قصة فيروز مع فرنسا بدأت بصدفة عمرها 60 سنة

رؤساء ووزراء ثقافة شغفوا بفنها

فيروز يوم قلدها جاك لانغ وساماً تكريمياً منحها إياه فرانسوا ميتران
فيروز يوم قلدها جاك لانغ وساماً تكريمياً منحها إياه فرانسوا ميتران
TT

قصة فيروز مع فرنسا بدأت بصدفة عمرها 60 سنة

فيروز يوم قلدها جاك لانغ وساماً تكريمياً منحها إياه فرانسوا ميتران
فيروز يوم قلدها جاك لانغ وساماً تكريمياً منحها إياه فرانسوا ميتران

فيروز بخير، ولقاؤها بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أمس (الاثنين)، دحض كل الشائعات التي كانت تدور حول أنها مريضة، وفي حال صعبة، ووصل الأمر حد إعلان رحيلها. الشائعات المغرضة لم يكن لها أي أساس من الصحة، يقول مقربون منها، ولم تتعرض لوعكة، بل هي تعيش يومياتها العادية، وتمارس طقوسها، وتلتقي الحلقة القريبة منها من الأصدقاء التي اختارتها محدودة جداً، وضاقت أكثر في السنوات الأخيرة، وهم من المتكتمين الصامتين الذين اختيروا بشكل رئيس لقدرتهم على عدم البوح، وحفظ الأسرار مهما صغرت.
وفيروز التي استقبلت الرئيس الفرنسي مساء أمس (الاثنين)، بناء على طلبه، وبرغبة شخصية منه، لشرب «فنجان قهوة» في منزلها في أنطلياس (شمال بيروت)، وجدت من المناسب أن تكون الجلسة حول وجبة خفيفة، وبحضور عدد قليل جداً من المدعوين، بينهم السفير الفرنسي لدى لبنان برنار فوشية، ومحاميها الخاص فوزي مطران، وابنتها ريما التي نسقت هذا اللقاء. وقد اشترطت ريما عدم وجود صحافيين، وتم الاتفاق على الاكتفاء بحضور المصور الخاص للرئيس ماكرون الذي كان له شرف ومسؤولية توثيق هذه اللحظة التاريخية التي يتابعها اللبنانيون والعرب، وتثير فضول الفرنسيين.
ويؤكد مقربون من السيدة التي استطاعت أن تبقى متوارية، كما عادتها، من دون أن يفلح المتلصصون في معرفة شيء عنها، أنها تتابع الأخبار، كما عادتها، ومدمنة على الاطلاع على مجريات الأحداث بتفاصيلها، وأنها عاشت الذهول والحزن بعد الانفجار الكبير في مرفأ بيروت، في 4 أغسطس (آب) الماضي، كما كل اللبنانيين. وبالتالي، لا بد أن الحديث مع ماكرون كان له جانبه السياسي والإنساني، وأن الرئيس الفرنسي أصغى باهتمام إلى ما تقوله نجمة العرب الأولى، وما تعتقده وتصبو إليه، بصفتها مواطنة في هذه البلاد الحزينة، وفنانة صنعت بحنجرتها أحلام كثيرين، وشكلت وجدانهم. وفيروز (85 عاماً) رغم كل ما مرت به، لا تزال تحتفظ بروح النكتة، وبسخريتها اللماحة، ونضارة الفكر، ومهارتها في اللعب على الألفاظ، وهي تشيع جواً من المرح. وما يبدو غريباً أن فيروز أعطت باستمرار في إطلالاتها الإعلامية القليلة انطباعاً عن شخصيتها مخالف تماماً لحقيقة سجيتها، فلا الصمت من طباعها، ولا اعتزال الكلام من محبباتها. إنما هكذا أراد لها عاصي أن تكون صورتها، واستحسنت الخيار، هي الخجولة بطبعها، فتركت له الحكي واستراحت، حتى إن سئلت. استعاضت النجمة عن الكلام وتطريز الإجابات بالغناء الذي به غزت قلوب العالم، ولم تكن مخطئة.
اليوم، لا تزال فيروز تتبع النهج نفسه. اعتادت الظل واستأنست به، ومن ثم أدمنته. فهي تعرف، لا بد، أنها مشعة أينما كانت، وأنها لا تنسى وإن توارت. بدليل أنها رغم تسع سنوات من الغياب عن المسرح بعد حفلها في بلاتيا في ساحل علما (شمال بيروت)، بحث ماكرون عن جامع للبنانيين الذين نهشتهم الفرقة، فلم يعثر سوى على فيروز. وهذا ليس بغريب، رغم الدهشة التي أبداها كثيرون حين سمعوا بخبر اللقاء.
فقد عرف الفرنسيون فيروز باكراً، حتى قبل أن تغني للمرة الأولى في باريس عام 1975. وغالباً ما كرمها الرؤساء الفرنسيون، وأحب فنها حد الشغف وزراء ثقافة ومدمنو موسيقات العالم. وكان أول الوزراء الفرنسيين المتيمين بغناء فيروز جاك لانغ الذي بدأ حياته بتأليف فرقة مسرحية، جاءت إلى لبنان نهاية الخمسينيات، من مارسيليا عن طريق البحر، لتوفير ثمن تذاكر الطائرة. وشاركت الفرقة في مهرجان راشانا الذي كان ينظمه الفنان التشكيلي ميشال بصبوص، بمسرحية لإسخيليوس، كان يلعب فيها لانغ دوراً تمثيلياً. وجاك لانغ الذي سيصبح من بين أشهر وزراء الثقافة في فرنسا كان في ذلك الوقت في العشرين من عمره. وتشاء الصدف أن يأتي إلى مهرجان راشانا لحضور المسرحيات، في البترون الشمالية، عاصي وفيروز. ويسعد الشاب الفرنسي بلقائهما، وكان سمع عنهما، ثم يذهب إلى بعلبك، لحضور حفلهما الذي أشعره كما يقول «وكأنه في الجنة». ويصف لانغ فيروز بأنها ذات «صوت ذهبي، وصاحبة سحر يحلق بنا، بفضل المعجزة الربانية التي تجسدها».
القصة لم تنتهِ هنا، ففي عام 1988، كان جاك لانغ قد أصبح وزيراً للثقافة، وأحد أقرب المقربين للرئيس فرنسوا ميتران الذي سيمنح فيروز وسام الآداب الفرنسي، ويسلمها إياه لانغ في حفل مهيب في القصر الملكي الباريسي، معرباً عن سعادته الغامرة وتشرفه بهذا التكريم.
جاء كل هذا في أثناء إقامتها حفلها الثاني في باريس في «بيرسي»، في عز الحرب الأهلية، حيث تابعها عشرة آلاف من محبيها بالدموع والشموع والتصفيق، واستقبلها الشهير فريديرك ميتران، ابن أخ الرئيس ميتران، في برنامجه التلفزيوني «دو كوتيه دو شي فريد»، استقبال الملكات، غير مصدق أنه في حضرتها، وهو العاشق للسينما العربية، المتابع اليقظ للفنون، العارف بأهمية فيروز، الذي سيصبح بدوره وزيراً للثقافة، وستبقى فيروز في باله إلى أن يصور عنها فيلمه الوثائقي الشهير الذي سيصبح من بين أشهر ما تم تصويره عنها. ولم يتوقف التقدير لفيروز من حينه، إذ منحها الرئيس الراحل جاك شيراك وسام فارس جوقة الشرف، وهو من أعلى الأوسمة، وكان ذلك عام 1998. وحين سلمها إياه السفير الفرنسي بيار لافون، قال إنه «تكريم لشجاعتها، وهي التي أبت إخضاع صوتها إلا لوحدة اللبنانيين».
وتعود الإطلالة الأولى لفيروز في فرنسا إلى اللقاء التلفزيوني الذي دعتها إليه ميراي ماتيو عام 1975 في برنامج كانت تقدمه. أما أول وقوف لها على مسرح فرنسي فكان عام 1979 في الأولمبياد، بعد أربع سنوات على اندلاع الحرب الأهلية، وكرّت السبحة.
وبالتالي، فإن زيارة إيمانويل ماكرون لفيروز هي جديدة مثيرة في الشكل وفي التوقيت، لكنها في مضمونها استكمال لسلسلة من المبادرات التكريمية لنجمة العرب دون منازع طوال نصف قرن، منذ أن غابت أم كلثوم عام 1975. ومن وقتها، لم ينافسها أحد على هذه المكانة، كما قال فريديك ميتران، في فيلمه الوثائقي.



إلحاق مهاجرين أفارقة بمعسكرات تجنيد حوثية

المهاجرون يتعرّضون للانتهاكات في مناطق سيطرة الحوثيين (الأمم المتحدة)
المهاجرون يتعرّضون للانتهاكات في مناطق سيطرة الحوثيين (الأمم المتحدة)
TT

إلحاق مهاجرين أفارقة بمعسكرات تجنيد حوثية

المهاجرون يتعرّضون للانتهاكات في مناطق سيطرة الحوثيين (الأمم المتحدة)
المهاجرون يتعرّضون للانتهاكات في مناطق سيطرة الحوثيين (الأمم المتحدة)

ألحقت جماعة الحوثيين مئات المهاجرين الأفارقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء بمعسكراتها التي تقيمها للتعبئة العسكرية، ضمن حملات تجنيد تستهدف جميع الفئات؛ استعداداً لإشراكهم فيما تسميه الجماعة «معركة الجهاد المقدس» لتحرير فلسطين.

ودفعت الجماعة الحوثية في الأيام الأخيرة بأكثر من 220 مهاجراً أفريقياً، بينهم أطفال وكبار سن للالتحاق بدورات عسكرية سرية أُقيمت في مناطق عدة في صنعاء وريفها تحت اسم دورات «طوفان الأقصى»، حسب ما ذكرته مصادر يمنية مطلعة لـ«الشرق الأوسط».

أفارقة استقطبهم الحوثيون في صنعاء (إعلام محلي)

ويسعى الحوثيون إلى تدعيم صفوفهم بمقاتلين جُدد، عبر تنفيذ عمليات ملاحَقة وخطف واستقطاب وغسل أدمغة وإجبار على الالتحاق بدورات طائفية وعسكرية.

ووفقاً للمصادر، فإن مئات المهاجرين الأفارقة المستهدفين بعملية التجنيد الأخيرة هُم ممن جرى القبض عليهم قبل فترة، ونقلهم على دفعات من محافظة صعدة المعقل الرئيسي للجماعة إلى معسكرات تدريب تعبوية وعسكرية أُنشئت بعيداً عن متابعة المنظمات الدولية ورقابتها.

واتهمت المصادر جماعة الحوثي بالقيام بمساومة أعداد من المهاجرين بين الالتحاق بصفوفها للقتال أو ترحيلهم قسراً إلى مناطق سيطرة الحكومة اليمنية. وذكرت أن ذلك الاستهداف يُعد ترجمة لتوجيهات كان أصدرها زعيم الجماعة الحوثية، تحضّ على إنشاء معسكرات تعبئة المهاجرين.

وجاءت هذه الممارسات متوازية مع إقرار الجماعة بشنّ حملات تعقب ومطاردة للمهاجرين الأفارقة في محافظة صعدة أسفرت خلال شهر واحد عن اعتقال 1694 شخصاً من مناطق عدة بالمحافظة، واقتيادهم إلى مراكز احتجاز، بعضها يتبع ما تُسمّى «مصلحة الهجرة»، وفق ما بثّه مركز الإعلام الأمني الحوثي.

مهاجرون أفارقة في إحدى المناطق اليمنية (إكس)

كما أقرت الجماعة الحوثية، عبر تقارير أخرى صادرة عن أجهزتها الأمنية في صنعاء، بتنفيذها، منذ مطلع العام الحالي، حملات تعقب وملاحَقة وخطف، أسفرت عن اعتقال ما يزيد على 3480 مهاجراً في صعدة ونقلهم إلى صنعاء.

انتهاك مستمر

يأتي الاستهداف الحوثي للمهاجرين الأفارقة مع استمرار تعرّض المئات منهم لشتى صنوف الانتهاك والابتزاز، وفق ما ذكرته مصادر حقوقية وتقارير دولية.

وتبرّر الجماعة الحوثية عملياتها الاستهدافية المستمرة ضد اللاجئين بسبب ما تزعمه من «خطورتهم على المجتمع»؛ حيث ترحّلهم من معقلها الرئيسي في صعدة، ومن مدن أخرى، وتجميعهم في مراكز تابعة لها في صنعاء، ثم إلحاقهم بمعسكرات تجنيد واستخدامهم في مهام تجسسية وتهريب ممنوعات.

وسبق أن اتّهم ناشطون يمنيون الجماعة الحوثية باستحداث معسكرين تدريبيين جديدين؛ أحدهما بمحافظة صعدة، وآخر قرب مزارع «الجر» غرب مديرية عبس التابعة لمحافظة حجة؛ حيث تستقطب الجماعة إليهما مئات المهاجرين الأفارقة الواصلين تباعاً إلى الأراضي اليمنية؛ بهدف إلحاقهم بجبهات القتال، واستخدامهم بمهام استخباراتية وتنفيذ مخططات استهدافية.

المهاجرون الأفارقة يتدفقون إلى الأراضي اليمنية عبر شبكات التهريب (الأمم المتحدة)

وكانت الحكومية اليمنية ندّدت غير مرة باستمرار الجماعة الحوثية في تجنيد اللاجئين الأفارقة للقتال في صفوفها، وعدّت ذلك جريمة حرب وانتهاكاً للقوانين الدولية والمواثيق الإنسانية.

وفي تقرير سابق لها، اتّهمت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات الحوثيين بإخفائهم قسرياً نحو 2406 يمنيين من مختلف الفئات والأعمار، مضافاً إليهم 382 لاجئاً أفريقياً في 17 محافظة، في الفترة من 1 يناير (كانون الثاني) 2017 حتى منتصف العام الماضي.