عدم تفاهم نتنياهو ـ غانتس يلغي جلسة الحكومة للمرة الرابعة

تراجع آخر في شعبيته وكتل اليمين لا تستطيع تشكيل حكومة

نتنياهو وغانتس في جلسة للحكومة يونيو الماضي (إ.ب.أ)
نتنياهو وغانتس في جلسة للحكومة يونيو الماضي (إ.ب.أ)
TT

عدم تفاهم نتنياهو ـ غانتس يلغي جلسة الحكومة للمرة الرابعة

نتنياهو وغانتس في جلسة للحكومة يونيو الماضي (إ.ب.أ)
نتنياهو وغانتس في جلسة للحكومة يونيو الماضي (إ.ب.أ)

رغم التفاهمات التي جرت بين حزب الليكود، بزعامة رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، وحزب الجنرالات «كحول لفان» بزعامة رئيس الوزراء البديل ووزير الأمن، بيني غانتس، التي يُفترض أنها مدت في عمر حكومتهما المشتركة 120 يوماً، لا تزال الخلافات بينهما كبيرة لدرجة أنهما لم يتفقا على جدول أعمال جلسة الحكومة، فتقرر إلغاء الجلسة الأسبوعية، يوم الأحد المقبل، للمرة الرابعة على التوالي.
وانتقدت مصادر سياسية وإعلامية هذا الوضع، وقالت صحيفة «هآرتس» في مقال افتتاحي، إن «فشل الحكومة في عقد جلسة، طيلة شهر، يُعدّ ظاهرة غير مسبوقة في إسرائيل، ولا في أي دولة سليمة». ورفضت هذه المصادر ادعاء سكرتارية الحكومة، في بيانها، أمس، عن إلغاء الاجتماع، بأنه «تقرر بسبب لقاءات سياسية ستعقد يوم الأحد»، وقالت إن الإلغاء تم فقط بسبب الأزمة الائتلافية التي لم تنتهِ بعد، وبسببها يتعرض كلا الحزبين لانتقادات شديدة اللهجة.
وحسب صحيفة «معاريف»، فإن الجمهور يواصل التعبير عن غضبه من هذين الحزبين ويظهر انفضاضاً عنهما. ونشرت الصحيفة نتائج آخر استطلاع رأي، نشرته في عددها، أمس الخميس، وفيه يظهر بوضوح استمرار التراجع في شعبية نتنياهو وقوة حزب الليكود، وكذلك شعبية غانتس وقوة حزبه. وقالت إنه بالإضافة للتصرفات الشائنة في الصراع بين الطرفين والسلوكيات، هناك فشل وإخفاقات عديدة في مواجهة أزمة «كورونا» والأزمة الاقتصادية. وأكدت أن تأثير هذا الفشل على الرأي العام الإسرائيلي، أكبر من تأثير اتفاق السلام مع الإمارات، وأكثر من تأثير ملفات الفساد التي يُحاكَم نتنياهو فيها.
وأظهر الاستطلاع، أنه في حال إجراء الانتخابات العامة للكنيست، اليوم، كان حزب الليكود سيحصل على 28 مقعداً فقط، أي أقل بمقعد واحد عن الاستطلاع الذي نشرته الصحيفة قبل أسبوع، وأقل بثمانية مقاعد عن نتائج الانتخابات الأخيرة، التي فاز خلالها بـ36 مقعداً. كما أظهر الاستطلاع أن حزب غانتس، الذي فاز في الانتخابات بـ33 مقعداً، وانقسم إلى ثلاثة أحزاب، سيحصل على 10 مقاعد فقط، مع العلم بأنه الشقّ الذي بقي له من الحزب الأصلي هو 16 نائباً، يمثلونه اليوم في الحكومة وفي الكنيست.
أما في المعسكر المضاد لنتنياهو، فإن كتلة «ييش عتيد - تيلم»، برئاسة يائير لبيد وموشيه يعلون، ستحصل على 20 مقعداً، أي بزيادة 6 مقاعد عما يوجد لها اليوم، بعد الانشقاق عن «كحول لفان». «القائمة المشتركة» للأحزاب العربية تخسر مقعداً عما حققته في الانتخابات، وتهبط، وفقاً لهذا الاستطلاع، إلى 14 مقعداً. ويليها «كحول لفان»، الذي حصل على 10 مقاعد، أي أكثر بمقعد واحد من الاستطلاع السابق. ثم حزب اليهود الروس «يسرائيل بيتينو»، برئاسة أفيغدور ليبرمان، ويحصل على 9 مقاعد، أي أكثر بمقعدين من نتيجة الانتخابات الأخيرة، ويرتفع حزب ميرتس اليساري على 7 مقاعد، أكثر بثلاثة مقاعد مما حصل في الانتخابات الأخيرة.
ووفقاً لهذا الاستطلاع، ستتساوى قوة كتلة اليمين برئاسة نتنياهو والكتلة المناهضة لنتنياهو، 160 مقعداً لكل منهما، وفي هذه الحالة لن يستطيع نتنياهو تشكيل حكومة.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟