المعارضة الإسبانية تفشل في إبعاد جثمان الجنرال فرانكو من «وادي الشهداء»

3 أفكار حول مستقبل المكان.. تركه على حاله أو تفجيره أو تغيير معناه

وادي الشهداء وهو عبارة عن مقبرة بناها الجنرال فرانكو بين 1940 و1958  في سان لورينثو دي الاسكوريال التابعة لمحافظة مدريد
وادي الشهداء وهو عبارة عن مقبرة بناها الجنرال فرانكو بين 1940 و1958 في سان لورينثو دي الاسكوريال التابعة لمحافظة مدريد
TT

المعارضة الإسبانية تفشل في إبعاد جثمان الجنرال فرانكو من «وادي الشهداء»

وادي الشهداء وهو عبارة عن مقبرة بناها الجنرال فرانكو بين 1940 و1958  في سان لورينثو دي الاسكوريال التابعة لمحافظة مدريد
وادي الشهداء وهو عبارة عن مقبرة بناها الجنرال فرانكو بين 1940 و1958 في سان لورينثو دي الاسكوريال التابعة لمحافظة مدريد

رغم مرور نحو 40 عاما على وفاة الجنرال فرانثيسكو فرانكو (1892 - 1975) فإن الإسبان لا يزالون في نقاش مستمر حوله وحول قبره.
الحزب الاشتراكي أثار سابقا مسألة إبعاد جثمان فرانكو من وادي الشهداء إبان فترة حكم رئيس الوزراء السابق خوسيه لويس رودريغيث ثاباتيرو، ودارت مناقشات طويلة في حينها، وكان من المقرر إصدار أمر بنقل الجثمان، لكن فوز الحزب الشعبي في انتخابات عام 2011 قلب الأمور رأسا على عقب. وعاد الحزب الاشتراكي ليعرض على البرلمان اقتراحا حول نقل جثمان فرانكو من وادي الشهداء إلى مكان آخر، ورغم تأييد الأحزاب الأخرى، باستثناء الحزب الشعبي، فإن الاقتراح لم ينل ثقة البرلمان بسبب الأغلبية المطلقة التي يتمتع بها الحزب الشعبي الحاكم. وقد علق ممثل الحزب الاشتراكي أودون ألورثا بأن «وادي الشهداء مكان غير مناسب ووصمة عار بسبب وجود قبرين فيه، وهما قبرا فرانكو وبريمو دي ريـبـيرا».
وذكر أن هناك 3 أفكار حول مستقبل وادي الشهداء، وهي تركه على حاله، أو تفجيره، أو تغيير معناه، وأضاف: «ناقشنا الموضوع مع الحزب الشعبي، ورغم الجهود الكبيرة التي بذلناها فإنه من المستحيل التوصل إلى حل مُرْضٍ.. فمن غير الممكن أن يحتل جثمان ديكتاتور مكانا متميزا فيه». وتساءل: «هل علينا أن نفجر وادي الشهداء؟ الجواب: لا، فهذا غير ممكن لوجود 33 ألفا من الشهداء هناك». وعلق خوان تاردا عن الحزب الجمهوري الكتلاني بعد فشل الاقتراح: «سنستمر في عرض هذا الطلب، وعلينا الآن أن ننتظر جلسة البرلمان المقبل». ورد الحزب الشعبي: «إن وادي الشهداء هو منطقة سلمية، ومخصص ليكون مكانا لاجتماع جميع الذين سقطوا في الحرب الأهلية الإسبانية».
وعلقت روثيو لوبيث النائبة عن الحزب الشعبي مخاطبة المعارضة: «اتركوا بسلام أرواح المدفونين، وساهموا في التئام الجراح التي ظلت مفتوحة لعقدين من الزمن بين الإسبان، لقد مر وقت كاف كي لا ننظر بحقد إلى أحداث الماضي، وأن نواجه المستقبل بود وتصالح». معلوم أن الحرب الأهلية الإسبانية نشبت بين حكومة الجمهوريين في إسبانيا وقوات الجنرال فرانكو المؤيدة للملكية عام 1936، وانتهت عام 1939 بانتصار الأخير، بعد أن خلفت مئات الآلاف من القتلى، وتربع فرانكو على الحكم حتى وفاته عام 1975. وبرفض البرلمان اقتراح المعارضة فإن جثماني الجنرال فرانكو وبريمو دي ريبيرا سيبقيان في وادي الشهداء. يشار إلى أن وادي الشهداء بناء فخم، وهو عبارة عن مقبرة بناها الجنرال فرانكو بين 1940 و1958 في سان لورينثو دي الاسكوريال التابعة لمحافظة مدريد، والبناء مشيد فوق منطقة جبلية صخرية يبلغ ارتفاعها 1400 متر فوق سطح البحر، وفيها صليب ضخم للغاية من الغرانيت، يبلغ ارتفاعه 150 مترا، وطول ذراعيه 47 مترا، ويمكن للناظر أن يلمحه من على بعد كيلومترات، والمكان مخصص لـ33847 قبرا لشهداء الحرب الأهلية الإسبانية، ومنهم 12 ألفا مجهولو الهوية. وأغلبية الأيدي العاملة التي شيدت البناء هم من الذين ألقي القبض عليهم من أتباع الجمهوريين المعارضين لفرانكو، وفي المكان أيضا قبران متميزان، هما قبر فرانكو، وقبر بريمو دي ريبيرا (1903-1936) زعيم حزب الفلانخا، أشد المعارضين للجمهورية في إسبانيا آنذاك، وقد حكمت عليه حكومة الجمهوريين بالإعدام بعد اتهامه بمحاولته القيام بانقلاب عسكري.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».