رحيل عبد الجبار الوزير {أحد عباقرة} فن التمثيل في المغرب

تميّز في المسرح والسينما والتلفزيون

الفنان الراحل المغربي عبد الجبار الوزير
الفنان الراحل المغربي عبد الجبار الوزير
TT

رحيل عبد الجبار الوزير {أحد عباقرة} فن التمثيل في المغرب

الفنان الراحل المغربي عبد الجبار الوزير
الفنان الراحل المغربي عبد الجبار الوزير

توفي مساء أول من أمس، في مراكش، الفنان المغربي عبد الجبار الوزير، عن عمر ناهز 88 سنة، وذلك بعد صراع طويل مع المرض.
وتألق الوزير، منذ نهاية أربعينات القرن الماضي، في عشرات الأعمال المسرحية، من قبيل «أنا مْزاوك في الله (أترجى من الله)» و«الفاطْمي والضاوية» و«وْليدات جامع الفنا» و«سيدي قدور العلمي» و«الدار الكبيرة» و«هْبل ترْبح» و«الحَرّاز» و«الزْواج بالحيلة» و«مكسور الجْناح» و«لْبس قدّك يْواتيك» و«البْسايطية» و«التبوريدة»؛ كما فرض حضوره في عدد من الأعمال التلفزية والسينمائية، آخرها سلسلة «دار الورثة».
وقالت وزارة الثقافة والشباب والرياضة إنّ الفنان الراحل يبقى «من رواد المسرح المغربي وأحد أعمدته رفقة الراحل محمد بلقاس، حيث عرفت مسرحياته نجاحا كبيرا ومتابعة جماهيرية مكثفة، كما قدم العديد من المسلسلات والأفلام والمسرحيات». فيما أجمع عدد كبير من ردود الفعل على تأكيد ريادته وقيمته الفنية، مشددة على أن الفنان الراحل «كانت له طلعة بهية على المسرح» كما «أبهج الجمهور العريض على التلفزيون»، لـ«يحتل الصدارة في محبة الناس في كل البيوت».
وشددت النقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية على أن المغرب فقد برحيل الوزير «أحد عباقرة فن التمثيل في التاريخ المعاصر للمسرح المغربي، الذي كرس حياته للفنون الدرامية بمختلف تعبيراتها في المسرح والسينما والتلفزيون، بشهادة الأجيال المتعاقبة من مهنيي فنون الدراما بالمغرب مبدعين ونقادا».
واستعرضت النقابة جانبا من سيرة الراحل، مشيرة إلى أنه «عاش طفولته بين الأحياء الشعبية للمدينة القديمة لمراكش، وزاول، ككل أبناء الحمراء من جيله، العديد من الحرف التقليدية، وعشق كرة القدم في بداية صباه، ليلتحق سنة 1948 بفريق الكوكب المراكشي في سنة تأسيسه نفسها، حيث لعب حارس مرمى».
الوزير هو نفسه الذي أبلى البلاء الحسن في حركة المقاومة الوطنية ضد المستعمر، بحيث كانت له أدوار بطولية في مناهضة الاحتلال الفرنسي، وتعرض لشتى أنواع المضايقات واعتقل بسبب مواقفه الوطنية الشجاعة بعد نفي الملك الراحل محمد الخامس أيام الحماية الفرنسية.
وأشارت النقابة أيضا إلى أنّه «تعلم القراءة والكتابة في سجن لعلو بالرباط، وقضى في صفوف القوات المساعدة أربع سنوات، قبل أن يقرر التفرغ نهائيا للتمثيل والفن الذي صار أحد رموزه في المغرب بعد مسار فني متميز». وأضافت أنّه «شكل مع الفنان الراحل محمد بلقاس ثنائيا فنيا خلف أعمالا مسرحية وتلفزيونية خالدة نالت إعجاب وتقدير الجماهير المغربية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر رائعة (سيدي قدور العلمي). ومن أعماله الدرامية الراسخة في ذاكرة المغاربة، مسرحية (الفاطمي والضاوية) رفقة بلقاس، التي عرضت في عدة مدن مغربية».
وزادت النقابة أن من بين أهم نقط «القوة المتميزة» في المسار الفني للراحل «احتضانه لتجارب المسرحيين الشباب، واستيعابه بأريحية كبيرة ووعي عميق لقيمة التنوع والتعدد والاختلاف التي تسم التجربة المسرحية المغربية بفسيفسائها الجميلة»، حيث إن «هذا الاقتناع الراسخ جعله يرافق تجربة الفرقة المراكشية المجددة ورشة إبداع دراما» في العديد من مسرحياتها، رفقة الفنان الراحل عبد الهادي طوهراش بإدارة المخرج المبدع عزيز بوزاوي، وهي التجربة التي أفرزت العديد من الأعمال الناجحة منها «عبيدات الرمي»، «البسايطية»، «حمار الليل فالحلقة» «المحطة 21» وغيرها من الأعمال التي شكلت مشاركته فيها قيمة مضافة للنفس التجريبي الذي يميز تجربة المسرحيين الجدد. كما قدم الراحل العديد من الأعمال التلفزيونية والسينمائية التي بصمت شخصية الإنسان المراكشي والمغربي البسيط، من قبيل مسرحية «الحراز» وفيلم «حلاق درب الفقراء» ومسلسل «دار الورثة».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».