين 15 و26 سبتمبر (أيلول)، بمشاركة ما يزيد على 13 ألف عسكري. وتشكل التدريبات المشتركة جزءاً من دورة تدريبية مؤلفة من أربع سنوات يخوضها الجيش الروسي. وبالنسبة للصين فإنها تشارك بكتيبة من الجيش وثلاث سفن حربية.

ثقل موازٍ لـ«ناتو»
من ناحية أخرى، ينظر كثيرون إلى صعود «منظمة شنغهاي للتعاون» على أنها الثقل الواعد الموازن لحلف شمال الأطلسي «ناتو». وتمثل المنظمة راهناً واحدة من أكبر التكتلات الدولية عبر الإقليمية، التي تضم بين جنباتها ما يقرب من 44 في المائة من سكان العالم، وتمتد حدود الدول المشاركة في المنظمة من المحيط المتجمد الشمالي إلى المحيط الهندي، ومن المحيط الهادي إلى بحر البلطيق. ولقد ركزت «منظمة شنغهاي للتعاون» على التنمية الاقتصادية والتواصل. وفي حين صبّت الصين جهودها على الترويج لضرورة تعزيز التواصل الإقليمي من خلال «مبادرة الحزام والطريق» الخاصة بها، ظل اهتمام الهند منصباً على الترويج للتجارة من خلال «ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب»، وأهمية الوصول إلى آسيا الوسطى عبر أفغانستان من خلال «ميناء تشابهار» الإيراني.

العلاقات الهندية - الروسية
تاريخياً، ربطت بين الهند والاتحاد السوفياتي علاقات صداقة وثيقة، وما زال الجميع يتذكرون الدعم السوفياتي للهند عام 1971 أثناء حرب بنغلاديش. وعليه، فإن الهند تعي جيداً أن انسحابها من تدريبات «القوقاز - 2020» سيكون أمراً مثيراً للإحباط لدى الجانب الروسي، خاصة أنها وجهت الدعوة إلى القوات البحرية الروسية للمشاركة في تدريبات عسكرية في بحر أندامان (المحيط الهندي)، قرب مضيق مالقا، وقبل الجانب الروسي الدعوة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن تدريبات «القوقاز - 2020» عادة ما تجري خلال يومي 4 و5 سبتمبر (أيلول)، وتشارك فيها ثلاث سفن حربية روسية وعلى الأقل عدد مماثل من سفن حربية هندية. واللافت للاهتمام أنها ستجري في المنطقة نفسها تقريباً التي من المقرر أن تجري فيها تدريبات مالابار التي تشارك فيها الهند والولايات المتحدة واليابان، وربما أستراليا أيضاً، في نوفمبر (تشرين الثاني).
من جهته، أعرب سرينجوي تشودري، محرّر الشؤون الوطنية بصحيفة «تايمز ناو»، عن اعتقاده بأن «هذه ليست مجرد تدريبات بحرية أُعدّت على عجل، بل رسالة موجهة بصورة أساسية إلى الصين. وحتى مع تغيّب الهند عن تدريبات (القوقاز - 2020)، فإن صلاتها بروسيا تبقى قوية مثلما كانت دوماً. ورغم وجود توترات في إقليم لاداخ (الحدودي مع الصين)، فإن هذا لا يوقف روسيا والهند عن العمل معاً على نحو وثيق».
ومن جانب متصل، يقول نيتين إيه غوكيل، المحلل المعني بقضايا الأمن الوطني، الذي ألف سبعة كتب حول قضايا عسكرية واستراتيجية، في تصريحات لوكالة «سبوتنيك» الروسية إن التساؤل عن تأثير التوتر الهندي الصيني على «منظمة شنغهاي للتعاون» وتجمّع «بريكس» (الذي يضم أيضاً البرازيل وجنوب أفريقيا) «مطروح منذ أمد طويل، وتتعذر الإجابة عنه بدقة في الوقت الحاضر، لكن الحقيقة تبقى أنه يتوجب على الهند أن تولي الأولوية الأولى لمصالحها الوطنية». ويتابع: «الحفاظ على (منظمة شنغهاي للتعاون) ليس مسؤولية الهند وحدها، بل كذلك مسؤولية للآخرين. وإذا كانوا يرغبون في وجود الهند داخل مثل هذه المنتديات، فعلى دول أخرى، مثل الصين وباكستان، التصرف على النحو الذي تتصرف به الدول الراغبة في التعاون مع الهند. لكن الواضح، راهناً، أن الصين وباكستان لا تبديان أي إشارات صداقة تجاه الهند... ولذا أرى أن الهند اتخذت القرار الصائب في هذا الصدد».

الاشتباكات الحدودية الهندية - الصينية

واقع الحال أنه خلال الأيام الأخيرة، بعد خمسة أشهر من التراشق المدفعي الثقيل بين الجيشين الهندي والصيني، عبر «خط الهدنة والضبط» الفاصل في شرق إقليم لاداخ الجبلي، سمع تجدد لإطلاق النار. وتكثف التوتر بعدما تبادل الجانبان التهم أكثر بالتسبب بالاحتكاك الجديد في نقطة حدودية ساخنة في جبال الهيمالايا.
المتابعون اعتبروا ما حدث تصعيداً جدّياً بين العملاقين النوويين الآسيويين، في حين وصف مصدر عسكري هندي الحادث الأخير بأنه «محدود» وجاء كـ«طلقات إنذار»، بعدما استهدفت نيران القوات الصينية مواقع هندية، وعقب ذلك تراشق محدود. وأردف المصدر أن القوات المرابطة على «خط الهدنة والضبط» موضوعة في حالة تأهب عالٍ منذ السيطرة على عدد من القمم المرتفعة في المنطقة المتنازع عليها. وفي المقابل، يواصل الصينيون السعي للسيطرة على قمتين استراتيجيتين تشرفان على معسكرات للقوات الصينية.
وهنا نشير إلى أن مواجهة هذا الأسبوع هي فعلياً أول اشتباك مسلح يُسجّل عبر الحدود الهندية الصينية منذ عام 1975. والملاحظ، أن الوضع العام على طول «خط الهدنة والضبط» يزداد توتراً رغم تعدد جولات الحوار الدبلوماسية والعسكرية. وبما يخصّ الصين، فإنها دأبت على تحميل الجانب الهندي مسؤولية التصعيد، بما في ذلك الاشتباك الدامي يوم 15 يونيو (حزيران) الماضي في وادي غالوان بإقليم لاداخ، حيث سقط 20 قتيلاً من أفراد القوات الهندية مقابل عدد غير معروف من الإصابات في صفوف القوات الصينية.
اليوم، لا يزال الوضع متوتراً بين الهند والصين مع اتخاذهما استعدادات عسكرية كبيرة، جاءت بعد اشتباكات يومي 29 و30 أغسطس (آب) الماضي، والصدامات التالية بين الجانبين على امتداد الحدود بينهما، وبالأخص، في إقليم لاداخ. ويعد هذا الصدام الأخير الأكثر خطورة في سلسلة أعمال التصعيد بين الجانبين منذ 15 يونيو في وادي غالوان.
من ناحيته، ذكر مصدر عسكري رفيع المستوى أن الوضع في شرق لاداخ لا يزال «حساساً» مع نشر الجانبين الصيني والهندي دبابات وقوات إضافية، وإقدام الجانب الهندي على خطوات انتقامية بفرض هيمنته على كامل الضفة الجنوبية من بحيرة بانغونغ تسو. أما الجانب الصيني فقد قال بنبرة غاضبة إن الهند انتهكت «إجماعاً سابقاً». وأضاف المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الصينية أن الصين «لم تخترق قط خط السيطرة الفعلية»، بينما أقدمت الهند على «اعتداءات غير قانونية».
ولكن، في أي حال، بالإضافة إلى التصعيد الصيني في غرب «خط الهدنة والضبط» عند لاداخ، تواصل بكين تجديد مطالبتها بولاية آروناتشال براديش الهندي في القطاع الشرقي من الحدود الهندية - الصينية. وكان الأمر قد تفاقم أخيراً هناك بعد اختفاء خمسة فتيان من آروناتشال براديش. وبعدما نفى الصينيون أن يكون الفتيان عندهم، تراجعوا خلال ثلاثة أيام وأعادوا الفتيان إلى العسكريين الهنود.
أما على الصعيد السياسي، فقد سبقت مواجهات هذا الأسبوع بأيام قليلة زيارة وزير الخارجية الهندي سوبرامانيان جايشنكار لموسكو من أجل حضور اجتماع «منظمة شانغهاي للتعاون» وانعقاد الاجتماع الحواري الجانبي المقرّر بينه وبين نظيره الصيني وانغ يي. وفي لقاء مع الإعلام قال جايشنكار إنه سيبلغ «وانغ أنه لا يمكن فصل الوضع الحدودي عن العلاقات بين البلدين». وأردف: «لدينا جملة من التفاهمات على إدارة الحدود تعود إلى عام 1993. وما لم يكن السلام والهدوء من المسلّمات والثوابت، فلن يمكن تطوير باقي مكوّنات العلاقات. إن السلام والهدوء أساس العلاقات الثنائية».
ومن جانبه، التقى وزير الدفاع الهندي راجناث سينغ نظيره الصيني واي فينغ هي خلال الأسبوع على هامش حضوره اجتماع وزراء دفاع دول «منظمة شنغهاي للتعاون»، وذلك في الزيارة الثانية لسينغ إلى موسكو خلال فترة قصيرة. وتعليقاً على الوضعين الميداني والسياسي، أشار الصحافي والكاتب كيه سي سينغ إلى أن «التطورات الجديدة غير مثيرة للدهشة بالنظر إلى تفاقم مشاعر الإحباط لدى الهند إزاء استغلال الجيش الصيني الحوار في تعطيل المزيد من إجراءات فك الاشتباك، بينما يعمل في الوقت ذاته على التوسع في المساحات التي اخترقها».
وفي هذا الصدد، حذّر بيبين راوات، رئيس هيئة أركان الدفاع العامة الهندي، يوم 24 أغسطس الماضي من أن «الخيار العسكري متاح لدى الهند إذا فشل الحوار». وبالفعل، تحركت الهند بسرعة لحماية مصالحها بعد الحادثة الأخيرة، لكن تبقى هناك حاجة لدراسة أسباب وقوع الصدام.
اليوم، تبقى القنوات العسكرية والدبلوماسية مفتوحة بين الهند والصين، لكن الحقيقة تظل أن الهند حالياً تقف في مواجهة صين ترى أنها قوة عالمية كبرى، وتحاول استغلال الوضع في لاداخ لإرسال رسالة إلى خصومها في مناطق أخرى من العالم.
ومع أنه توجد بارقة أمل في الوصول إلى السلام خلال اجتماعي وزيري الخارجية الهندي الصيني في موسكو، يتخوف المتابعون الهنود من أن وقوع أي أعمال تصعيد أخرى من جانب الجيش الصيني سيكون كفيلاً بالقضاء على أي مبادرة دبلوماسية.

لاداخ... في سطور

> لاداخ منطقة جبلية خاضعة للإدارة الهندية تحت صفة «أرض اتحادية»، وهي تشكل جزءاً من إقليم كشمير، الأكبر مساحة، والمتنازع عليه بين الهند وباكستان والصين منذ 1947.
يحد لادخ من الشرق إقليم التيبت الذاتي الحكم ضمن جمهورية الصين الشعبية، وولاية هيماتشال براديش الهندية من الجنوب، وكل من منطقة جامو وكشمير الهندية ومنطقة غيلغيت - بالتستان الباكستانية من الغرب، والزاوية الجنوبية الغربية من إقليم سنكيانغ - ويغور (تركمستان الشرقية) الصيني من أقصى الشمال عبر ممر كرا كورام الجبلي.
الطرف الشرقي من لاداخ يضم سهول أكساي تشين غير المأهولة، وتطالب الهند بهذه السهول وتعتبرها جزءاً من أرضها، مع أنها تحت السيطرة الصينية منذ 1962. أما على الصعيد الإداري فإن لاداخ ظلت حتى العام الماضي 2019 جزءاً من ولاية جامو وكشمير، ولكن البرلمان الهندي سن تشريعاً في أغسطس (آب) 2019 يجعل لاداخ «أرضاً اتحادية» اعتباراً من 31 أكتوبر (تشرين الأول) من ذلك العام.
يزيد عدد سكان لاداخ قليلاً على 275 ألف نسمة، أما عاصمتها فهي بلدة ليه، التي تعد أيضاً أكبر تجمعاتها السكانية، تليها بلدة كارجيل. وللعلم، يعيش معظم سكان المنطقة في وديان ترويها أنهار المنطقة التي تغذيها مياه ثلوج جبالها الشاهقة.
من ناحية ثانية، بخلاف جامو وكشمير، ذات الغالبية السكانية المسلمة الكبيرة، يتوزّع سكان لاداخ على عدة ديانات ومذاهب، منها: الإسلام (غالبية شيعية) ونسبة معتنقيه 46 في المائة، والبوذية التيبتية (40 في المائة)، والهندوسية (12 في المائة) بجانب أقليات أخرى تقارب نسبتها الـ2 في المائة. ثم إن لاداخ من الناحيتين الثقافية والتاريخية قريبة جداً من التيبت.


مقالات ذات صلة

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

حصاد الأسبوع جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب

يوسف دياب (بيروت)
حصاد الأسبوع تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني

براكريتي غوبتا (نيودلهي (الهند))
حصاد الأسبوع تشون دو - هوان (رويترز)

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
حصاد الأسبوع الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

شرق السودان... نار تحت الرماد

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق

أحمد يونس (كمبالا (أوغندا))
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

اختارت مجلة تايم الأميركية دونالد ترمب الذي انتخب لولاية ثانية على رأس الولايات المتحدة شخصية العام 2024.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
TT

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة اقتصادها المتدهور. رجل وصفه المستشار بأنه «أناني»، وشن عليه هجوماً شخصياً نادراً ما يصدر عن شولتس المعروف بتحفظه وهدوئه. ذلك الرجل كان وزير ماليته كريستيان ليندنر، زعيم «الحزب الديمقراطي الحر» الذي كان شريكاً في الحكومة الائتلافية الثلاثية منذ عام 2021، برئاسة «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكي)، ومشاركة حزب «الخضر». ولقد طرده شولتس من الحكومة بعد خلافات حول ميزانية سنة 2025، ما تسبب بخروج الوزراء المتبقين من «الحزب الديمقراطي الحر»، ليبقى المستشار يقود حكومة أقلية حتى إجراء الانتخابات المبكرة في 23 فبراير المقبل. ثم إن شولتس تعرض لانتقادات كثيرة لهجومه الشخصي على ليندنر، خاصة من المستشارة السابقة أنجيلا ميركل التي وصفته بأنه كان «خارجاً عن السيطرة». لكن مع ذلك، فإن الصورة التي رسمها المستشار عن وزيره قد تحمل شيئاً من الواقع؛ إذ خرجت انتقادات من أوساط الديمقراطيين الأحرار لليندنر و«تصرفه بشكل أحادي» في دفع المستشار لإقالته. وقبل ذلك طالته انتقادات بعدما أصبح «الوجه الأوحد» لـ«الحزب الديمقراطي الحر» إبان الانتخابات الماضية عام 2021 وقبلها عام 2017. ولعل الحزب تسامح مع تصرفات ليندنر «الأنانية» تلك لنجاحه بإعادة الحزب إلى الخارطة السياسية بعد انهياره تقريباً عام 2013 وفشله بدخول البرلمان للمرة الأولى في تاريخه. إلا أن مستقبل الرجل الذي أعاد حزبه إلى الحياة... هو نفسه في خطر. فهل يستمر ليندنر بالبناء على تاريخه حتى اليوم للنهوض مجدداً؟

قد يكون كريستيان ليندنر أصغر زعيم انتُخب ليرأس حزبه «الديمقراطي الحر»، عن عمر 34 سنة فقط عام 2013، بيد أنه لم يكن ناجحاً على الدوام. وبعكس حياته السياسية وصعوده السريع إلى القمة، فشل ليندنر في مشاريع أعمال أطلقها عندما كانت السياسة ما زالت هواية بالنسبة إليه. واعترف لاحقاً بإخفاقاته تلك، مستعيناً بعبارة «المشاكل هي مجرد فرص شائكة» لكي يدفع نفسه إلى الأمام.

وبين عامَي 1997 و2001 أسس شركات خاصة مع أصدقاء له، انتهت بالفشل آخرها شركة «موماكس» التي انهارت وأفلست بعد أقل من سنة على إطلاقها.

هذه «الإخفاقات» التي طبعت مغامراته التجارية وهو في مطلع العشرينات قد تكون دفعته للتوجه إلى السياسة بجدية أكبر. وبالفعل، نجح عام 2001 بدخول البرلمان المحلي في ولايته شمال الراين-وستفاليا وهو ابن 21 سنة ليغدو أصغر نائب يدخل برلمان الولاية. ولصغر سنه وقسمات وجهه الخجولة كسب ليندنر آنذاك لقب «بامبي» بين أعضاء الحزب نسبة للغزال الصغير عند «ديزني».

«بامبي» في «البوندستاغ»

في عام 2009، فاز ليندنر بمقعد في البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) ليعود عام 2012 إلى ولايته أميناً عاماً للحزب في الولاية ونائباً محلياً مرة أخرى.

وبعدها ساعدت إخفاقات الديمقراطيين الأحرار في الانتخابات العامة عام 2013 بتسليط الضوء على ليندنر، الشاب الكاريزماتي الطموح الذي وجد فرصة سانحة أمامه للصعود داخل الحزب. ويومذاك فشل الحزب بتخطي عتبة الـ5 في المائة من أصوات الناخبين التي يحددها القانون شرطاً لدخول «البوندتساغ». وعقد أعضاؤه اجتماعاً خاصاً لمناقشة النتائج الكارثية التي لم يسبق للحزب أن سجلها في تاريخه، وانتخب ليندنر، وهو في سن الـ34، زعيماً للحزب مكلفاً بتأهيله وإعادته للحياة... وبذلك بات أصغر زعيم ينتخب لـ«الحزب الديمقراطي الحر».

شاب أنيق وجذّاب

شكّل سن ليندنر وأناقته وشخصيته عاملاً جاذباً للناخبين الشباب خاصة. وقاد حملة مبنية على أساس جذب الشباب ونفض صورة الحزب القديم التقليدي عنه، كما ساعده حضوره على وسائل التواصل الاجتماعي في التواصل مع مستخدميها من الشباب وتقريبهم إلى الحزب.

وغالباً ما نُشرت له صور من حياته الشخصية على «إنستغرام»، منها صورة لإجازة مع فرانكا ليهفيلدت، زوجته الصحافية التي كانت تعمل في قناة «دي فيلت»، ولقد عقدا قرانهما وهو في الحكومة عام 2022 في حفل ضخم وباذخ بجزيرة سيلت حضره عدد كبير من السياسيين. وينتظر الزوجان مولودهما الأول في الربيع المقبل.

للعلم، كان ليندر متزوجاً قبل ذلك من صحافية أخرى كانت نائبة رئيس تحرير «دي فيلت» أيضاً، هي داغمار روزنفلت، التي تكبره سناً ولم ينجبا أطفالاً معاً. لكنهما ظلا متزوجين من 2011 وحتى 2018 عندما أعلن طلاقهما وكشف عن علاقته مع ليهفيلدت.

أيضاً، لا يخفي ليندنر حبه للسيارات السريعة، وكان قال غير مرة قبل دخوله الحكومة مع حزب «الخضر» بأنه يهوى السيارات القديمة ويملك سيارة بورشه قديمة ومعها يملك رخصة للسباقات. وبجانب هذه الهواية يحب اليخوت ويملك رخصة للإبحار الرياضي وأخرى للصيد.

صورة شبابية عصرية

هذه الصورة التي رسمها ليندنر لنفسه، صورة الرجل الأنيق الذي يهتم بمظهره (لدرجة أنه خضع لزرع شعر) ويمارس هوايات عصرية، ساعدته على اجتذاب ناخبين من الشباب خاصة، وجعلته ينجح بإعادة حزبه إلى البرلمان عام 2017 بحصوله على نسبة أصوات قاربت 11 في المائة.

في حينه دخل في مفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية مع المستشارة أنجيلا ميركل التي فاز حزبها بالانتخابات، وكانت تبحث عن شركاء للحكم إثر حصولها على 33 في المائة من الأصوات. وفعلاً، بدأت ميركل مفاوضات مع الديمقراطيين الأحرار و«الخضر»، لكن ليندنر انسحب فجأة من المفاوضات بعد 4 أسابيع، ليعلن: «أفضل عدم الحكم من الحكم بشكل خاطئ».

ليندنر كان يختلف آنذاك مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين قبل سنتين. ويومها واجه الانتقاد لتفويته على حزبه فرصة الحكم، وهي فرصة خشي بعض الحزبيين ألا تُتاح مُجدداً.

ائتلاف مع اليسار

غير أن الفرصة أتيحت مرة أخرى في الانتخابات التالية عام 2021 عندما حقق «الحزب الديمقراطي الحر» نتائج أفضل من الانتخابات السابقة، حاصلاً على نسبة 11.5 في المائة من الأصوات. ومع أن «الحزب الديمقراطي الحر» حزب وسطي ليبرالي يؤيد الحريات الاقتصادية، ويعدّ شريكاً طبيعياً لحزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (يمين معتدل)، قرر ليندنر عام 2021 الدخول في ائتلاف حاكم مع الاشتراكيين و«الخضر»؛ ذلك أن الأخير يعتبر نقيضاً فكرياً للديمقراطيين الأحرار الذين يرون سياساته البيئية مكلفة وكابحة للتقدم الاقتصادي.

وهكذا تسلم ليندنر إحدى أهم الوزرات؛ إذ عُيّن وزيراً للمالية وثاني نائب للمستشار. وحقق بذلك حلمه الذي غالباً ما كرره خلال الحملات الانتخابية بأنه يريد أن يصبح وزيراً للمالية، وحتى إنه عرّف نفسه في إحدى الحملات ممازحاً: «تعرّفوا على وزير ماليتكم المقبل!».

خلفيته العلمية والفكرية

اهتمام ليندنر بالسياسة الاقتصادية ينبع من اهتماماته منذ تخرّجه من الجامعة؛ حيث درس العلوم السياسية ثم القانون والفلسفة في جامعة بون المرموقة (واسمها الرسمي جامعة راينيشه فريدريش - فيلهامز).

ثم إنه لم ينضم فور مغادرته المدرسة للخدمة العسكرية التي كانت إجبارية آنذاك، وأجّلها للدراسة وإكمال مغامراته التجارية، لكنه عاد لاحقاً وانضم إلى جنود الاحتياط ووصل لرتبة رائد. ورغم فشل مغامراته التجارية، بقيت اهتماماته السياسية منصبّة على الجانب المالي، ومن هنا جاء طموحه بأن يصبح وزيراً للمالية في الحكومة الفيدرالية.

وفكرياً، يؤمن ليندنر وحزبه بتقليص الإنفاق العام وخفض الضرائب وفتح الأسواق أمام الشركات الخاصة. ودائماً عارض خططاً عدّها متطرفة يدعمها «الخضر» لاستثمارات أكبر في الطاقة النظيفة بحجة تكلفتها العالية وتأثيرها على الشركات والأعمال. وكانت المفارقة أنه تسلّم حكومة كانت مسؤولة عن تطبيق سياسات تروّج للطاقة البديلة وتزيد من النفقات الاجتماعية وترفع من الضرائب.

هذا الأمر كان صعباً عليه تقبّله. ورغم وجود اتفاق حكومي حدّدت الأحزاب الثلاثة على أساسه العمل خلال السنوات الأربع من عمرها، عانى عمل الحكومات من الخلافات منذ اليوم الأول. وطبعاً لم تساعد الحكومة الأزمات المتتالية التي اضطرت لمواجهتها وكانت لها تأثيرات مباشرة على الاقتصاد، بدءاً بجائحة كوفيد-19 إلى الحرب الأوكرانية.

ولذا كان شولتس غالباً ما يعقد خلوات مع ليندنر وزعيم «الخضر»، روبرت هابيك، ويطول النقاش لساعات بأمل التوصل لحلول وسط يمكن للحكومة أن تكمل فيها عملها. وفي النهاية، كان من أبرز نقاط الخلاف التي رفض ليندنر المساومة فيها هي ما يُعرف في ألمانيا بـ«مكابح الدَّين العام»؛ إذ يرفض الدستور الألماني الاستدانة إلا في حالات الطوارئ، ولقد استخدمت الحكومة كوفيد-19 كطارئ للتخلي عن «مكابح الدَّين العام»، وبالتالي، الاستدانة والإنفاق للمساعدة عجلة الاقتصاد.

وأراد شولتس تمديد العمل بحالة الطوارئ كي تتمكن حكومته من الاستدانة وتمويل الحرب في أوكرانيا من دون الاقتطاع من الخدمات العامة، لكن ليندنر رفض مقترحاً تخفيض الإنفاق العام في المقابل، الأمر الذي اعتبره شولتس «خطاً أحمر».

تهم وشكوك

وحقاً، اتُّهم ليندنر بعد طرده بأنه كان يخطط للانسحاب من الحكومة منذ فترة، وبأنه وضع خطة لذلك بعدما وجد أن حزبه منهار في استطلاعات الرأي وأن نسبة تأييده عادت لتنخفض إلى ما دون عتبة الـ5 في المائة.

أيضاً، كُشف بعد انهيار الحكومة عن «وثيقة داخلية» أعدّها ليندنر وتداولها مع نفر من المقرّبين منه داخل الحزب، تحضّر للانسحاب من الحكومة بانتظار الفرصة المناسبة. وقيل إنه بدأ يخشى البقاء في حكومة فقدت الكثير من شعبيتها بسبب المشاكل الاقتصادية وارتفاع التضخّم خلال السنوات الثلاث الماضية، ما أثر على القدرة الشرائية للألمان. وبناءً عليه، خطّط ليندنر للخروج منها قبل موعد الانتخابات واستخدام ذلك انتخابياً لإعادة رفع حظوظ حزبه الذي يبدو الأكثر تأثراً من الأحزاب المشاركة في الحكومة، بخسارة الأصوات. وطرحت «الوثيقة» التي كُشف عنها مشكلة أخرى بالنسبة لليندنر - داخل حزبه هذه المرة - فواجه اتهامات بالتفرّد بالقرارات وحتى دعوات لإقالته.

طامح لمواصلة القيادة

حتى الآن، يبدو كريستيان ليندنر مصراً على قيادة حزبه في انتخابات فبراير (شباط)، وما زال لم يفقد الأمل العودة حتى إلى الحكومة المقبلة وزيراً للمالية في حكومة يقودها زعيم الديمقراطيين المسيحيين، فريدريش ميرتز، الذي يتقدّم حزبه في استطلاعات الرأي ومن المرجح أن يتولى المستشارية. وللعلم، ميرتز نفسه أبدى انفتاحاً على ضم ليندنر إلى حكومته المحتملة، وشوهد الرجلان بعد أيام من إقالة ليندنر يتهامسان بتفاهم ظاهر داخل «البوندستاغ».

ولكن عودة ليندنر للحكومة ستتطلب منه بدايةً تخطي عقبتين: الأولى أن يبقى على رأس حزبه لقيادته للانتخابات. والثانية أن ينجح بإقناع الناخبين بمنح الحزب أصواتاً كافية لتخطي عتبة الـ5 في المائة الضرورية لدخول البرلمان.