اكتشاف ثقب أسود من نوع جديد في الفضاء

صورة نشرها معهد ماكس بلانك لفيزياء الجاذبية عن محاكاة لدمج الثقب الأسود الثنائي (أ.ف.ب)
صورة نشرها معهد ماكس بلانك لفيزياء الجاذبية عن محاكاة لدمج الثقب الأسود الثنائي (أ.ف.ب)
TT

اكتشاف ثقب أسود من نوع جديد في الفضاء

صورة نشرها معهد ماكس بلانك لفيزياء الجاذبية عن محاكاة لدمج الثقب الأسود الثنائي (أ.ف.ب)
صورة نشرها معهد ماكس بلانك لفيزياء الجاذبية عن محاكاة لدمج الثقب الأسود الثنائي (أ.ف.ب)

لاحظ العلماء للمرة الأولى بفضل موجات الجاذبية ثقباً أسود بحجم كتلة غير مسبوق تشكّل إثر انصهار ثقبين أسودين، واستغرق وصوله إلى الأرض سبعة مليارات سنة ضوئية، في اكتشاف يرتدي أهمية كبرى في مسار حل ألغاز الكون.
وقال ستافروس كاتسانيفاس، مدير «فيرغو»، أحد مرصدي موجات الجاذبية اللذين التقطا إشارات هذا الثقب الأسود الجديد «إنه باب يُفتح على مشهد كوني جديد. هذا عالم جديد».
وهذا أول إثبات مباشر على وجود ثلاثة ثقوب سوداء بحجم وسطي (بحجم أكبر بمائة مرة إلى مائة ألف مرة من الشمس)، من شأنها حل أحد ألغاز الكون، وهو كيفية تشكّل الثقوب السوداء فائقة الضخامة، وهي أجسام كونية عملاقة في قلب بعض المجرات وبينها درب التبانة.
ويحمل الجسم الغامض الذي وردت أوصافه في دراسة لفريق دولي من أكثر من 1500 عالم نشرتها مجلتا «فيزيكال ريفيو ليترز» و«أستروفيزيكال جورنال ليترز»، اسم «جي دبليو 190521». وهو نشأ على الأرجح من انصهار ثقبين أسودين، وحجم كتلته أكبر من حجم الشمس بـ142 مرة، ويشكل أكبر ثقب أسود يُرصد على الإطلاق عن طريق موجات الجاذبية (في حين الثقوب السوداء فائقة الضخامة، وهي أضخم بمليارات المرات، تُرصد بصورة مختلفة).
وقد أورد ألبرت أينشتاين ذكر موجات الجاذبية سنة 1915 في نظريته بشأن الجاذبية العامة ورُصدت مباشرة بعد قرن من الزمن، وهي تشوهات صغيرة في الزمكان تشبه تموجات المياه عند سطح بركة. وهي تنشأ تحت تأثير ظواهر كونية عنيفة بينها اصطدام ثقبين أسودين يصدر كمية هائلة من الطاقة.
واستغرق وصول موجة الجاذبية «جي دبليو 190521» سبعة مليارات سنة، وهو أبعد وبالتالي أقدم ثقب أسود يُكتشف على الإطلاق.
ورُصدت الإشارة في 21 مايو (أيار) 2019 عن طريق المرصد الأميركي «ليغو» والأوروبي «فيرغو»، وهو الاكتشاف «الأضخم» منذ اكتشافاتهما الأولى في 2015 و2017، وفق المركز الوطني للبحث العلمي في فرنسا والذي شارك باحثون منه في الدراسات.
وقد كانت هذه الإشارة قصيرة للغاية (عُشر من الثانية) وبتردد منخفض للغاية (حدة الترددات تتراجع كلما غصنا أكثر في الزمن). وقد شكّل ذلك «تحدياً على صعيد التحليل»، بحسب نلسون كريستنسن من مرصد «ليغو».
وكانت وحدها أدلة غير مباشرة جرى جمعها بطرق رصد كهرومغناطيسية، تدفع إلى الاعتقاد بوجود هذا العدد من الثقوب السوداء الوسطى.
وأشار المركز الوطني للبحث العلمي إلى أن هذه الثقوب الأضخم من الثقوب السوداء المتأتية من انهيار النجوم والأخف بكثير من تلك ذات الكتلة الفائقة الضخامة، قد تكون «مفتاح حل أحد ألغاز في الفيزياء الفلكية وعلم الكون: كيفية تشكّل الثقوب السوداء الفائقة الضخامة».
ومن بين فرضيات نشوء هذه الأجسام، قد يكون الانصهار المتكرر للثقوب السوداء ذات الكتلة الوسيطة.
وثمة ظاهرة محيّرة أخرى تتمثل في معرفة أصل الثقبين الأسودين المنصهرين. وبحسب النظريات الحالية، لا يمكن لانهيار نجمة أن يؤدي إلى نشوء ثقبين أسودين بكتلة أكبر بـ60 إلى 120 مرة من الشمس، أي تحديدا بحجم الجسمين اللذين انصهرا. هنا السؤال: هل كان ثمة ثقب أسود أوّلي تشكّل خلال الانفجار الكوني العظيم قبل 13.8 مليار سنة؟ أم هل هما متأتيان نفساهما من انصهار؟
ويطرح رصد ثقب «جي دبليو 190521» تساؤلات جديدة؛ ما يؤكد أن «حيّزاً واسعاً من الكون بقي غير مرئي لنا»، وفق عالم الفيزياء الفلكية في مرصد «ليغو» كاران جاني.


مقالات ذات صلة

التلسكوب «جيمس ويب» يلتقط «زِينة شجرة ميلاد مُعلَّقة في الكون»

يوميات الشرق ألوانُها كأنه العيد في الفضاء (ناسا)

التلسكوب «جيمس ويب» يلتقط «زِينة شجرة ميلاد مُعلَّقة في الكون»

التقط التلسكوب الفضائي «جيمس ويب» التابع لـ«ناسا»، للمرّة الأولى، صورة لِما بدت عليه مجرّتنا في الوقت الذي كانت تتشكَّل فيه؛ جعلت علماء الفضاء يشعرون بسعادة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق الكويكبات الجديدة رُصدت بواسطة تلسكوب جيمس ويب الفضائي (معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا)

رصد 138 كويكباً صغيراً جديداً

تمكن فريق من علماء الفلك في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بالولايات المتحدة من رصد 138 كويكباً صغيراً جديداً.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
الولايات المتحدة​ باميلا ميلروي نائبة مدير «ناسا» وبيل نيلسون مدير «ناسا» خلال مؤتمر صحافي في واشنطن (أ.ف.ب)

«ناسا» تعلن تأجيلات جديدة في برنامج «أرتميس» للعودة إلى القمر

أعلن مدير إدارة الطيران والفضاء (ناسا)، بيل نيلسون، تأجيلات جديدة في برنامج «أرتميس» الذي يهدف إلى إعادة رواد الفضاء إلى القمر لأول مرة منذ 1972.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
علوم رائدا الفضاء سونيتا ويليامز وباري ويلمور (أ.ب)

مرور 6 أشهر على رائدَي فضاء «ناسا» العالقين في الفضاء

مرّ ستة أشهر على رائدَي فضاء تابعين لوكالة الفضاء والطيران الأميركية (ناسا) عالقين في الفضاء، مع تبقي شهرين فقط قبل العودة إلى الأرض.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق رحلة ولادة الكسوف الاصطناعي (أ.ب)

«عرض تكنولوجي» فضائي يمهِّد لولادة أول كسوف شمسي اصطناعي

انطلق زوج من الأقمار الاصطناعية الأوروبية إلى الفضاء، الخميس، في أول مهمّة لإنشاء كسوف شمسي اصطناعي من خلال تشكيل طيران فضائي مُتقن.

«الشرق الأوسط» (كيب كانافيرال فلوريدا )

من سيارة «ليرة» إلى «تاكسي طائرة»... هشام الحسامي شعارُه «صُنع في لبنان»

المهندس هشام الحسامي وأول طائرة تاكسي صُنعت في لبنان (حسابه الشخصي)
المهندس هشام الحسامي وأول طائرة تاكسي صُنعت في لبنان (حسابه الشخصي)
TT

من سيارة «ليرة» إلى «تاكسي طائرة»... هشام الحسامي شعارُه «صُنع في لبنان»

المهندس هشام الحسامي وأول طائرة تاكسي صُنعت في لبنان (حسابه الشخصي)
المهندس هشام الحسامي وأول طائرة تاكسي صُنعت في لبنان (حسابه الشخصي)

تكبُر أحلام الشاب اللبناني المهندس هشام الحسامي يوماً بعد يوم، فلا يتعب من اللحاق بها واقتناص الفرص ليُحقّقها. منذ نحو العام، أطلق إنجازه الأول في عالم التكنولوجيا، فقدّم سيارة «ليرة» الكهربائية العاملة بالطاقة الشمسية، لتكون المنتج النموذج لتأكيد قدرة اللبناني على الابتكار.

اليوم، يُطوّر قدراته مرّة أخرى، ويُقدّم أول تاكسي طائرة، «سكاي ليرة»، من صنع محلّي؛ تأتي ضمن سلسلة «ليرة» ومزوَّدة بـ8 محرّكات. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «إنها أول طائرة من نوعها في العالم العربي مصنوعة محلّياً. فمعظم طائرات التاكسي في الإمارات العربية وغيرها، تُستَورد من الصين. رغبتُ من خلالها التأكيد على إبداعات اللبناني رغم الأزمات المتلاحقة، وآخرها الحرب».

يتمتّع هذا الابتكار بجميع شروط الأمان والسلامة العامة (هشام الحسامي)

أجرى الحسامي دراسات وبحوثاً ليطّلع بشكل وافٍ على كيفية ابتكار الطائرة التاكسي: «بحثتُ بدقّة وكوّنتُ فكرة كاملة عن هذا النوع من المركبات. خزّنتُ المعلومات لأطبّقها على ابتكاري المحلّي. واستطعتُ أن أقدّمها بأفضل جودة تُضاهي بمواصفاتها أي تاكسي طائرة في العالم».

صمّم ابتكاره ونفَّذه بمفرده: «موّلتها بنفسي، وهي تسير بسرعة 130 كيلومتراً في الساعة، كما تستطيع قَطْع مسافة 40 كيلومتراً من دون توقُّف».

يهدف ابتكاره إلى خلق مجال صناعي جديد في لبنان (هشام الحسامي)

لا يخاطر هشام الحسامي في إنجازه هذا، ويعدُّه آمناً مائة في المائة، مع مراعاته شروط السلامة العامة.

ويوضح: «حتى لو أُصيب أحد محرّكاتها بعطل طارئ، فإنها قادرة على إكمال طريقها مع المحرّكات الـ7 الأخرى. كما أنّ ميزتها تكمُن في قدرتها على الطيران بـ4 من هذه المحرّكات».

ولكن مَن هو المؤهَّل لقيادتها؟ يردّ: «قيادتها بسيطة وسهلة، ويستطيع أيٌّ كان القيام بهذه المَهمَّة. الأمر لا يقتصر على قبطان طائرة متخصّص، ويمكن لهذا الشخص أن يتعلّم كيفية قيادتها بدقائق».

يحاول هشام الحسامي اليوم تعزيز ابتكاره هذا بآخر يستطيع الطيران على نظام تحديد المواقع العالمي «جي بي إس»: «سيكون أكثر تطوّراً من نوع (الأوتونومايس)، فيسهُل بذلك طيرانها نحو الموقع المرغوب في التوجُّه إليه مباشرة».

صورة لطائرة تاكسي أكثر تطوّراً ينوي تصميمها (هشام الحسامي)

صمّم المهندس اللبناني الطائرة التاكسي كي تتّسع لشخص واحد. ويوضح: «إنها نموذج أولي سيطرأ عليه التطوُّر لاحقاً. إمكاناتي المادية لم تسمح بالمزيد».

من المُنتَظر أن يعقد الحسامي اجتماعاً قريباً مع وزير الصناعة في حكومة تصريف الأعمال بلبنان، جورج بوشيكيان، للتشاور في إمكان الترويج لهذا الابتكار، وعمّا إذا كانت ثمة فرصة لتسييره ضمن ترتيبات معيّنة تُشرف عليها الدولة؛ علماً بأنّ الطائرة التاكسي ستُطلَق مع بداية عام 2025.

أطلق هشام الحسامي عليها تسمية «سكاي ليرة»، أسوةً بسيارة «ليرة»، وأرفقها بصورة العلم اللبناني للإشارة إلى منشئها الأصلي: «إنها صناعة لبنانية بامتياز، فكان من البديهي أن أرفقها بالعَلَم».

وهل يتوقّع إقبال اللبنانيين على استخدامها؟ يجيب: «الوضع استثنائي، ومشروعات من هذا النوع تتطلّب دراسات وتخصيصَ خطّ طيران لتُحلِّق من خلاله؛ وهو أمر يبدو تطبيقه صعباً حالياً في لبنان. نصبو إلى لفت النظر لصناعتها وبيعها لدول أخرى. بذلك نستطيع الاستثمار في المشروع، وبالتالي رَفْع مداخيلنا وأرباحنا بكوننا دولة لبنانية»، مؤكداً: «من خلال هذا الابتكار، يمكن للبنان أن ينافس نوعَها عينه الرائج في العالم. فكلفة صناعتها تتراوح بين 250 و300 ألف دولار عالمياً، أما في لبنان، وبسبب محلّية صناعتها وتجميع قطعها، فكلفتها أقل. نستطيع بيعها بأسعار لا تزيد على 150 ألف دولار».

المواد الأولية لصناعة «الطائرة التاكسي» مؤمَّنة في لبنان. وحدها القطع الإلكترونية اللازمة تُستَورد من الخارج: «بذلك يكون بمقدورنا تصدير التكنولوجيا الخاصة بنا».