في 4 أغسطس (آب) 2020. حوّل انفجار مروّع ضرب مرفأ بيروت، العاصمة اللبنانية إلى أنقاض. دُمِّرت صالة غاليري «تانيت» ودُفنت أعمال الفنان اللبناني عبد القادري الذي كان يقيم معرضه الفردي «رفات آخر وردة حمراء على وجه الأرض» تحت الزجاج المهشَّم والجدران المتداعية.
وتأتي مبادرة «أودُّ اليومَ أن أكونُ شجرة» لتشكّل موقفاً مواجهاً للدمار الذي خلّفه الانفجار. وَتكريماً للمهندس اللبناني الفرنسي جان مارك بونفيس، مصمم مبنى الغاليري، الذي قضى في الانفجار، وَمساهمة في إعادة بناء المنازل المتضررة وترميمها.
«أودُّ اليومَ أن أكونُ شجرة» مشروع ابتكره ويعكف على تنفيذه عبد القادري ويديره مارك معركش.
يتألف من جداريتين مقسمتين إلى ثمانين رسماً من الكرتون مقاس الواحدة 100 × 70 سم، رسمها القادري ستكون معروضة حتى 25 سبتمبر (أيلول) 2020 في غاليري تانيت. كل جزءٍ من هذا العمل الضخم سيكون متاحاً للشراء بسعر يبدأ من 500 دولار أميركي (يُباع في الأصل بسعر 3 آلاف دولار أميركي لهذا الحجم). وسيذهب ريعُ بيعه إلى مؤسسة بسمة للتنمية الاجتماعية، وهي منظمة ملتزمة بإعادة بناء وترميم منازل العاصمة الأكثر تضرراً جراء الانفجار.
عن المشروع يقول القادري: «لقد تصورتُه كردّ فعل بنّاء ضد الشعور بالاختناق. سواء كان ذلك الاختناق بسبب الوباء، الوضع الاقتصادي - السياسي في لبنان، أو جراء أكبر انفجار غير نووي في العالم. عند محاولتي رصدَ الألم الذي يحيط بي، لطالما راودتني فكرة متكررة: تمنّيتُ لَو أكونُ شجرة.
ربما تكونُ الشجرة أنيسة، وربما هي ترياق. إنّها تحمي، ورغم ارتجافها عند الدمار فإنّ جذورها تعانق الأرض التي زُرِعَت فيها وانبثقت عنها، في أنشوطة حياة قوية ومتبادلة. إنّ المناظر الطبيعية من الأشجار - الهادئة والثابتة - تقف كقوة مضادة للصدمات الكبرى التي أحدثت بدورها فساداً عارماً. تصمد الشجرة، وبصمودها واقفة، تشفي. أمنيتي أن أكون شجرة تتردد في خاطري رغبة في استنهاض القوة التي بمقدورِها رتقُ فجوة الضّرر.
ستتحول جدران غاليري تانيت إلى لوحاتٍ من المشهد الطبيعي. الجدران التي علّق عليها «رفات آخر وردة حمراء على وجه الأرض»، هي ذاتها التي دمّرها الانفجار وهي ذاتها التي ستستضيف رسوم الأشجار السامقة في معرضٍ أصبح الآن مساحة مفتوحة لإنشاء جداريتين مقسمتَين إلى ثمانين لوحة مصغّرة من الورق المقوى. يقول الفنان: «سأرسم أشجار بيروت، أشجاري الحالمة، أشجار الصمود والتغيير. بعد ذلك ستُباع الأعمال وسيُضاف مجموع العائدات إلى صندوق إغاثة خصّصته جمعية بسمة للمساعدة في إعادة بناء وترميم منازل بيروت لمن فقدوها وَلمن هُم في أمس الحاجة إليها».
يوضح الفنان: «إن هذا العمل هو في المقام الأول تكريم لذكرى المعماري اللبناني الفرنسي، الصديق جان مارك بونفيس الذي كان لهُ دورٌ خلّاق ومحوري في إحياء تراث لبنان، وبناء معالم مبتكرة ومعاصرة لِبيروت الحبيبة. كما أنه تكريم لجميع الأشخاص والأصدقاء الذين وقعوا ضحية هذه المجزرة».
وَيختتم القادري قائلاً: «لقد تركنا الانفجار مكسورين، في حدادٍ على خسائرنا من الأحبة، إلى الأماكن المحفورة في ذاكرتنا، إلى بيروت العزيزة كما نعرفها. الأمر الأكثر صعوبة هو كيف أباد هذا الحادث المروِّع، في غضون ثوانٍ، أحلامَ وطنٍ برمّته. لذا، وكما شهدنا عاصمتنا تتحول إلى ركام. فإنّني اليومَ أودُّ لَو أكونَ شجرة تنتصب في وجهِ الحطام».
«أودُّ اليوم أن أكون شجرة» في وجه حطام مرفأ بيروت
تحية للضحايا في «تانيت» الذي هشمه الانفجار
«أودُّ اليوم أن أكون شجرة» في وجه حطام مرفأ بيروت
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة