إذا كان قهر المرأة من جانب «مجتمع ذكوري» يشكل «ثيمة» متكررة في الأعمال الفنية العربية، فإن العرض المسرحي الشبابي «أحوال شخصية» الذي عرض أخيراً بمسرح «الهناجر» بدار الأوبرا المصرية بالقاهرة، والمقرر عرضه مجدداً خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل لا يكتفي بتلك الثيمة وإنما يضيف إليها بعداً جديداً يتمثل في أن القهر لا يقع على «حواء» من جانب الرجل فقط، وإنما يقع عليها من جانب المرأة أيضاً.
ينتمي العمل إلى «مسرح الحكي» حيث تشكل الحكاية جوهر الصراع الدرامي عبر ثلاث شخصيات نسائية يعانين من مختلف أنواع القهر بمستوياته الجسدية والنفسية والعاطفية فتحولت كل منهن إلى «مانيكان» أو مجسم لعرض الأزياء في محل للملابس النسائية... يبدأ العرض بلحظة إظلام شامل حين يغلق صاحب المحل المكان لنكتشف أن تلك «المانيكانات» ما هي إلا ثلاث نساء ينتظرن الفرصة الآمنة والمثالية ليبدأن رحلة «البوح» ويخرجن ما في جعبتهن من قصص حزينة تعرضن لها.
العرض من إنتاج فرقة «مسرح الشباب» التابعة للبيت الفني للمسرح بوزارة الثقافة المصرية. ويؤكد عادل حسان، مدير الفرقة، لـ«الشرق الأوسط» أنه «تحمس للفكرة منذ أن عرضها عليه المؤلف الشاب ميسرة صلاح الدين، وقرر أن تكون باكورة برنامجهم لهذا الموسم كما أُسند الإخراج لأشرف حسني»، مشيراً إلى أن «العمل يمس بشكل مباشر قضايا المجتمع ويشتبك مع الواقع بقوة، ورغم أن قضيته نسائية بامتياز لكن المؤلف والمخرج رجلان، وهذا ما يؤكد على رسالة الاستنارة التي يحملها العرض إلى المجتمع على صعيد العلاقة بين الجنسين، وانتقالها من القهر والصراع والتنافس إلى التكامل والدعم المتبادلين».
حكايات الممثلات تتركز بشكل أساسي على حرمان المرأة من حقوقها في العمل والاستقلال المادي، ومنعها من التعليم فضلا عن الزواج المبكر. إنها الهموم النسائية التي لا تزال تتصدر أجندة النضال النسائي في الدول النامية، وفق تقارير دولية، لكن ماذا عن قهر المرأة للمرأة... تشير لمياء جعفر، إحدى بطلات العرض، إلى أن دورها في العمل يجسد تلك الجزئية حيث تقدم شخصية فتاة عاقة بوالدتها أعماها الطمع فراحت تنكل بوالدتها وتسبها وتضربها إرضاءً لزوجها رجل الأعمال الثري الذي يشعر بالخجل من الأصول الاجتماعية المتواضعة لأم زوجته، وتنفي لمياء أن يكون ذلك النموذج مبالغا فيه موضحة أنها «رأت بنفسها على أرض الواقع بمدينتها الإسكندرية قصصا مأساوية شبيهة منها رجل عجوز تخلص منه ابنه بإلقائه في الشارع إرضاءً لزوجته».
ولجأ صناع العمل إلى الفواصل الغنائية التي تؤديها المطربة وعازفة العود د. بسمة البنداري، بجانب الكثير من المفارقات الضاحكة للتقليل من الطابع الحزين المغرق في مأساويته للعرض، بحسب مؤلف المسرحية ميسرة صلاح الدين الذي يضيف لـ«الشرق الأوسط»: أن «الإيقاع والحركة والتكوينات الجسدية تشكل مفاتيح مهمة لفهم العرض»، معتبراً العرض خطوة جديدة وقوية في إطار تجربته المسرحية التي قدم من خلالها عدداً من الأعمال حازت إعجاب النقاد مثل «ترام الرمل» و «بار الشيخ علي».
ورغم ما تبدو عليها الممثلة الشابة راماج من رقة وهدوء فإنها تجسد حكاية فتاة صغيرة قاتلة، بدأت تلك الحكاية حين قرر الأب مغادرة بيت الزوجية من دون سابق إنذار مستولياً على جميع المبالغ النقدية والحلي الذهبية بالبيت تاركا زوجته وابنتيه يواجهن مصيراً مجهولا، تضطر الأم إلى تزويج ابنتها الكبرى التي لا تزال في سن الرابعة عشرة، وحين تبلغ ابنتها الصغرى نفس السن تزوجها لعجوز ثري فتضطر العروس إلى قتل العريس ليلة الزفاف.
وتؤكد راماج أن الدور لم يكن سهلاً على الإطلاق ولكنها حاولت أن تفهم مفتاح تلك الشخصية لتعبر عنها بشكل جيد فتوصلت إلى أنها كانت بحاجة إلى أن تعاني من تراكمات القهر منذ نعومة أظافرها وكانت بانتظار اللحظة المناسبة كي تنفجر.
وتضيف ندى عفيفي، البطلة الثالثة للعرض، أنها تعمدت خداع الجمهور من خلال كسر توقعاته حين تظهر على المسرح بملابس تشبه أميرات أفلام ديزني فيتصور الجميع أنها نموذج للفتاة الناعمة التي تعيش في عالم الأحلام لكن الأحداث تكشف عن صورة مغايرة لذلك تماماً، وتجسد ندى شخصية ابنة لأب متفهم يحتويها لكنها تعرضت للقهر والتسلط من جانب أخيها الأكبر المستبد الذي لا يستطيع الأب إيقافه عند حده بل بالعكس يحاول استرضاءه لأنه بمثابة ذراعه اليمني.
«أحوال شخصية»... ترصد هموم المرأة في المجتمع المصري
العرض الشبابي يعتمد على قصص مؤثرة
«أحوال شخصية»... ترصد هموم المرأة في المجتمع المصري
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة