إصلاحات الحكومة العراقية تتعثر بسبب هجمات فصائل مسلحة

عناصر من قوات الأمن العراقية تعتقل رجلا يشتبهون في حيازته أسلحة غير مرخصة خلال مداهمة وعملية بحث عن أسلحة في البصرة (رويترز)
عناصر من قوات الأمن العراقية تعتقل رجلا يشتبهون في حيازته أسلحة غير مرخصة خلال مداهمة وعملية بحث عن أسلحة في البصرة (رويترز)
TT

إصلاحات الحكومة العراقية تتعثر بسبب هجمات فصائل مسلحة

عناصر من قوات الأمن العراقية تعتقل رجلا يشتبهون في حيازته أسلحة غير مرخصة خلال مداهمة وعملية بحث عن أسلحة في البصرة (رويترز)
عناصر من قوات الأمن العراقية تعتقل رجلا يشتبهون في حيازته أسلحة غير مرخصة خلال مداهمة وعملية بحث عن أسلحة في البصرة (رويترز)

يرى مسؤولون ومحللون أن خطط إصلاح الحكومة العراقية تخرج عن مسارها بسبب موجة جديدة من التهديدات الأمنية، نتيجة توسيع جهات مسلحة يُشتبه بارتباطها بإيران وغير معروفة من قبل، دائرة ضرباتها لتشمل أهدافاً جديدة خلال الأسابيع الماضية.
وشمل الاستهداف خلال الأيام الماضية موكباً تابعاً للأمم المتحدة ومنشآت حيوية مثل مطار بغداد.
ومنذ وصول مصطفى الكاظمي إلى رئاسة الحكومة في العراق في مايو (أيار)، وعد بضبط العناصر المسلحة الخارجة عن السيطرة، ومحاربة الفساد المستشري، وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية التي طال انتظارها.
لكنّ مسؤولين حكوميين كباراً يقولون إنه كلما اقتربت الحكومة من تنفيذ أهدافها المعلنة يتبيّن لها أن جهات مسلحة يُشتبه بأن لها صلات بإيران تُعرقل.
وقال مسؤول حكومي كبير لوكالة الصحافة الفرنسية: «في كل مرة ترى فيها هذه الجماعات أننا نقترب من مصالحها العسكرية أو الاقتصادية، تطلق صواريخ أو حملات دعائية لتشتيت انتباهنا».
وتصاعدت أعمال العنف بالفعل قبل أن يسافر الكاظمي إلى واشنطن في منتصف أغسطس (آب). ثم تعرّض مقرّ شركة الأمن البريطانية الأميركية «G4S» في الثالث من سبتمبر (أيلول) للمرة الأولى لهجوم بواسطة طائرة مسيّرة أسقطت عبوة ناسفة صغيرة عليه.
ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها، لكن الجماعات المدعومة من طهران اتهمت شركة «G4S» بالتواطؤ في الضربة الأميركية في يناير (كانون الثاني) التي أودت بحياة الجنرال الإيراني قاسم سليماني قرب مطار بغداد.
وقبل أيام، أُصيب أحد موظفي الأمم المتحدة عندما انفجرت عبوة ناسفة في موكب تابع لبرنامج الغذاء العالمي في مدينة الموصل الشمالية.
وتبنى فصيل عراقي مجهول المسؤولية، متهِماً الأمم المتحدة باستخدام قوافلها لنقل ضباط المخابرات الأميركية، وفقاً لما ذكرته وكالة الصحافة الفرنسية، وأطلق هذا الفصيل المجهول تحذيراً في بيان جاء فيه: «سياراتكم ستحترق في شوارع العراق».
ووجّهت ستة فصائل لم يُسمع بها من قبل تهديدات مماثلة في الأشهر الأخيرة تحت راية «المقاومة الإسلامية». لكنّ المسؤولين يقولون إن هذه التهديدات مجرد عراضات إعلامية.
وقال ضابط استخبارات عراقي لوكالة الصحافة الفرنسية: «خمس مجموعات، بينها كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق وغيرها، تقف وراء الاضطرابات الأخيرة في جميع أنحاء البلاد».
وتشكّل هذه المجموعات جزءاً من قوات الحشد الشعبي العراقي، وهي تابعة إدارياً للحكومة العراقية، لكن تهيمن عليها فصائل قريبة من إيران وتجاهر بعدائها للولايات المتحدة.
وعندما تولى الكاظمي، السلطة في مايو، غضبت «كتائب حزب الله» واتهمته مباشرةً بالتآمر ضد سليماني من خلال استغلال منصبه السابق كرئيس للمخابرات.
ويقول مسؤولون وخبراء لوكالة الصحافة الفرنسية، إن «كتائب حزب الله» وفصائل أخرى موالية لطهران فهمت تعهد الكاظمي بكبح المجموعات المسلحة على أنها محاولة لقصّ أجنحتها.
وإلى جانب الهجمات الصاروخية المتصاعدة، كثفت هذه المجموعات الضغط من خلال وسائل الإعلام غير التقليدية.
ونشرت قنوات مجهولة المصدر على تطبيق المراسلة «تلغرام» تحذيرات ساخرة من هجمات على مواكب عسكرية قبل وقت طويل من حدوثها، ما عمّق الانطباع بوجود إفلات من العقاب.
واستهدفت هذه المنتديات العراقية محطات تلفزة عراقية تنتقد إيران.
وتمّ الأسبوع الماضي اقتحام «تلفزيون دجلة» وإحراقه. واستهدفت موجة جديدة من التهديدات قنوات «UTV» المملوكة لسياسي سني.
وبدأت الحملة بعد أن صادرت الحكومة الأميركية موقع الإنترنت التابع لقناة «الاتجاه»، وهي محطة تلفزيونية عراقية مرتبطة بـ«حزب الله».
وقال المتحدث باسم الكاظمي، أحمد الملّا: «هناك العديد من الإجراءات التي اتُّخذت فيما يخص الحد من نشاط المجموعات المسلحة التي تنشط خارج سلطة الدولة».
وعملت الحكومة على تجفيف مصادر تمويل الجماعات من خلال السيطرة على المنافذ الحدودية.
وأضاف الملا: «ستستمر هذه الإجراءات إلى حين بسط سلطة القوات الأمنية الرسمية بشكل مطلق».
ويعلم المسؤولون أن هذا قد يكون خطيراً. وعندما أطلق رئيس الوزراء حملة واسعة لمكافحة الفساد على حدود العراق المليئة بالثغرات، استعد للأسوأ.
وقال مسؤول رفيع المستوى لوكالة الصحافة الفرنسية، في يوليو (تموز): «سيبتزّون المسؤولين ويهددون عائلاتهم ويحشدون القبائل وربما يرتكبون اغتيالات».
وبالفعل، بعد أسابيع، قُتل ناشطان في مدينة البصرة الساحلية الجنوبية، واندلع نزاع عشائري في شمال بغداد.
وقال مسؤول عراقي آخر: «إننا نطفئ الحرائق باستمرار، لذلك لا يمكننا التركيز بشكل صحيح على الاستراتيجية الكبرى».
وقال مسؤول آخر لوكالة الصحافة الفرنسية إن وزير المالية العراقي علي علاوي، تخلّف عن الموعد النهائي المحدد في 24 أغسطس لتقديم «كتاب أبيض» حول الإصلاحات الاقتصادية إلى البرلمان بسبب الاضطرابات الأخيرة.
في الأسبوع الماضي، أنشأ الكاظمي مجلساً لمكافحة الفساد سمح لقوات النخبة في جهاز مكافحة الإرهاب باعتقال مسؤولين عادةً يصعب تخيّل أن يمسّهم أحد.
ونفّذت قواته عمليات بحث في البصرة وبغداد لضبط أسلحة غير مرخصة، من دون أن تحقق الكثير.
وقال الخبير الأمني العراقي فاضل أبو رغيف إن الوضع «خطير».
وأضاف: «في نهاية المطاف، على الكاظمي أن يفتح حواراً حقيقياً مع قادة لهذه الجماعات، تجنباً للصدام».



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.