سنوات السينما: They Live (1988)

رودي بايبر يكتشف… هم أحياء
رودي بايبر يكتشف… هم أحياء
TT

سنوات السينما: They Live (1988)

رودي بايبر يكتشف… هم أحياء
رودي بايبر يكتشف… هم أحياء

They Live (1988)
- ارتدِ النظارة واكتشف
- (ممتاز)
لم ينجز راي نلسون الشهرة ذاتها التي حققها العديد من الروائيين الآخرين في مجال قصص الخيال العلمي، لكنه قام سنة 1963 بكتابة رواية قصيرة عنوانها «الساعة الثامنة صباحاً» (Eight O‪’‬Closk in the Morning) اختارها المخرج جون كاربنتر وحوّلها، سنة 1988. إلى فيلم في سلسلته المديدة من أفلام الرعب التي التزم بها، أكثر من سواها، منذ أن حقق لحساب الراحل مصطفى العقاد، فيلم «هالووين» سنة 1978.
إذا كان فيلم ستيفن سودربيرغ «عدوى» (Contageon) المنجز سنة 2011 تتنبّأ بانتشار وباء قاتل يحمل ذات العوارض التي تفشّت هذا العام باسم «كورونا»، فإن «هم أحياء» حمل رسالة تتنبأ بما تحفل به مواقع معيّنة اليوم من نظريات مؤامرة مشابهة بعضها يتجه يميناً والآخر يساراً وكل يطلق النار على الآخر.
‫لكن «هم أحياء» (أو «يحيون» تبعاً للدقة) لا يذهب وراء تعريض قضيّته إلى هدف سهل. ما يطرحه هو مجاز سياسي يلتقي وأفلام أخرى حملت هذه المجازات من الخمسينات وما بعد. أشهرها «غزو ناهشو الجسد» (Invasion of the Body Snatchers) الذي تحدّث عن بذور تهبط مع المطر وتنمو سريعاً كشرانق لكي تتسلل إلى النائمين ليلاً وتغزو أبدانهم. في اليوم التالي هم بالملامح ذاتها إنما من دون أرواح.‬
هنا تختلف الحكاية. مصارع اسمه نادا (قام به رودي بايبر) يصل شبه مفلس إلى المدينة ويجد ملاذاً في شقق للمعوزين. حال يبدأ الفيلم نراه يكتشف نظّارات إذا ما وضعها على عينيه اكتشف أن العديد من الناس حوله ليسوا بشراً بل سلاحف مخيفة. يهاب الأمر في البداية لكن مع معاودة استخدام النظارة يتأكد له أن هذه السلاحف التي تسير على قدمين وتبدو بشرية من دون النظّارات، ما هي إلا غزو يهدف للسيطرة على المدينة، وبالتالي على أميركا (كحال الوضع الذي تناوله فيلم «غزو ناهشي الجسد»). الاختلاف البيّن عن فيلم دونالد سيغال ذاك، أن البذور المتحوّلة إلى شرانق لتلتهم البشر كانت رمزاً لخطر الشيوعية التي كانت الولايات المتحدة بدأت بمحاربته من بعد انتهاء التحالف الذي قام بينها وبين روسيا خلال الحرب العالمية الثانية. وجد الأميركيون أن هناك خلايا شيوعية منتشرة بين المثقفين وعدد كبير من السينمائيين وجب استئصالها والقضاء عليها. فيلم سيغال أندرج في هذا الاتجاه بوضوح.
فيلم جون كاربنتر يمشي في اتجاه مخالف، فهذه المخلوقات المتحوّلة ليست ليسوا سوى قوّة سياسية مؤلفة من طبقة ثرية تحاول فرض أجندتها الاقتصادية مستخدمة ضروب الدعاية والإعلان والقوّة البوليسية حين تقتضي الحاجة. لا يجد بطل الفيلم سوى الانضمام إلى مجموعة من الثوار (يقودها الممثل كيث ديفيد). لينتهي الفيلم بنصر محدود النتائج لمن قاوم السلاحف البشرية (وبالتالي السياسية). محدودية الانتصار أوحت للمشاهدين آنذاك أن جزءاً آخر سيلي هذا العمل، وهو الأمر الذي لم يحدث. التوجه اليساري لهوليوود في الثمانينات كان واضحاً في أكثر من فيلم، خصوصاً في سينما الرعب والخيال العلمي. وهذا الفيلم من بينها، لكن نظرة هذا الناقد له، أو لسواه، تخلو من التأييد لأي طرف دون آخر بناء على مضمونه. هي محض فنية لا علاقة لها برسالة الفيلم وتلتقي مع تقديره العالي لفيلم «غزو ناهشو الجسد» بعيداً عن اختيارات كل مخرج ورموز كل فيلم ومنهجه.
«هم أحياء» فيلم رعب مسلٍ وسخريته تناسب التوجه العام لتلك الفترة، كما الحالية لمن يرى أن المرحلتين، الريغانية والترمبية، واحدة. منفّذ بنجاح ضمن النوع الذي ينتمي إليه. لدى كاربنتر القدرة المعهودة على تنفيذ المفاجئ والمشوّق من المشاهد وبارع في كتابتها وتحقيقها بما يضمن لها شروط النجاح.


مقالات ذات صلة

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

يوميات الشرق مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى؛ فإن المصرية مريم شريف تفوّقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بـ«مهرجان البحر الأحمر».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
TT

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)

RENDEZ‪-‬VOUS AVEC POL‪-‬POT ★★★

* إخراج: ريثي بَنه (فرنسا/ كمبوديا)

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم. ويُذكّر الفيلم أن الصحافة في تاريخها العريق، دائماً ما وجدت نفسها أمام مسؤوليات وتحديات عديدة. في هذا الفيلم الذي أخرجه ريثي بَنه عن الأحداث التي عصفت في بلاده سنة 1978 اقتباسات عن كتاب الصحافية إليزابيث بَكَر (Becker) وعن تجربتها بصفتها واحدة من 3 صحافيين دُعوا لمقابلة بُل بوت، رئيس وزراء كمبوديا وأحد قادة منظمة «الخمير الحمر» (Khmer Rouge) المتهمة بقتل ما لا يقل عن مليون و500 كمبودي خلال السبعينات. الصحافيان الآخران هما الأميركي ريتشارد دودمان، والأسكوتلندي مالكوم كالدويل.

لا يبدو أن المخرج اتّبع خُطى الكتاب كاملةً بل تدخّل بغايةِ ولوج الموضوع من جانب الحدث الذي وضع حياة الثلاثة في خطر بعدما جاءوا للتحقيق ومقابلة بُل بوت. في الواقع دفع الأميركي حياته ثمناً لخروجه عن جدول الأعمال الرسمي والتقاطه صوراً تكشف عن قتلٍ جماعي. وفي الفيلم لحظة مختصرة لكنها قاسية التأثير عندما يَلقى الصحافي حتفه غرقاً في نهر دُفع إليه.

الفرنسية إيرين جاكوب التي تؤدي شخصية الكاتبة بَكَر تُعايش بدورها الوضع بكل مأساته. تُفصل عن زميلها ولم تعد تعرف عنه شيئاً، وتمر بدورها بتجربة مخيفة لم تكن تعلم إذا ما كانت ستخرج منها حية.

في باطن هذا الفيلم الجيد على تواضع إنتاجه، تُطرح أسئلة فيما إذا كان الصحافي يستطيع أن يقبل التحوّل إلى جزءٍ من البروباغاندا. وهل هو أداة لنقل الرأي الرسمي بغياب حرية التعبير؟ وماذا لو فعل ذلك وماذا لو لم يفعل؟

هو ليس بالفيلم السّهل متابعته من دون معرفة ذلك التاريخ ودلالاته حول العلاقة بين النُّظم الفاشية والإعلام. والحرية التي لا تُمنح لصحافيين محليين هي نفسها التي لا تُمنح كذلك للأجانب ما دام عليهم نقل ما يُقال لهم فقط.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

‪THE‬ WRESTLE‪R‬ ★★

* إخراج: إقبال حسين شودهوري (بنغلاديش).

يقترب الرجل المسن موجو (ناصر أودين خان) وسط أشجار ليست بعيدة عن شاطئ البحر وينتقل من واحدة لأخرى ماداً يديه إليها كما لو كان يريد أن يدفعها بعيداً أو أن يُزيحها من مكانها. ومن ثَمّ يتركها ويركض صوب أخرى ليقوم بالفعل نفسه قبل أن يعود إليها. يبعث هذا المشهد على تكراره سخرية غير مقصودة. قد تكون طريقة قديمة لممارسة تمارين المصارعة أو التدريب الوحيد المُتاح في تلك القرية، لكن موجو جادٌ في محاولته لدفع الأشجار إلى الخلف أو تغيير مواقعها، استعداداً لملاقاة مصارع أصغر منه سنّا وأكبر حجماً في المباراة المقبلة.

«المصارع» (أبلبوكس فيلمز)

هناك كثير مما يتأمله المخرج شودهوري بطيئاً قبل تلك المباراة وما بعدها. بعضُ المشاهد لديها نسبة معقولة من الشِّعر الناتج عن تصوير الطبيعة (ماء، أشجار، حياة... إلخ) وبعضها الآخر لا يفضي إلى تقدير خاص. في نصف الساعة الأولى يعكس المخرج شغفاً ما بتصوير شخصياته من الخلف. عندما يتخلى المخرج عن هذه العادة لاحقاً، يستبدل بتلك اللقطات سلسلة من المشاهد البعيدة عن شخصياته في الغالب. هنا يتحسّن تأطير اللقطات على نحوٍ نافع ولو أن شغله على الدراما يبقى غير ذي مكانة.

يطرح الفيلم مشكلة رجلٍ لا يريد الاعتراف بالواقع ويتحدى من هو أكثر قوّة منه. يحقّق طموحه بلقاء المصارع الآخر ويخفق في التغلب عليه. في الواقع يسقط أرضاً مغشياً ومن ثمّ نراه لاحقاً في بيت العائلة قبل أن يعود إلى تلك الأشجار ليصارعها. المخرج (ثاني فيلم له) طموح، لكن أدواته التّعبيرية وإمكانياته التي تفرض نفسها على السيناريو وحجم الفيلم بأسره، محدودة.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

ONE OF THOSE DAYS WHEN HEMME DIES ★★★

* إخراج: مراد فرات أوغلو (تركيا).

قرب نهاية الفيلم يبدأ الشاب أيوب مراجعة ما مرّ به طوال اليوم. لقد انطلق غاضباً من المُشرِف على العمل عندما شتم أمّه. يعمل أيوب في حقلٍ لتجفيف الطاطم. ويعرف المخرج كيف يوظّف المكان، درامياً (سهل منبطح تحت شمس حامية وصعوبة العمل)، وجمالياً (تلك الثمار المقطوعة إلى نصفين والملقاة فوق شراشف على مد النظر).

«أحد تلك الأيام التي مات فيها هيمي» (مهرجان مراكش)

نقطة الخلاف أن أيوب يُطالب بأتعابه، لكن المُشرف على العمل لم يتقاضَ المال بعد ليدفع له، مما يؤجّج غضب أيوب فينشب شجار بينهما. يركب دراجته النارية وينطلق صوب بلدته. في منزله مسدسٌ سيتسلّح به وفي البال أن يعود لينتقم. معظم الفيلم هو رحلة على الدراجة التي تتعطل مرّتين قبل إصلاحها عند المساء. الأحداث التي تقع على الطريق وفي القرية الصغيرة تُزيّن الموضوع بشخصيات تدخل وتخرج من الحدث الرئيسي الماثل. في أحد هذه الأحداث الثانوية يُساعد أيوب رجلاً عجوزاً اشترى بطيخة ولا يستطيع حملها، فيوصله والبطيخة إلى داره. وفي مشهد آخر يستمع لتوبيخ زوج شقيقته لأنه كان عرض عليه العمل في شركته ورفض. لا يقول لنا الفيلم لماذا رفض ما ينتقص من بنية الموضوع وأسباب عزوف أيوب على تنفيذ وعده لنفسه بالانتقام.

اعتمد المخرج هذين المشهدين وسواهما لملء الوقت الممتد بين عزم أيوب على الانتقام وعزوفه عن ذلك. لكنه هذه المشاهد ضرورية رغم أن الفيلم ينتهي من دون أن يبني حجة دامغة لقرار أيوب النهائي. هذا الفيلم دراما مصوّرة جيداً ومكتوبة بدراية، رغم الهفوات المذكورة.

* عروض حالياً في مهرجان «مراكش»

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز