القمامة تتراكم في متنزهات نيويورك وتفسد الاستمتاع بالهواء الطلق

إليزابيث سوتو وصديقها داوريس باتيستا في برونكس بارك بعد التقاطهما القمامة استعداداً لحفل «حمّام الطفل»
إليزابيث سوتو وصديقها داوريس باتيستا في برونكس بارك بعد التقاطهما القمامة استعداداً لحفل «حمّام الطفل»
TT

القمامة تتراكم في متنزهات نيويورك وتفسد الاستمتاع بالهواء الطلق

إليزابيث سوتو وصديقها داوريس باتيستا في برونكس بارك بعد التقاطهما القمامة استعداداً لحفل «حمّام الطفل»
إليزابيث سوتو وصديقها داوريس باتيستا في برونكس بارك بعد التقاطهما القمامة استعداداً لحفل «حمّام الطفل»

في ملعب بحي «برونكس» في منطقة «موريسيانا» السكنية ذات الدخل المتدني في نيويورك، ربط أبوين بعد ظهيرة أحد الأيام طفلهما الرضيع بعربة الأطفال خوفا من أن يلتقط أغلفة الهامبرغر أو أعقاب السجائر أو إبر الحقن الملقاة على الأرض.
وقالت إحدى السيدات إنها تخشى من التنزه برفقة كلبها في حديقة من حدائق حي «كراون هايتس» بعدما تعرض لجرح قطعي في فكه بسبب قطعة من الزجاج كان قد التقطها من إحدى الحدائق المجاورة.
وعلى الواجهة البحرية في «لونغ آيلاند سيتي»، كوينز، أجبرت أكوام القمامة العالية التي تتكدس إلى جوار حاويات القمامة مع نهاية كل أسبوع، الفريق المسؤول عن إدارة حدائق النهر على توجيه نداء عاجل للطوارئ للمساعدة في التغلب على المشكلة.
جاء التخفيض الأخير في الميزانية التي تبلغ 84 مليون دولار المخصصة لرعاية المتنزهات المترامية الأطراف في مدينة نيويورك الذي فرضته التحديات الاقتصادية الرهيبة التي تواجهها المدينة بسبب جائحة فيروس «كورونا» ليتزامن مع استضافة تلك المساحات الخضراء في المدينة للتجمعات التي كانت تُعقد في البارات وقاعات الاستقبال وغرف المعيشة ولتكون بمثابة فترة راحة لأولئك الذين يعملون من المنزل أو العاطلين عن العمل.
في الأوقات العادية، سيكون مثل هذا الاستخدام المكثف بصورة غير عادية تحدياً لنظام الحدائق العامة، ولكن في فصل الصيف عندما تتقلص فرق الصيانة، فإن الحشائش العشبية وعدم الالتزام بجمع القمامة يترك العديد من الحدائق قبيحة وقذرة في وقت يقول سكان نيويورك إنهم في أمس الحاجة إلى واحات المدينة الخضراء التي يبلغ عددها 1700. أكثر من أي وقت مضى.
لقد تعاظم تأثير أعقاب السجائر وأكوام الفحم وأغلفة الحلوى على نوعية الحياة، مما فاقم من إحساس المدينة بالتهيج وسط الوباء، حيث يخشى بعض سكان نيويورك من أن تكون الحدائق غير المهجورة نذيرا لشيء أسوأ بكثير من القمامة، هو أن تتجه المدينة نحو الانحدار.
حسب آدم غانسر، المدير التنفيذي لمؤسسة «نيويوركرز فور باركز» غير الربحية، «تحتل المتنزهات 14 في المائة من مساحة مدينة نيويورك بأكملها، لذلك إذا بدت قاحلة فستبدو المدينة قاسية وستواجه الخوف من العودة إلى ما كانت عليه في السبعينات والثمانينات. في تلك الحقبة، وهي فترة الاضطراب الاقتصادي والاجتماعي، كانت حدائق المدينة في حال سيئة وكانت مناطق جريمة. وأضاف قائلا: «يقضي جميع سكان نيويورك وقتهم فيها حاليا، وإذا لم يُعتن بها جيداً، فمعنى ذلك أن المدينة لا تهتم بمواطنيها». وفي ظل حال اللامساواة الاقتصادية المعتادة، يشعر العديد من سكان المجتمعات المحرومة أن حدائقهم هي الأكثر تلوثاً. ففي برونكس بارك، التي تضم حديقة حيوان «برونكس»، حضرت إليزابيث سوتو (19 عاما) فجر السبت، لإعداد حفل «حمام الطفل» في الهواء الطلق لخالتها، لكنها اضطرت للعودة إلى المنزل للحصول على أكياس للقمامة لالتقاط أغلفة أصابع الزبدة وقوالب الفحم ورقائق الألمنيوم الملقاة على الأرض، قبل أن تستطيع الجلوس في المكان.
قالت سوتو، «إن هذا المشهد يبعث على الاكتئاب»، فيما كان السنجاب يلعق بقايا الفاكهة الملقاة في مكان قريب، أضافت «نحن عالقون في المنزل، ثم نخرج لنكتشف أنه علينا القيام بتنظيف إضافي».
في السنوات الماضية، كان التنظيف الإضافي يقوم به حوالي 1700 عامل موسمي كانوا يقطعون العشب ويلتقطون الأعشاب الضارة من جميع حدائق المدينة ويزيلون رسومات الغرافيتي من على الجدران. وبسبب تقليص الميزانية بواقع 84 مليون دولار - حوالي 14 في المائة من إجمالي الميزانية السنوية لإدارة الحدائق والمتنزهات في مدينة نيويورك البالغة 587 مليون دولار - لم يوظف عمال لشغل هذه الوظائف الموسمية العام الجاري. وقالت متحدثة باسم الوزارة إن لديها 45 في المائة موظفين أقل للتعامل مع أعمال متزايدة. في الأسابيع الأخيرة، قال عمدة المدينة بيل دي بلاسيو إن 22000 وظيفة قد تُلغى في المدينة في أكتوبر (تشرين الأول)، بما في ذلك قسم الحدائق.
في غضون ذلك، خُفضت ساعات الصيانة بمقدار 25000 ساعة في الأسبوع، وفقاً للقسم الذي يستخدم تطبيقاً لتتبع الأعمال المنزلية. وأفادت الإدارة بأن أطقم الصيانة اضطرت لتخفيض مواقع الصيانة بواقع 400 موقع في الأسبوع. في متنزه «مكرين بارك»، في ويليامزبرغ، ببروكلين، على سبيل المثال، استلقى الناس على الأعشاب بارتفاع يصل إلى الركبة في نهاية الأسبوع الماضي نتيجة للتأخير في جز الأعشاب على مستوى المدينة بأكملها.
حتى المتنزهات الأكثر ثراءً لم يجر إنقاذها بالكامل، فوفقاً لمتحدثة باسم منظمة «سنترال بارك كونسرفنسي» غير الربحية التي تتولى جمع الأموال لتلك الحديقة، فإن تراجع التبرعات والإيرادات من امتيازات الحدائق المغلقة جعل من الضروري تقليل تنسيق الحدائق وتوجيه ميزانيتها إلى جمع القمامة.
وفي سياق متصل، قال مارك فوشت، نائب مفوض إدارة المتنزهات وكبير مسؤولي التشغيل، إن الجمع بين تخفيضات الميزانية وزيادة الاستخدام ترك الإدارة تكافح في مواكبة تلال القمامة. ولذلك يطلق القسم حملة توعية لحث الناس على أخذ نفاياتهم معهم، وفي سبيل ذلك سيوزع الموظفون أكياس القمامة في مختلف مواقع المدينة.
استطرد فوشت قائلا، «أنا فخور للغاية بموظفينا. لقد جاءوا للعمل في ظل الوباء، وكانوا هنا يعملون كل يوم في محاولة للحفاظ على الأماكن نظيفة ورائعة. قد لا تكون الأمور بالحالة التي نتمناها دوما، لكن ما نستطيع القيام به يظل خدمة مهمة لصحة سكان المدينة».
كان هناك البعض ممن يعملون بأيديهم. على سبيل المثال، كان روبن دياز، رئيس منطقة «برونكس»، يشعر بالاشمئزاز من مشهد القمامة في متنزه «ساوندفيو بارك» القريب منه لدرجة أنه كان يُعبئها بنفسه صباح كل اثنين. وقد تحول ذلك إلى عادة للعديد من السكان الذين استجابوا لدعوة تطوعية للعمل صباح كل اثنين استقطبت ما يصل إلى 40 شخصاً في وقت واحد للعمل معه على مدار الأسابيع العديدة الماضية.وقال دياز إن نحو عشرة مسؤولين آخرين في «برونكس» أطلقوا برامج مماثلة، كما خصصت منظمة «هنترز بوينت باركز كونسرفنسي» التي تشرف على حدائق الواجهة البحرية في «لونغ أيلاند سيتيي»، أيام تنظيف تطوعية، وفي متنزه «بروسبكت بارك»، تُنظف مجموعات الأحياء. واختتم دياز قائلا إن «المدينة محطمة، والدولة تقول إنها مفلسة، لذلك هذا هو الوقت الذي نحتاج فيه جميعاً للعمل سويا يدا بيد».

- خدمة «نيويورك تايمز»



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)