«سوق الحب»... ذاكرة شرق السعودية العتيقة

«أمانة الشرقية»: نستهدف تعزيز السياحة الداخلية وإحياء الموروث الشعبي

«سوق الحب» مقصد المتسوق في وسط الدمام شرق السعودية (الشرق الأوسط)
«سوق الحب» مقصد المتسوق في وسط الدمام شرق السعودية (الشرق الأوسط)
TT

«سوق الحب»... ذاكرة شرق السعودية العتيقة

«سوق الحب» مقصد المتسوق في وسط الدمام شرق السعودية (الشرق الأوسط)
«سوق الحب» مقصد المتسوق في وسط الدمام شرق السعودية (الشرق الأوسط)

تستعد سوق الحب قلب مدينة الدمام النابضة بالحياة، التي تقع في المركز الإداري في المنطقة الشرقية للخضوع لحالة تجميل وتطوير، يعتبرها البعض قاسية من أجل التماشي مع التحديث والتطوير، في حين يراها آخرون ضرورة قصوى بعد أن ظلت هذه السوقة الشعبية الأكثر شعبية في المدينة مهملة مع تقادم الزمن.
السوق التي اشتّق اسمها من الحب والعشق، كانت أول سوق نسائية في المنطقة الشرقية، بدأ نشاطها قبل 77 عاماً (1943)، لتصبح مكاناً لالتقاء المتبضعين، والتجار الذين وفدوا إلى الدمام حديثة التأسيس، وجلبوا معهم صناعاتهم الحرفية واليدوية. وأصبح منذ ذلك الوقت اسم السوق إشارة إلى «الغرام» و«العشق» و«الحب» بعد أن تحول إلى مقصد للمقبلين على الزواج لشراء أدوات عرسهم من أقمشة وذهب ومستلزمات مختلفة، دون إهمال اهتمام شباب الخمسينات والستينات بهذه السوق التي تزدحم فيها النساء.
وتختزل «سوق الحب» ذاكرة غنية للزمان والمكان، حيث إنها السوق الأولى في الدمام منذ التأسيس لهذه المدينة التي تمثل عاصمة للشرقية وأهم مدنها، حيث جاء لها الكثير من التجار من محافظتي الأحساء والقطيف وغيرهما من المحافظات والدول الخليجية المجاورة منذ عقود، وبدأوا فيها النشاط التجاري منذ تأسيس هذه السوق.
وعلى بعد أمتار قليلة من مركز الحكم الإداري بالمنطقة الشرقية ممثلاً في إمارة المنطقة وأمانتها وكل المراكز الحكومية الرئيسية فيها، تقع هذه السوق التي لا يمكن أن يخرج قاصدها منها إلا وقد قضى كل حاجياته من السلع التي يريدها وبأفضل الأسعار المتاحة.
وأحضر تجار الأحساء أهم المنتجات التي يمتازون بها، وفي مقدمتها المشالح، وكذلك ممارسة «صياغة الذهب» وغيرها من الأنشطة لهذه السوق لتكون نقطة جديدة ومهمة في مشاريعهم التجارية التي بدأ الكثير منها من سوق القيصرية التي تعد من أهم معالم الأحساء منذ عقود أطول الضاربة في عمق التاريخ، الذي خضع من جانبه أيضاً إلى تحديث وتجميل منذ قرابة العقد من الزمن.
وشهدت هذه السوق في العام المنصرم مهرجاناً كبيراً نظمته أمانة المنطقة الشرقية حمل اسم «أيام سوق الحب» حيث أعاد هذا المهرجان الزمن إلى الوراء أكثر من نصف عقد من الزمن بعد أن تم استدعاء المهنيين والحرفيين للمشاركة في هذا المهرجان والفعاليات التراثية المصاحبة له، حيث شهد آلاف الزائرين له، ليس من المنطقة الشرقية فحسب، بل من كل أنحاء المملكة والخليج العربي ممن لهم ذاكرة في هذين المكان والزمان.
من جانبها، كشفت أمانة المنطقة الشرقية عن أبرز تفاصيل تطوير السوق الشعبية في الدمام «سوق الحب»، والتي تأتي ضمن خطة الأمانة لتعزيز السياحة الداخلية وإحياء الموروث الشعبي.
وأوضح وكيل الأمين للتعمير والمشاريع، المهندس عصام الملا، أن مشروع تطوير سوق الحب هو امتداد لمشروع تطوير المنطقة المركزية في وسط الدمام بهدف إيجاد هوية عمرانية وثقافية وسياحية تعكس تاريخ المدينة وأصالتها بأسلوب حضاري حديث، معتبراً أن الأسواق الشعبية ذات قيمة اقتصادية، وتأهيل الحرف الشعبية وإحياء الذاكرة العمرانية سيعيدان للمنطقة هويتها.
وأشار إلى أن الأمانة قامت بعمل دراسة كاملة لتحويل شارع 13 بـ«سوق الحب» إلى ممر للمشاة بهدف تقليل حركة المركبات داخل السوق، والتشجيع على التميز والتفاعل المجتمعي في مختلف الأنشطة، موضحاً أن الأمانة تحرص على الاهتمام بالأسواق الشعبية باعتبارها تراثاً أصيلاً يجب العناية به نظراً لأهمية هذه المناطق الشعبية، حيث تسعى الأمانة لفكرة تأصيل مفهوم السوق كونها جزءاً من نظام اقتصادي معرفي وثقافي، ومكاناً لتبادل القيم والأفكار والعلاقات الجديدة بين المجتمع، وذلك من منطلق أهمية هذه السوق بالدمام، مبيناً أنه تم البدء بالعمل كمرحلة أولى والمتوقع الانتهاء منه نهاية شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».