وجه العالم جورج جبوري نيتو، رئيس قسم الباثولوجي والطب المخبري بجامعة ألاباما في برمنغهام بالولايات المتحدة الأميركية، انتقادا حادا لطريقة الرئيس دونالد ترمب في إدارة ملف جائحة فيروس «كورونا» المستجد. وقال الطبيب الأميركي من أصول سورية، والذي يقود فريقا من 90 طبيبا وباحثا يعمل «جزء مهم منهم» على إجراء تحاليل خاصة بالفيروس في الولاية وجامعاتها، إن أميركا استثمرت مليارات الدولارات في بناء مؤسسات طبية محترمة تعمل بشكل موضوعي ومتوازن، ولكن «تدخلات ترمب في عمل هذه المؤسسات أضرت كثيرا بقدرتها على إدارة أزمة جائحة (كورونا) على نحو جيد».
وأضاف في حوار خاص مع «الشرق الأوسط»: «عندما تكون الوفيات في أميركا بسبب الفيروس تمثل 25 في المائة من إجمالي وفيات العالم، بينما عدد السكان في أميركا لا يمثل 25 في المائة من عدد سكان العالم، فهذه وصمة عار».
وبضحكة عالية لا تخلو من السخرية، استقبل نيتو اتهام ترمب لمن وصفها بـ«الدولة العميقة» بـ«عرقلة الوصول السريع للأدوية واللقاحات الخاصة بالفيروس للتأثير على موقفه في الانتخابات الرئاسية القادمة»، وقال نيتو: «هذا الاتهام ليس له أي دليل على أرض الواقع، فهذه المؤسسات هو الذي يعين مديريها، فكيف سيعملون ضده، بل بالعكس هناك اتهامات لهذه المؤسسات بأنها تستجيب لضغوط الرئيس الأميركي على نحو غير علمي سيضر بمصداقيتها، ويقوض ثقة الناس فيها، فهو يتدخل في إدارة الأزمة، رافضا أن (يعطي الخبز لخبازه) كما يقول المثل».
وكان خبراء قد اتهموا «هيئة الغذاء والدواء الأميركية» أخيرا بالاستجابة لضغوط الرئيس الأميركي بسبب موافقتها على الترخيص المؤقت باستخدام بلازما المتعافين من فيروس (كورونا المستجد) في علاج الحالات الخطيرة، وهو ما يتعارض مع موقفها السابق من البلازما، حيث رأت قبل أيام من هذه الموافقة أن «نتائج الدراسات غير مشجعة على اعتمادها كطريقة علاج».
وقال نيتو: «ما حدث مع البلازما، سبق وحدث مع دواء (هيدروكسي كلوروكوين)، حيث أبدى ترمب حماسا مغايرا لما توصلت له نتائج الدراسات على الدواء والتي أظهرت أعراضه الجانبية القاتلة».
واستدرك: «لو ترك (ترمب) المؤسسات تعمل من دون تدخلاته، لكان الوضع أفضل بكثير، والحقيقة أنه لولا وجود الدكتور أنتوني فاوتشي، كبير خبراء الفيروسات في الولايات المتحدة، في الفريق الطبي الخاص بإدارة الأزمة بالبيت الأبيض، لكان الوضع أكثر سوءا». ومع انتقاداته للرئيس الأميركي لم ينف نيتو محاولات «تسييس قضية لقاحات كورونا» عن رؤساء آخرين بخلافه، ويعتبر أن «التدخلات السياسية تبدو واضحة أيضا في سرعة اعتماد لقاحين بالصين وروسيا، رغم عدم إجراء أهم مرحلة من مراحل التجارب السريرية، وهي (المرحلة الثالثة)».
وتهتم المرحلة الأولى باختبار مُعامل الأمان في اللقاح، وتقيس المرحلة الثانية الاستجابة المناعية، أما المرحلة الثالثة فتركز على نسبة الحماية التي يمنحها اللقاح. ويقول نيتو: «الروس يبررون موقفهم بأنه إن لم يفد، فلن يضر، على اعتبار أنهم تأكدوا من عامل الأمان، ولكن خطورة هذا القول أنك ستعطي لقاحا لشخص يظن أنه صار محميا من الإصابة، مما يؤثر على تصرفاته والتزامه بالإجراءات الاحترازية، وهذا يعرضه لخطر الإصابة، لذلك فإن هذا الإجراء أقل ما يوصف به بأنه (غير علمي وخطر كبير)».
وأطلق نيتو الأوصاف ذاتها على التوجه الذي طالب به بعض العلماء لتسريع عملية إنتاج اللقاح، ضمن ما يعرف بـ(تجارب التحدي)، والتي يطالب من خلالها البعض بإعطاء الفيروس للمتطوعين بعد تلقيحهم بدلا من انتظار تعرضهم للفيروس بشكل طبيعي.
ويقول: «هذا المقترح يستند إلى أن الفئات التي ستشارك في تلك التجارب من الشباب بالفئة العمرية الصغيرة، والتي لا يكون الفيروس بالنسبة لها مميتا، وهذا مردود عليه بأن الفئة الأساسية المستهدفة بالحماية من خلال اللقاحات هي كبار السن من ذوي المناعة الضعيفة، فإذا كان اللقاح سيظهر فاعلية مع صغار السن، فليس بالضرورة أنه يكون فعالا مع كبار السن».
ويستطرد: «الأمر الآخر هو أن الهدف من اللقاحات ليس فقط الحماية من الوفاة، ولكن أيضا الحماية من الإصابة، لأن بعض الدراسات أثبتت أن بعض الشباب ممن نجوا من الوفاة بعد الإصابة، حدثت لهم تأثيرات صحية خطيرة امتدت معهم لفترات وكان بعضها مميتا، مثل حدوث مشاكل في عضلة القلب، لذلك فإنه ليس من الحكمة المخاطرة بصحتهم، وهم وقود التنمية في أي مجتمع».
الرفض لإجراءات «التسريع» وكذلك الرفض لما فعلته روسيا والصين، يعني أن اللقاحات الموثوق في اتباعها للمنهج العلمي السليم، والمرشحة لأن تحوز على ثقة العالم، أبرزها لقاحا «جامعة أكسفورد بالتعاون مع شركة أسترازينيكا»، ولقاح شركة «موديرنا» الأميركية.
ويقول: «هذان اللقاحان يحظيان بدعم وتمويل أميركي، وقد يبدأ استخدامهما في تلقيح الفئات الأكثر خطورة من الأطباء وغيرهم من العاملين بالصفوف الأمامية لمواجهة الفيروس في شهر نوفمبر أو ديسمبر القادم، ولكن تغطية قطاع عريض من السكان في أميركا لن يحدث قبل منتصف العام القادم، أما تغطية عدد كبير من سكان العالم بما يسمح بعودة الحياة الطبيعية مرة أخرى، فلن يحدث ذلك قبل نهاية عام 2021 وفق أقصى التقديرات المتفائلة».
ويضيف: «سكان العالم نحو 9 مليارات نسمة، وحتى تحدث مناعة القطيع التي تسمح بعودة الحياة الطبيعية يجب تطعيم نصفهم على الأقل، وهذا يحتاج لأكثر من لقاح، وليس من خلال لقاحي أكسفورد وموديرنا فقط». وعن مدة الحماية التي ستمنحها هذه اللقاحات، يقول: «هذا أمر يحتاج لوقت لمعرفته، ولكن المؤكد أنه كما تمنح الإصابة بالفيروس فترة مناعة تم إثباتها تمتد من 4 إلى 6 شهور بالنسبة للمتعافين منه، فإن الأمر ذاته سينطبق على اللقاح كحد أدنى للمناعة التي يمنحها، ونحتاج لوقت لمعرفة هل ستمتد المناعة إلى عام كامل، أم ستكون هناك حاجة إلى جرعتين في العام».
ويضيف: «هذا يعني أن اللقاح سيكون مثل لقاح الإنفلونزا الموسمي، ولكن السؤال الآن هل يعطى مرتين في العام أم مرة واحدة».
عالم باثولوجيا: الحياة الطبيعية لن تعود قبل نهاية 2021
جورج جبوري قال لـ«الشرق الأوسط» إن تدخلات ترمب في ملف «كورونا» مُضرة
عالم باثولوجيا: الحياة الطبيعية لن تعود قبل نهاية 2021
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة