وفاة «دوتش» جلاد نظام الخمير الحمر

كاينغ غويك إياف (دوتش) خلال مثوله أمام محكمة تدعمها الأمم المتحدة في بنوم بنه في مارس الماضي (أ.ب)
كاينغ غويك إياف (دوتش) خلال مثوله أمام محكمة تدعمها الأمم المتحدة في بنوم بنه في مارس الماضي (أ.ب)
TT

وفاة «دوتش» جلاد نظام الخمير الحمر

كاينغ غويك إياف (دوتش) خلال مثوله أمام محكمة تدعمها الأمم المتحدة في بنوم بنه في مارس الماضي (أ.ب)
كاينغ غويك إياف (دوتش) خلال مثوله أمام محكمة تدعمها الأمم المتحدة في بنوم بنه في مارس الماضي (أ.ب)

توفي، الأربعاء، عن 77 عاماً الجلاد السابق لنظام الخمير الحمر في كمبوديا «دوتش» الذي كان يدير أسوأ مركز اعتقال في عهد نظام الخمير الحمر ويمضي حكماً بالسجن المؤبد.
وقال متحدث باسم محكمة جرائم الحرب التي ترعاها الأمم المتحدة ومقرّها في بنوم بنه، إن كاينغ غويك إياف الملقّب بـ«دوتش» توفي «في مستشفى الصداقة الخميرية - السوفياتية».
وكان «دوتش» يعاني من عوارض «قصور تنفسي حاد»، كما ورد في رسالة طبيب أكد الوفاة. وقد نقل جثمانه إلى معبد تشاك أنغراي كروم في بنوم بنه لإحراقه.
وكان «دوتش» يدير في العاصمة الكمبودية سجن «تول سلينغ» الشهير باسم سجن «إس - 21»، حيث قضى نحو 15 ألف شخص تحت التعذيب في عهد نظام الخمير الحمر في كمبوديا (1975 - 1979) من دون مزيد من التفاصيل.
وهذا الحكم الديكتاتوري الماوي الذي أقيم في 17 أبريل (نيسان) 1975، سقط في السابع من يناير (كانون الثاني) 1979 أمام دبابات فيتنام الاشتراكية التي كان «الشقيق العدو». وبين 1975 و1979، لقي نحو مليوني شخص يشكلون ربع السكان، حتفهم بسبب الإنهاك والجوع والمرض والتعذيب والإعدام.
وقال نورنغ شأن فال (51 عاماً) أحد الناجين من السجن «توفي دوتش الآن وأرواح الضحايا وأقربائي حصلت على العدالة الآن»، بحسب «وكالة الصحافة الفرنسية».
و«دوتش» كان أول متّهم تدينه محكمة جرائم الحرب التي أنشئت في بنوم بنه برعاية الأمم المتحدة لمحاكمة مرتكبي الفظاعات خلال حكم النظام الماوي المتطرّف.
وفي 2010 حكمت عليه محكمة الدرجة الأولى بالسجن لمدة 30 عاماً، قبل أن تشدّد محكمة الاستئناف العقوبة بعد ذلك بعامين لتصبح السجن بمدى الحياة.
وبعدما نجح مدرّس الرياضيات السابق في الاختباء لسنوات كثيرة، فضح أمره المصوّر الإيرلندي في 1999 حين وجده يعمل في منظمة مسيحية غير حكومية.
وأشرف «دوتش» على استجواب وتعذيب آلاف الرجال والنساء والأطفال في سجن «إس - 21» قبل أن يرسلوا إلى «حقول القتل» القريبة، حيث تم إعدام نحو 15 ألف شخص.
أمام القضاة خلال محاكمته، شرح «دوتش» مضمون الوثائق التي عثر عليها في مكب للنفايات في السجن عند سقوط النظام، والعملية التي كان يتم خلالها نقل الذين تعرضوا للتعذيب إلى موقع إعدام على بعد بضعة كيلومترات من السجن.
قال الأطباء النفسيون، إن الرجل كان «يهتم بالتفاصيل في عمله ويعمل بضمير، وحريصاً على أن يحظى باحترام رؤسائه».
وهو شخصياً اعترف خلال المحاكمة بأنه «مسؤول عاطفياً وقانونياً».
وفي تسعينات القرن الماضي اعتنق المسيحية وطلب العفو من الناجين وأسر الضحايا القلائل، ووافق على أن يُحكم عليه «بأقصى عقوبة».
لكن المتهم تراجع عن استراتيجية الاعتراف والتعاون مع القضاء ليطالب بالإفراج عنه، ويصف نفسه بأنه مجرد سكرتير في النظام الشيوعي.
وتحدث الاتهام عن «حماسه ودقته في القيام بكل مهمة أوكلت إليه»، لكن كذلك عن «اعتزازه» بإدارة مركز التعذيب و«استهتاره بمعاناة» الآخرين.
وتحدث عالم الإتنولوجيا الفرنسي فرنسوا بيزو الذي سجنه «دوتش» ثلاثة أشهر في الأدغال في 1971 عن «رجل جدي في إخلاصه (...) ومستعد للتضحية بحياته من أجل الثورة» و«ينجز المهمة الموكلة إليه».
وقال يوك تشانغ، رئيس مركز التوثيق الكمبودي، وهو منظمة بحثية قدمت أدلة كثيرة في المحكمة، إن دوتش «لم يشعر بالندم في النهاية». وأضاف آمل أن تجلب وفاته «بعض الراحة للأحياء وأن يرقد الموتى في النهاية بسلام».



موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)

يشكّل تحديث العقيدة النووية لروسيا الذي أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً، تحذيراً للغرب، وفتحاً ﻟ«نافذة استراتيجية» قبل دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب البيت الأبيض، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

«إن تحديث العقيدة النووية الروسية يستبعد احتمال تعرّض الجيش الروسي للهزيمة في ساحة المعركة»، بيان صادر عن رئيس الاستخبارات الخارجية الروسية، سيرغي ناريتشكين، لا يمكن أن يكون بياناً عادياً، حسب «لوفيغارو». فمن الواضح، حسب هذا التصريح الموجه إلى الغربيين، أنه من غير المجدي محاولة هزيمة الجيش الروسي على الأرض، لأن الخيار النووي واقعي. هذه هي الرسالة الرئيسة التي بعث بها فلاديمير بوتين، الثلاثاء، عندما وقّع مرسوم تحديث العقيدة النووية الروسية المعتمد في عام 2020.

ويدرك الاستراتيجيون الجيوسياسيون الحقيقة الآتية جيداً: الردع هو مسألة غموض (فيما يتعلّق باندلاع حريق نووي) ومسألة تواصل. «وفي موسكو، يمكننا أن نرى بوضوح الذعر العالمي الذي يحدث في كل مرة يتم فيها نطق كلمة نووي. ولا يتردد فلاديمير بوتين في ذكر ذلك بانتظام، وفي كل مرة بالنتيجة المتوقعة»، حسب الصحيفة. ومرة أخرى يوم الثلاثاء، وبعد توقيع المرسوم الرئاسي، انتشرت موجة الصدمة من قمة مجموعة العشرين في كييف إلى بكين؛ حيث حثّت الحكومة الصينية التي كانت دائماً شديدة الحساسية تجاه مبادرات جيرانها في ما يتصل بالمسائل النووية، على «الهدوء» وضبط النفس. فالتأثير الخارق الذي تسعى روسيا إلى تحقيقه لا يرتبط بالجوهر، إذ إن العقيدة النووية الروسية الجديدة ليست ثورية مقارنة بالمبدأ السابق، بقدر ارتباطها بالتوقيت الذي اختارته موسكو لهذا الإعلان.

صورة نشرتها وزارة الدفاع الروسية في الأول من مارس 2024 اختبار إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات تابع لقوات الردع النووي في البلاد (أ.ف.ب)

العقيدة النووية الروسية

في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي حين شنّت قوات كييف في أغسطس (آب) توغلاً غير مسبوق في منطقة كورسك في الأراضي الروسية، رد فلاديمير بوتين بتحديد أنه يمكن استخدام الأسلحة النووية ضد دولة غير نووية تتلقى دعماً من دولة نووية، في إشارة واضحة إلى أوكرانيا والولايات المتحدة. لكن في نسخة 2020 من الميثاق النووي الروسي، احتفظت موسكو بإمكانية استخدام الأسلحة الذرية أولاً، لا سيما في حالة «العدوان الذي تم تنفيذه ضد روسيا بأسلحة تقليدية ذات طبيعة تهدّد وجود الدولة ذاته».

وجاء التعديل الثاني في العقيدة النووية الروسية، الثلاثاء الماضي، عندما سمحت واشنطن لكييف باستخدام الصواريخ بعيدة المدى: رئيس الكرملين يضع ختمه على العقيدة النووية الجديدة التي تنص على أن روسيا ستكون الآن قادرة على استخدام الأسلحة النووية «إذا تلقت معلومات موثوقة عن بدء هجوم جوي واسع النطاق عبر الحدود، عن طريق الطيران الاستراتيجي والتكتيكي وصواريخ كروز والطائرات من دون طيار والأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت». وحسب المتخصصة في قضايا الردع في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (إيفري)، هيلواز فايت، فإن هذا يعني توسيع شروط استخدام السلاح النووي الروسي.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خلال اجتماع على هامش قمة مجموعة العشرين في أوساكا باليابان 28 يونيو 2019 (رويترز)

انتظار عودة ترمب

لفترة طويلة، لاحظ صقور الاستراتيجية الجيوستراتيجية الروسية أن الردع الروسي تلاشى. وبالنسبة إليهم، فقد حان الوقت لموسكو لإعادة تأكيد خطوطها الحمراء من خلال «إعادة ترسيخ الخوف» من الأسلحة النووية، على حد تعبير سيرغي كاراجانوف، الخبير الذي يحظى باهتمام فلاديمير بوتين. ةمن هذا المنظار أيضاً، يرى هؤلاء المختصون اندلاع الحرب في أوكرانيا، في 24 فبراير (شباط) 2022، متحدثين عن «عدوان» من الغرب لم تكن الترسانة النووية الروسية قادرة على ردعه. بالنسبة إلى هؤلاء المتعصبين النوويين، ينبغي عدم حظر التصعيد، بل على العكس تماماً. ومن الناحية الرسمية، فإن العقيدة الروسية ليست واضحة في هذا الصدد. لا تزال نسخة 2020 من العقيدة النووية الروسية تستحضر «تصعيداً لخفض التصعيد» غامضاً، بما في ذلك استخدام الوسائل غير النووية.

وحسب قناة «رايبار» المقربة من الجيش الروسي على «تلغرام»، فإنه كان من الضروري إجراء تحديث لهذه العقيدة؛ لأن «التحذيرات الروسية الأخيرة لم تُؤخذ على محمل الجد».

ومن خلال محاولته إعادة ترسيخ الغموض في الردع، فإن فلاديمير بوتين سيسعى بالتالي إلى تثبيط الجهود الغربية لدعم أوكرانيا. وفي ظل حملة عسكرية مكلفة للغاية على الأرض، يرغب رئيس «الكرملين» في الاستفادة من الفترة الاستراتيجية الفاصلة بين نهاية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ووصول الرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، الذي يتوقع منه بوتين مبادرات سلام محتملة لإنهاء الحرب.

يسعى بوتين، وفق الباحثة في مؤسسة «كارنيغي»، تاتيانا ستانوفايا، لوضع الغرب أمام خيارين جذريين: «إذا كنت تريد حرباً نووية، فستحصل عليها»، أو «دعونا ننهي هذه الحرب بشروط روسيا».