فقط أراد أن يرى وجهه!

فقط أراد أن يرى وجهه!
TT

فقط أراد أن يرى وجهه!

فقط أراد أن يرى وجهه!

عندما يسير تبدو قامته المتوسطة النحيفة أشبه بظل لجسم آخر لا تدري أين هو، وجهه بسيط الملامح مغمور بعتمة لاصقة به حتى حين يكون الجو بصحو نادر، وشمس دافئة بعض الشيء.
يمشي ببطء كأنه يعاني من عرج خفيف. تجاوز الأربعين لكنه يبدو أقل عمراً حتى إنه يضحك مع أصدقائه حين يقولون له: «المصائب والفقر والتشرد جعلتنا أكبر من أعمارنا، إلا أنت جعلتك تبدو صبياً!». عرفته منذ الأيام الأولى لوجوده في هذه المدينة، صادفته في أحد المتاجر، سألني عن نوع من التوابل! أجبته ضجراً: «تجده في محل الشرقيات!»، وعندما أراد مواصلة الحديث، أشحت عنه لمللي من تطفل الكثيرين في أحاديث تافهة أجدها مُضيّعة للوقت والجهد! لكنه ظل يلقي عليّ التحية كلما التقاني ويحاول التقرب منّي فصرت أبادله بعض الحديث، وعرفت أنه شاب طيب مسالم وإن كان كثير الكلام، ويسميه أصدقاؤه «الثرثار»! وأنه عاش في وطنه العربي مصائب كبرى: مقتل أخويه ووالده، واختطاف شقيقته، وموت أمه.
عندما جاءني خبر اعتقاله هنا بتهمة شروعه بعمل إرهابي أو تخريبي، لم أصدق! ولما عرفت ما بدر منه ازددت اقتناعاً ببراءته، لكن هنا مَن تُلصق به تهمة الإرهاب يصعب عليه إزالتها! يمكث في اعتقال وتحقيق ومراقبة فترة طويلة ثم يحال لقضاء لا تدري إن كان متأنياً أو لا مبالياً! اعتُقل إثر حادثة تافهة، بل مضحكة ولا تخطر على بال! كان يسير في شارع فرعي وكعادته في تلمس وجهه وشعره دائماً، وتعديل قيافة ملابسه القديمة حائلة اللون، راح يتلمس شعر رأسه القليل غير المرتب ويمرر يده على وجهه، واجهته مرآة بحجم كبير بعض الشيء مستطيلة بارزة من ذراع فضي من مقدمة سيارة «باص» بيضاء من تلك التي تستعملها شركات التوزيع في إيصال بضائعها إلى البيوت والمحلات؛ فتوقف دون تفكير أمامها وأخذ يتأمل وجهه، ويحدق بملامحه.
ربما فكر إن كان وجهه يقتضي حلاقة، أو شعر رأسه يحتاج لإعادة تمشيط أو ترتيب، نسي نفسه، حسب أنه في بيته القديم حيث ثمة مرآة، أو مرايا، فمد يده يفتش في جيوبه عن مشط كان يحمله، جاء سائق السيارة أو صاحبها الطويل الضخم راكضاً، ظنه يحاول فتح باب قمرة القيادة أو يحاول أن يضع شيئاً فيها؛ فأمسك به! في تلك اللحظة كانت مفرزة شرطة تمر قربهما بسيارتها فسلمه لهم مدّعياً أنه حاول وضع قنبلة أو شيئا ما في سيارته! في هذا البلد الأوروبي، كانت قد حدثت أعمال إرهابية كثيرة راح ضحيتها كثيرون والإخباريات الإرهابية تتوالى كل يوم وكل ساعة، ومرشحو اليمين المتطرف يفوزون ومن أولوياتهم التشدد مع اللاجئين بل حتى طردهم! اعتُقل الرجل ومضى معهم مستسلماً خصوصاً أن معاملة قبوله لاجئاً ما زالت معلّقة. كان يقول بلغته غير المفهومة لهم: «إنني كنت فقط أريد أن أرى وجهي! ولا نية لي لا لسرقة ولا لعمل شيء»، ولكنهم يجب أن يمضوا به إلى مركزهم. بالطبع سيستدعون له مترجماً وسيكرر أقواله، ولكنهم سيكررون عدم تصديقه، وها قد مر عامان، فقد أمله أن يُقبل لاجئاً، كما فقد أمله أن يُخلى سبيله، وحتى الآن لا المحكمة ولا موظفون في دائرة الهجرة ولا صحيفة المدينة يقتنعون بأن هذا الشاب قد مد رقبته إلى مرآة السيارة فقط لكي يرى وجهه كأنه لم يره مذ خرج من بلاده!



انطلاق الدورة الـ19 لـ«البابطين الثقافية» بمضاعفة جوائز الفائزين

وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)
وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)
TT

انطلاق الدورة الـ19 لـ«البابطين الثقافية» بمضاعفة جوائز الفائزين

وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)
وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)

كرمّت «مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية»، صباح اليوم (الأحد)، الفائزين بجوائز الدورة الـ19 للجائزة، مع انطلاق هذه الدورة التي حملت اسم مؤسس وراعي الجائزة الراحل عبد العزيز سعود البابطين، تخليداً لإرثه الشعري والثقافي.

وأُقيم الاحتفال الذي رعاه أمير الكويت، الشيخ مشعل الأحمد الصباح، في مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي، بحضور (ممثل أمير البلاد) وزير الإعلام والثقافة وزير الدولة لشؤون الشباب عبد الرحمن المطيري، ومشاركة واسعة من الأدباء والمثقفين والسياسيين والدبلوماسيين وأصحاب الفكر من مختلف أنحاء العالم العربي، كما حضر الحفل أعضاء المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.

جانب من حضور دورة الشاعر عبد العزيز سعود البابطين (الشرق الأوسط)

وقال وزير الثقافة والإعلام الكويتي، عبد الرحمن المطيري، في كلمته، إن هذا الملتقى «الذي يحمل في طياته عبق الشعر وأريج الكلمة، ليس مجرد احتفالية عابرة، بل هو تأكيد على أن الثقافة هي الروح التي تحيي الأمم، والجسر الذي يعبر بنا نحو مستقبل زاخر بالتسامح والتعايش والمحبة».

وأضاف: «إن لقاءنا اليوم ليس فقط تكريماً لمن أبدعوا الكلمة وشيَّدوا صروح الأدب، بل هو أيضاً دعوة لاستلهام الإرث الثقافي الكبير الذي تركه لنا الشاعر الراحل عبد العزيز سعود البابطين (رحمه الله)، والذي كان، وسيبقى، قامة ثقافية جمعت بين جمال الكلمة وسمو الرسالة... رسالة تُعبِّر عن القيم التي تجمع بين الحضارات. ومن هنا جاءت مبادراته الرائدة، التي عرَّف من خلالها الشرقَ بالشعر العربي، وقدَّم للغرب بُعدَه الإنساني، جاعلاً من الشعر جسراً يربط القلوب، ومفتاحاً للحوار بين الثقافات».

رئيس مجلس أمناء «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين يلقي كلمته في افتتاح الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)

في حين قال رئيس مجلس أمناء «مؤسسة البابطين الثقافية»، سعود البابطين، إن هذه الدورة تأتي احتفاءً «بالشعر، فن العرب الأول على مر العصور، وتكريماً للمبدعين والفائزين مِنَ الشعراءِ والنقاد، ووفاءً ومحبة لشاعر هذه الدورة (عبد العزيز البابطين) الذي أخلص في رعاية الشعر العربي وخدمة الثقافة العربية بصدق ودأب وتفانٍ طيلة عمره كله، بلا ملل ولا كلل».

وفي خطوة لافتة، قدَّم رئيس مجلس الأمناء، أمين عام المؤسسة السابق، الكاتب عبد العزيز السريع، الذي رافق مؤسس الجائزة منذ نشأتها، ليتحدث عن ذكرياته مع راعي الجائزة الراحل، والخطوات التي قطعها في تذليل العقبات أمام إنشاء المؤسسة التي ترعى التراث الشعري العربي، وتعمل فيما بعد على بناء جسور التواصل بين الثقافات والحضارات.

وأعلن البابطين، في ختام كلمته عن مضاعفة القيمة المالية للجوائز ابتداءً من هذه الدورة، وفي الدورات المقبلة لـ«جائزة عبد العزيز البابطين».

ونيابة عن الفائزين، تحدَّث الأديب والشاعر الكويتي الدكتور خليفة الوقيان، مشيداً بـ«جهود (مؤسسة البابطين الثقافية) في دعمها اللامحدود للفعل والنشاط الثقافي داخل وخارج الكويت».

وأضاف: «في هذا المحفل الثقافي البهيج، يمرُّ في الذاكرة شريط لقاءات تمَّت منذ 3 عقود، كان فيها الفقيد العزيز الصديق عبد العزيز البابطين يحمل دائماً هَمّ تراجع الاهتمام بالشعر، ويضع اللَّبِنات الأولى لإقامة مؤسسة تُعنى بكل ما من شأنه خدمة ذلك الفن العظيم، ثم ينتقل عمل المؤسسة إلى الأفق الدولي، من خلال ما يُعنى بقضية حوار الثقافات والحضارات».

وألقى الشاعر رجا القحطاني قصيدة عنوانها «إشعاع الكويت»، من أشعار الراحل عبد العزيز البابطين.

يُذكر أن فعاليات الدورة الـ19 مستمرة على مدى 3 أيام، بدءاً من مساء الأحد 15 ديسمبر (كانون الأول) إلى مساء الثلاثاء 17 ديسمبر الحالي. وتقدِّم الدورة على مسرح مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي 5 جلسات أدبية، تبدأ بجلسة بعنوان «عبد العزيز البابطين... رؤى وشهادات»، تليها 4 جلسات أدبية يعرض المختصون من خلالها 8 أبحاث عن الشاعر عبد العزيز سعود البابطين المحتَفَى به، و3 أمسيات شعرية ينشد فيها 27 شاعراً.

وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)

الفائزون:

* الفائز بالجائزة التكريمية للإبداع الشعري الشاعر الدكتور خليفة الوقيان، وقيمة الجائزة 100 ألف دولار.

* الفائزان بجائزة الإبداع في مجال نقد الشعر «مناصفة»، وقيمتها 80 ألف دولار: الدكتور أحمد بوبكر الجوة من تونس، والدكتور وهب أحمد رومية من سوريا.

* الفائزة بجائزة أفضل ديوان شعر، وقيمتها 40 ألف دولار: الشاعرة لطيفة حساني من الجزائر.

* الفائز بجائزة أفضل قصيدة، وقيمتها 20 ألف دولار: الشاعر عبد المنعم العقبي من مصر.

* الفائز بجائزة أفضل ديوان شعر للشعراء الشباب، وقيمتها 20 ألف دولار: الشاعر جعفر حجاوي من فلسطين.