حميد الشاعري: أُحب أغاني المهرجانات وأرفض الهجوم عليها

قال لـ«الشرق الأوسط»: ألبوم «أنا بابا» يراعي الأذواق كافة

الفنان المصري حميد الشاعري   


لقطة من كواليس تصوير كليب «زحمة الأيام»
الفنان المصري حميد الشاعري لقطة من كواليس تصوير كليب «زحمة الأيام»
TT

حميد الشاعري: أُحب أغاني المهرجانات وأرفض الهجوم عليها

الفنان المصري حميد الشاعري   


لقطة من كواليس تصوير كليب «زحمة الأيام»
الفنان المصري حميد الشاعري لقطة من كواليس تصوير كليب «زحمة الأيام»

يعود الفنان المصري حميد الشاعري للغناء مجدداً بعد فترة غياب دامت 14 عاماً، انشغل فيها بالتوزيع الموسيقي، عبر ألبوم «أنا بابا» الذي من المقرر طرحه خلال الأيام المقبلة بالتعاون مع شركة «كامب»، وكشف حميد تفاصيل ألبومه الجديد في حواره مع «الشرق الأوسط»، وقال إنه يضم 14 أغنية، يتعاون فيها مع عدد كبير من صناع الأغنية المصرية، من بينهم عدد من المواهب الشابة، على غرار «جوري» التي يقدم معها أغنية «أكتر من الحلم» و«يوسف» في أغنية «يا دنيا يا دوارة».
في البداية، تحدث الشاعري عن تفاصيل ألبومه الجديد، قائلاً: «ألبوم (أنا بابا) يضم 14 أغنية من بينها (زحمة الأيام) التي أقدمها مع نجوم جيلي على غرار إيهاب توفيق وهشام عباس ومصطفى قمر، بجانب أغنية (أتومبيل السعادة) مع الفنان مصطفى شوقي وألحان عصام كاريكا».
وأرجع الشاعري سبب غيابه الطويل عن الغناء لمدة تزيد على 14 عاماً إلى «حبه الدائم في التروي وعدم التعجل في العمل»، مشيراً إلى أنه منذ عام 2006 وهو يعمل على أغنياته الجديدة، وذلك عقب طرح آخر ألبوماته الغنائية «روح السمارة».
ويؤكد الشاعري أنه يوازن في ألبومه الجديد بين محبي فترة التسعينيات من القرن الماضي وبين الجيل الحالي، لافتاً إلى أنه سيرضي جميع الأذواق، «فأي فنان يحب أن يرضي محبيه القدامى، في الوقت الذي يسعى فيه لكسب جمهور جديد، إذ إنني أقدم مجموعة كبيرة من الأغنيات يصل عددها إلى 14 أغنية، ولذلك سيجد الجمهور جميع أنواع وأشكال الأغنيات. فمثلاً هناك أغنية بعنوان (عيلتي) كتبها الشاعر صابر كمال، ولحنها بلال سرور، رغم أن الاثنين ينتميان إلى الجيل الحالي؛ إذ إن الأغنية تتماهى مع طريقة أغنيات التسعينات».
وكشف الشاعري أنه قام بتصوير أغنيتين من أغنيات ألبومه الجديد على طريقة الفيديو كليب، هما «زحمة الأيام» التي يشارك في الغناء بها كل من هشام عباس وإيهاب توفيق ومصطفى قمر، والثانية «يا دنيا يا دوارة» وهي «الديو» الذي سيجمعه بالفنان الشاب «يوسف».
وذكر الشاعري أنه لم يفكر في تنفيذ أغنية «زحمة الأيام» مع أصدقائه من المطربين بعد نجاح أغنية «قادرين» التي عرضت في موسم إعلانات رمضان الماضي، قائلاً: «نعمل سوياً على أغنية (زحمة الأيام) قبل طرح أغنية (قادرين) التي كانت ضمن حملة إعلانية لإحدى الصيدليات الكبرى في مصر، وقررنا تصويرها بسبب رحيل مؤلفها الشاعر سامح العجمي، وبعده بأسابيع توفي ملحنها أشرف سالم، فاتفقنا على أن نسجلها ونطرحها كهدية لروح الاثنين اللذين فارقا الحياة قبل الاستماع إليها وإبداء رأيهما فيها».
وعن أبرز الأصوات التي أعجب بها الشاعري خلال فترة غيابه، يقول: «طيلة تلك الفترة كنت أسمع كل الألوان الغنائية لأنني في الأصل موزع موسيقي وأعمل معهم في ألبوماتهم، وأعتبر أن صوت شيرين عبد الوهاب من بين أجمل الأصوات المصرية الحالية، وأرى أنها مدرسة في الغناء، وهناك كثيرون يحاولون تقليدها، وأيضاً محمد حماقي (أستاذ) في الغناء، وأيضاً المطرب هيثم شاكر صوته رائع وأحبه كثيراً».
وعكس مطربين آخرين، كشف الشاعري أنّه من مُحبي أغاني المهرجانات، موضحاً أنّه يرفض الهجوم عليها لأنّها شكل من الأشكال الغنائية الموجودة بالساحة الغنائية ويجب التعرف عليها ودراسة أسباب نجاحها وانتشارها، «فنحن نعيش في عالم مفتوح، والتكنولوجيا نصنعها بأنفسنا، فكل من يرفض تلك النوعية من الأغنيات عليه أن ينافسها، أو يقدم ما هو أفضل منها، أو لا يسمعها؛ لذلك أنا ضد فكرة الهجوم عليها، ومن يرفض شيئاً عليه أن يقدم بديلاً له».
ورغم الانتقادات التي توجه لموسيقى المهرجانات، التي من بينها أنّها تقدم شكلاً موسيقياً ورتماً واحداً، قال حميد: «عندما تسمع موسيقى (الريجي) ستجد أنّها شكل موسيقى واحد، والموسيقى الكلاسيك شكل واحد، وكل شكل له ما يميزه. وأغنيات المهرجانات لها مستقبل، والناس أحبتها».
وعن إمكانية مشاركته بعض مطربي أغاني المهرجانات في عمل مشترك خلال الفترة المقبلة، يقول: «أحب أغنيات عمر كمال وحسن شاكوش، وبالتحديد أغنية (بنت الجيران)، وليس لدي مانع في العمل مع أحدهما، فهما من الأصوات الجميلة، وأنا أحترمها، ولكن العمل سيكون من خلال رؤيتي الفنية والموسيقية».



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)