العزلة الاجتماعية في الطفولة قد تسبب أضراراً لخلايا المخ

طفل فلسطيني يقف وحيداً في احد المدارس بالضفة الغربية (إ.ب.أ)
طفل فلسطيني يقف وحيداً في احد المدارس بالضفة الغربية (إ.ب.أ)
TT

العزلة الاجتماعية في الطفولة قد تسبب أضراراً لخلايا المخ

طفل فلسطيني يقف وحيداً في احد المدارس بالضفة الغربية (إ.ب.أ)
طفل فلسطيني يقف وحيداً في احد المدارس بالضفة الغربية (إ.ب.أ)

يتفق العلماء على أن الوحدة أو العزلة الاجتماعية تمثل خطرا كبيرا على السلامة العقلية للإنسان. وبالرغم من أن العالم في الوقت الحاضر أصبح أكثر اتصالا عبر المنصات الرقمية، على اختلاف أنواعها، صار لدى الشباب وصغار السن الذين يعيشون في مجتمعاتنا شعورا متزايدا بالانعزال. وعززت جائحة فيروس كورونا المستجد، التي فرضت على كثير من الدول إغلاق مدارسها وتطبيق إجراءات مختلفة للتباعد الاجتماعي في إطار جهود التصدي للمرض، من الحاجة إلى فهم عواقب أو تأثيرات العزلة الاجتماعية أو الوحدة بشكل عام على السلامة العقلية، وفقاً لوكالة الأنباء الألمانية.
وفي حين أن الدراسات السابقة تؤكد أن العزلة الاجتماعية في سن الطفولة لها آثار مدمرة على الوظائف العقلية والسلوكيات الخاصة بالفصائل الثديية المختلفة عندما تصل إلى سن البلوغ، إلا أنه تظل هناك حاجة لتسليط المزيد من الضوء على هذه المشكلة من ناحية آليات عمل الدوائر العصبية داخل المخ.
وتوصل فريق من الباحثين من كلية طب إيكان في منطقة ماونت سايناي قرب مدينة نيويورك في الولايات المتحدة، من خلال دراسة أجريت على مجموعة من فئران التجارب، إلى وجود مجموعة فرعية من خلايا المخ في منطقة القشرة الأمام جبهية تتأثر بشدة جراء العزلة الاجتماعية في سن الصغر، وذكروا أن هذه الخلايا مسؤولة بشكل أساسي عن تنظيم السلوكيات الاجتماعية اللازمة لضمان التفاعل الاجتماعي الطبيعي في سن البلوغ.
وسلطت هذه الدراسة التي نشرت نتائجها في الدورية العلمية «نيتشر نيوروساينس» الضوء على أهمية دور هذه الخلايا التي تقوم بتوصيل الإشارات العصبية إلى الجزء المسؤول عن وظيفة المكافأة، وهي مجموعة من الهياكل العصبية المسؤولة عن التحفيز، داخل المخ. ويرى فريق الدراسة أنه إذا ما تم تطبيق نتائجها على البشر، فإنها قد تؤدي إلى اكتشاف علاج لمشكلة الاضطرابات النفسية المرتبطة بالانعزال.
ويقول الباحث هيروفومي موريشيتا استاذ علم النفس وطب الأعصاب في إيكان: علاوة على تحديد الدوائر العصبية الخاصة في القشرة الأمام جبهية التي تتأثر بصفة خاصة بالعزلة الاجتماعية أثناء الطفولة، كشفت الدراسة أيضا أن هذه الخلايا تمثل هدفا واعدا لعلاج اختلالات السلوكيات الاجتماعية عند بعض المرضى».
وأوضح في تصريحات أوردها الموقع الإلكتروني «ساينس ديلي» المتخصص في العلوم: «من خلال تحفيز بعض خلايا القشرة الأمام جبهية في سن البلوغ، نستطيع علاج بعض أنواع الاضطراب الاجتماعي الناجم عن العزلة الاجتماعية في سن الصغر».
وخلص فريق الدراسة إلى أن الفئران الذكور التي تتعرض للعزلة الاجتماعية لمدة أسبوعين بعد الفطام مباشرة تصاب بمشكلات في آلية الربط بين القشرة الأمام جبهية الوسطى ومنطقة المهاد البطيني داخل المخ، وهو ما يؤثر على تفاعلاتها الاجتماعية في سن الكبر. وأوضح الباحثون أن العزلة الاجتماعية
في الصغر، تؤدي إلى ضعف عملية تحفيز خلايا القشرة الأمام جبهية وقدرتها على إرسال الإشارات إلى المهاد البطيني وغيرها من الخلايا العصبية ذات الصلة.
ومن أجل تحديد ما إذا كانت جهود استعادة أنشطة الخلايا القشرة الأمام جبهية في سن الكبر يمكن أن تؤدي إلى إصلاح أو علاج الاختلالات الاجتماعية، قام فريق الدراسة بتوظيف علم البصريات الوراثي لتحفيز خلايا عصبية بعينها داخل المخ، كما استخدم الباحثون علم الكيمياء الوراثي في هذه الدراسة. وفي حين أن علم البصريات الوراثي أتاح لفريق الدراسة تحفيز خلايا عصبية معينة عن طريق نبضات ضوئية، استطاع الباحثون من خلال علم الكيمياء الوراثي التحكم كيميائيا في مجموعات الخلايا محل الدراسة.
وعن طريق توظيف علوم البصريات والكيمياء الوراثية، استطاع الباحثون تسريع التفاعلات الاجتماعية بين فئران التجارب بمجرد معالجتها بالنبضات الضوئية والمواد الكيميائية التي حقنت بها.
وقال موريشيتا: «لقد تحققنا من وجود الخلل الاجتماعي في فئران التجارب قبل بدء عملية التحفيز، ثم قمنا بمراجعة السلوكيات الاجتماعية للفئران أثناء عملية التحفيز، ووجدنا أن الاختلالات في السلوكيات الاجتماعية قد انعكست».
وبالنظر إلى أن الاضطرابات في السلوكيات الاجتماعية تمثل عنصرا مشتركا في كثير من الأمراض العصبية والنفسية، مثل التوحد والانفصام، فإن تحديد الخلايا العصبية في القشرة الأمام جبهية سوف يساعد في تحديد المناطق التي يتعين استهدافها بالعلاج داخل المخ لعلاج سلسلة من الاضطرابات النفسية.
وأضاف الباحثون أن الدوائر العصبية التي تم تحديدها في الدراسة يمكن علاجها باستخدام تقنيات مثل التحفيز المغناطيسي داخل الجمجمة أو التحفيز المباشر عبر الجمجمة.
وأجريت هذه الدراسة البحثية بمساعدة منح من المعاهد الوطنية للصحة والمعهد الوطني للصحة العقلية ومؤسسة سايمونز للأبحاث في الولايات المتحدة.


مقالات ذات صلة

خلل بسيط في حركة العين قد يشير إلى إصابتك بألزهايمر

صحتك بهدف تكوين صورة بصرية ذات معنى لمشهد ما تقوم أعيننا بسلسلة من الحركات السريعة المنسقة (رويترز)

خلل بسيط في حركة العين قد يشير إلى إصابتك بألزهايمر

تبرز مؤخراً طريقة جديدة للكشف المبكر عن مرض ألزهايمر ترتبط بالاستماع إلى حركة عيون المرضى عبر ميكروفونات في آذانهم.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك شعار «شات جي بي تي» يظهر أمام شعار شركة «أوبن إيه آي» (رويترز)

هل يساعد «شات جي بي تي» الأطباء حقاً في تشخيص الأمراض؟ الإجابة مفاجئة

يتساءل الكثير من الأشخاص حول ما إذا كان برنامج الدردشة الآلي الذي يعمل بالذكاء الاصطناعي قادراً على مساعدة الأطباء في تشخيص مرضاهم بشكل أفضل.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك يرفع العلاج الجديد مستويات البروتين في الخلايا الحساسة للضوء بشبكية العين (هارفارد)

علاج جيني يُعيد القدرة على السمع ويعزّز الرؤية

طوّر باحثون بكلية الطب في جامعة «هارفارد» الأميركية علاجاً جينياً للمصابين بمتلازمة «آشر من النوع 1F»، وهي حالة نادرة تسبّب الصمم والعمى التدريجي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
صحتك تقنيات جديدة لعلاج التهاب الأنف المزمن

تقنيات جديدة لعلاج التهاب الأنف المزمن

كشفت دراسة حديثة أن استهداف العصب الذي غالباً ما يكون مبهماً يؤدي إلى تحسين معدل نجاح العلاج بالتبريد والعلاج بالترددات الراديوية لالتهاب الأنف المزمن.

العالم العربي من داخل مجمع مستشفى شهداء الأقصى بدير البلح في قطاع غزة (أرشيفية - أ.ب)

«أطباء بلا حدود»: مواصلة إسرائيل تدمير النظام الصحي في غزة ستَحرم مئات آلاف السكان من العلاج

حذرت منظمة «أطباء بلا حدود»، اليوم الأحد، من أن مواصلة إسرائيل تدمير النظام الصحي في قطاع غزة ستَحرم مئات آلاف السكان من العلاج الطبي.

«الشرق الأوسط» (غزة)

تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
TT

تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)

قررت بيكا زيغلر البالغة 24 عاماً، تجميد جثتها في برّاد بعد وفاتها عن طريق مختبر في برلين، على أمل محدود بإعادة إحيائها مستقبلاً.

وقّعت هذه المرأة الأميركية التي تعيش وتعمل في العاصمة الألمانية، عقداً مع شركة «توموروو بايوستيتس» الناشئة المتخصصة في حفظ الموتى في درجات حرارة منخفضة جداً لإعادة إحيائهم في حال توصّل التقدم العلمي إلى ذلك يوماً ما.

وعندما تتوفى زيغلر، سيضع فريق من الأطباء جثتها في حوض من النيتروجين السائل عند حرارة 196 درجة مئوية تحت الصفر، ثم ينقلون الكبسولة إلى مركز في سويسرا.

وتقول زيغلر، وهي مديرة لقسم المنتجات في إحدى شركات التكنولوجيا في كاليفورنيا، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «بشكل عام، أحب الحياة ولدي فضول لمعرفة كيف سيبدو عالمنا في المستقبل».

ولم يعد علم حفظ الجسم بالتبريد الذي ظهر في ستينات القرن العشرين، مقتصراً على أصحاب الملايين أو الخيال العلمي كما ظهر في فيلم «ذي إمباير سترايكس باك» الذي تم فيه تجميد هان سولو، وفيلم «هايبرنيتس» حين يعود رجل تحرر من الجليد القطبي، إلى الحياة.

توفّر شركات في الولايات المتحدة هذه الخدمة أصلاً، ويُقدّر عدد الأشخاص الذي وُضعت جثثهم في التبريد الأبدي بـ500 فرد.

50 يورو شهرياً

تأسست «توموروو بايوستيتس» عام 2020 في برلين، وهي الشركة الأولى من نوعها في أوروبا.

وفي حديث إلى «وكالة الصحافة الفرنسية»، يقول إميل كيندزورا، أحد مؤسسي الشركة، إن أحد أهدافها «هو خفض التكاليف حتى يصبح تبريد الجثة في متناول الجميع».

إميل كيندزورا أحد مؤسسي «توموروو بايوستيتس» يقف داخل إحدى سيارات الإسعاف التابعة للشركة خارج مقرها في برلين (أ.ف.ب)

ولقاء مبلغ شهري قدره 50 يورو (نحو 52.70 دولار) تتقاضاه من زبائنها طيلة حياتهم، تتعهد الشركة الناشئة بتجميد جثثهم بعد وفاتهم.

يضاف إلى الـ50 يورو مبلغ مقطوع قدره 200 ألف يورو (نحو 211 ألف دولار) يُدفع بعد الوفاة - 75 ألف يورو (نحو 79 ألف دولار) لقاء تجميد الدماغ وحده - ويمكن أن يغطيه نظام تأمين على الحياة.

ويقول كيندزورا (38 سنة) المتحدر من مدينة دارمشتات في غرب ألمانيا، إنه درس الطب وتخصص في الأبحاث المتعلقة بالسرطان، قبل أن يتخلى عن هذا الاختصاص بسبب التقدم البطيء في المجال.

وتشير «توموروو بايوستيتس» إلى أنّ نحو 700 زبون متعاقد معها. وتقول إنها نفذت عمليات تبريد لأربعة أشخاص بحلول نهاية عام 2023.

ويلفت كيندزورا إلى أنّ غالبية زبائنه يتراوح عمرهم بين 30 و40 سنة، ويعملون في قطاع التكنولوجيا، والذكور أكثر من الإناث.

عندما يموت أحد الزبائن، تتعهد «توموروو بايوستيتس» بإرسال سيارة إسعاف مجهزة خصيصاً لتبريد المتوفى باستخدام الثلج والماء. يتم بعد ذلك حقن الجسم بمادة «حفظ بالتبريد» ونقله إلى المنشأة المخصصة في سويسرا.

دماغ أرنب

في عام 2016، نجح فريق من العلماء في حفظ دماغ أرنب بحال مثالية بفضل عملية تبريد. وفي مايو (أيار) من هذا العام، استخدم باحثون صينيون من جامعة فودان تقنية جديدة لتجميد أنسجة المخ البشري، تبين أنها تعمل بكامل طاقتها بعد 18 شهراً من التخزين المبرد.

لكنّ هولغر رينش، الباحث في معهد «آي إل كاي» في دريسدن (شرق ألمانيا)، يرى أنّ الآمال في إعادة شخص متجمد إلى الحياة في المستقبل القريب ضئيلة جداً.

ويقول لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «نشكّ في ذلك. أنصح شخصياً بعدم اللجوء إلى مثل هذا الإجراء».

ويتابع: «في الممارسة الطبية، إنّ الحدّ الأقصى لبنية الأنسجة التي يمكن حفظها بالتبريد هو بحجم وسمك ظفر الإبهام، والوضع لم يتغير منذ سبعينات القرن العشرين».

ويقرّ كيندزورا بعدم وجود ضمانات، ويقول: «لا نعرف ما إذا كان ذلك ممكناً أم لا. أعتقد أن هناك فرصة جيدة، لكن هل أنا متأكد؟ قطعاً لا».

بغض النظر عما يمكن أن يحدث في المستقبل، تقول زيغلر إنها متأكدة من أنها لن تندم على قرارها. وتضيف: «قد يبدو الأمر غريباً، لكن من ناحية أخرى، البديل هو أن يضعوك داخل تابوت وتأكلك الديدان».