من الممكن أن تكون التوقعات الكبيرة بشأن مستقبل أي لاعب شاب مميز بمثابة لعنة كبرى عليه؛ لأنه لا يتم الحكم على هذا اللاعب من خلال ما قدمه بالفعل؛ لكن يتم الحكم عليه بناء على المستقبل الذي ينتظره منه الجميع. وعندما يزيد عمر هذا اللاعب ويتوقف العالم عن النظر إليه على أنه لاعب واعد ينتظره مستقبل مشرق، وعندما يقرر النادي الكبير التخلي عن خدماته لأنه لم يقدم المتوقع منه، فهناك ناديان لا ثالث لهما في إنجلترا ينقضان للحصول على خدمات هذه النوعية من اللاعبين: وستهام يونايتد وإيفرتون!
ويمكن القول بأن هذين الناديين باتا مقصداً لمن يمكن وصفهم بـ«اللاعبين الذين ضل سعيهم» في كرة القدم العالمية، إن جاز التعبير. وعندما ترغب الأندية الكبرى في التخلص من اللاعبين الذين لم يقدموا المستويات المأمولة، فإن هؤلاء اللاعبين يجدون مكاناً لهم في هذين الناديين اللذين يواصلان دفع الرواتب العالية لمثل هؤلاء اللاعبين، رغم أنهم لم يعودوا قادرين على تقديم مستويات جيدة، ورغم أنهم اقتربوا من نهاية مسيرتهم الكروية، وأصبحوا على وشك الاعتزال!
ووفقاً للنظريات الاقتصادية المعقولة والمنطقية، فإن الأندية متوسطة المستوى مثل إيفرتون يتعين عليها أن تبحث عن التعاقد مع لاعبين صغار في السن من دوريات متوسطة في أوروبا، كأن تتعاقد مع لاعب يبلغ من العمر 22 عاماً قادماً من أوغسبورغ مثلاً، أو جناح واعد من بنفيكا، أو مدافع شاب سريع من ميتز، وتعمل على تحسين وتطوير مستواهم، ثم بيعهم بأسعار أكبر بعد ثلاث أو أربع سنوات. لكن مرة أخرى، يلهث النادي وراء اللاعبين الذين تتخلى عنهم الأندية الكبرى بعدما لم يعد لديهم ما يقدمونه، وكانت النتيجة أن يضم النادي بين صفوفه لاعبين من نوعية ثيو والكوت، ومويس كين، وأليكس إيوبي، وغيلفي سيغوردسون، وفابيان ديلف، ولوكاس ديني.
هذا لا يعني أن هؤلاء اللاعبين ليسوا جيدين، فكين لا يزال في العشرين من عمره، وإيوبي في الرابعة والعشرين من عمره، وما زال أمامهما متسع من الوقت للتألق. ولا يعني ذلك أيضاً أن هؤلاء اللاعبين لا يتناسبون مع إيفرتون، أو أن هؤلاء اللاعبين يفتقرون إلى الالتزام. وإذا كان هؤلاء اللاعبون أنفسهم يرون أن انضمامهم إلى إيفرتون هو خطوة للوراء، فكيف يمكن النظر إلى ذلك؟ في الحقيقة، دائماً ما كان نادي إيفرتون مجرد خطوة سواء للأمام أو للخلف؛ لكنه نادراً ما كان وجهة دائمة في حد ذاته. لكن الشيء الواضح للجميع أن إيفرتون يضم مثل هؤلاء اللاعبين بأسعار مبالغ فيها.
ويجب الإشارة إلى أن إيفرتون ليس في وضع جيد من الناحية المالية. وفي موسم 2018 – 2019، تكبد النادي خسائر قدرها 112 مليون جنيه إسترليني. ووفقاً لما نشره الخبير المالي سويز رامبل على حسابه على موقع «تويتر»، فمن بين أغنى 20 نادياً في العالم من حيث الإيرادات (يحتل إيفرتون المركز التاسع عشر)، لا يوجد نادٍ أعلى من إيفرتون فيما يتعلق بنسبة الأجور إلى معدل دوران رأس المال، بنسبة 85 في المائة. وتضم هذه القائمة ثلاثة أندية فقط تتجاوز نسبة الأجور إلى معدل دوران رأس المال 65 في المائة. ويؤكد ذلك أن إيفرتون يتصرف بطريقة غريبة للغاية لا تتناسب مع وضعه المالي.
وبالتالي، من المنطقي أن يعمل النادي على خفض فاتورة الأجور والتخلص من عدد من اللاعبين الذين يحصلون على أجور مرتفعة؛ خصوصاً في ظل تدني الإيرادات بسبب تفشي فيروس «كورونا». ومع ذلك، يبدو أن إيفرتون ما زال مصراً على دفع مزيد من الأموال لإبرام صفقات جديدة، في ظل التعاقد، أو قرب التعاقد مع كل من عبد الله دوكوري، وآلان، وأعظم من «ضل طريقه» في عالم كرة القدم، اللاعب الكولومبي خاميس رودريغيز!
وفي الحقيقة، يجسد رودريغيز مخاطر ما يمكن أن يحدث عندما يرى رئيس نادٍ لاعباً يتألق خلال بطولة كبرى ويقرر على الفور التعاقد معه. لقد كان رودريغيز يقدم مستويات جيدة مع بورتو وموناكو، وكان من الواضح أنه يمتلك فنيات وقدرات جيدة وواعدة للغاية. وعندما كان في الثانية والعشرين من عمره، سجل هدفاً رائعاً «على الطائر» في مرمى أوروغواي في نهائيات كأس العالم 2014، وحصل على لقب هداف البطولة. وسرعان ما سال لعاب رئيس نادي ريال مدريد، فلورنتينو بيريز الذي تعاقد مع اللاعب في صفقة جعلته رابع أغلى صفقة في تاريخ كرة القدم! وكان الموسم الأول للاعب الكولومبي في ملعب «سانتياغو برنابيو» تحت قيادة المدير الفني الإيطالي كارلو أنشيلوتي، جيداً نسبياً؛ حيث سجل 13 هدفاً وصنع 13 هدفاً؛ لكن الإصابات عطلته كثيرا؛ حيث خضع لجراحة في مشط القدم بعد تعرضه للكسر، كما عانى من مشكلة مزمنة في الفخذ.
ورحل أنشيلوتي عن النادي الملكي بعد عام واحد، وجاء بدلاً منه رافائيل بينيتيز الذي يبدو أنه لم يثق أبداً في رودريغيز، ولم يقتنع بالعمل الذي يقوم به أو بانضباطه الخططي والتكتيكي داخل الملعب. ونتيجة ذلك، أعير رودريغيز إلى بايرن ميونيخ الذي كان يقوده أنشيلوتي آنذاك، لمدة عامين. ومرة أخرى، كان الموسم الأول للاعب الكولومبي واعداً؛ حيث أحرز 7 أهداف وصنع 11 هدفاً؛ لكن أنشيلوتي أُقيل من منصبه في نهاية سبتمبر (أيلول)، وأصبح رودريغيز، سواء كان ذلك منصفاً أم لا، رمزاً للفترة التي لم يحقق فيها العملاق البافاري نتائج جيدة تحت قيادة المدير الفني الإيطالي.
ولم يُفعِّل بايرن ميونيخ بند أحقية الشراء في عقد اللاعب، وبالتالي عاد رودريغيز إلى ريال مدريد؛ لكن المدير الفني للفريق الملكي زين الدين زيدان الذي يعمل بطريقة برغماتية مثل تلك التي يعمل بها بينيتيز، لم يجد مكاناً لرودريغيز في تشكيلة الفريق. ومع وصوله إلى أواخر العشرينات من عمره، وهي المرحلة العمرية التي ينبغي أن يكون فيها في أوج عطائه الكروي، لم يشارك رودريغيز الذي كان ينظر إليه قبل ست سنوات على أنه أبرز موهبة شابة في جيله، إلا في 18 مباراة في الدوري الإسباني الممتاز على مدار موسمين.
وبالتالي، فإن السؤال الذي سيطرح نفسه هو: أين كان سيذهب رودريغيز لو لم ينتقل إلى إيفرتون؟ من المؤكد أن أي نادٍ يحسبها جيداً من الناحية المالية لم يكن ليتعاقد مع لاعب في التاسعة والعشرين من عمره ومستواه في تراجع واضح، حتى لو كان المقابل الأول للصفقة يصل إلى 20 مليون جنيه إسترليني. ومن المؤكد أن صفقة كهذه غير منطقية تماماً من الناحية المالية. وعلاوة على ذلك، كانت هناك أيضاً أسئلة حول الهدف من تعيين أنشيلوتي على رأس القيادة الفنية لإيفرتون ومدى ملاءمته للعمل في النادي! ورغم أن المدير الفني الإيطالي لم يقدم – حتى الآن – ما يبرر التعاقد معه، فإن وجوده على رأس القيادة الفنية للفريق كان له جانب إيجابي يتمثل في إمكانية التعاقد مع لاعبين من نوعية رودريغيز وآلان اللذين ربما كان من الصعب للغاية أن ينضما إلى إيفرتون، لولا فرصة العمل مع أنشيلوتي الذي عملا تحت قيادته من قبل!
قد ينجح رودريغيز في تقديم مستويات جيدة وقد يفشل؛ لكنه على الأقل يستحق فرصة المتابعة لمعرفة ما سيقوم به. ومن المؤكد أن وجود آلان ودوكوري سيجعل خط وسط إيفرتون أكثر ديناميكية وحركة وقوة من خط الوسط الضعيف الذي اعتمد عليه أنشيلوتي في معظم فترات النصف الثاني من الموسم الماضي.
وقد تحقق هذه الصفقات مردوداً جيداً داخل المستطيل الأخضر؛ لكن الشيء المؤكد أنها ستزيد معاناة النادي فيما يتعلق بفاتورة الأجور! في الحقيقة، يبدو التعاقد مع رودريغيز بمثابة مغامرة كبيرة، وكان يمكن لإيفرتون أن يقوم بدلاً من ذلك بالتعاقد مع لاعب خط وسط يبلغ من العمر 22 عاماً من نادٍ مثل أوغسبورغ، أو جناح من نادي بورتو، أو مدافع شاب سريع من نادي ميتز.
وأخيراً، قد يتمكن رودريغيز من الهروب من الأحلام الذهبية لشبابه ليصبح شيئاً ذا معنى في الوقت الحاضر، فمن يدري؟
ضم رودريغيز إلى إيفرتون... مغامرة غير محسوبة أم إحياء لأحلام اللاعب الذهبية؟
المهاجم الكولومبي تألق في مونديال 2014 ثم جلس على مقاعد البدلاء في ريال مدريد وبايرن ميونيخ
ضم رودريغيز إلى إيفرتون... مغامرة غير محسوبة أم إحياء لأحلام اللاعب الذهبية؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة