«متحف السعادة» الدنماركي يقارع الوباءبـ{المعادلة الذهبية»

متحف السعادة في كوبنهاغن
متحف السعادة في كوبنهاغن
TT

«متحف السعادة» الدنماركي يقارع الوباءبـ{المعادلة الذهبية»

متحف السعادة في كوبنهاغن
متحف السعادة في كوبنهاغن

وجد المسؤولون عن أول متحف للسعادة في العالم أنفسهم أمام موقف حرج، فالافتتاح برمج لعام 2020 ولكن كوفيد - 19 كان قد أخذ بأعنة الأمور وأوقف الأنشطة العامة بل ونشر معدلات كبيرة من القلق والضغط النفسي والاكتئاب في جميع أنحاء العالم. فهل سينجح المتحف في إيصال رسالته المشمولة بالإيجابية وراحة النفس؟
على موقعه الإلكتروني يعرف المتحف عن نفسه «نحن متحف صغير يدور حول القضايا الكبيرة في الحياة، في متحف السعادة يمكنك فهم لماذا تعتبر الدنمارك أسعد دولة على الأرض وكيف يمكنك قياس شعور مثل السعادة. ويعرض الموقع لأقسام المتحف التي تتناول موضوعات مثل: جغرافية السعادة، السعادة والسياسة، ومختبر السعادة حيث يمكن للزائر معرفة المكان الذي تنبع منه أحاسيس السعادة والفرح في الدماغ ولماذا تتغير أحاسيس السعادة مع التقدم في العمر. يعرض المتحف أيضا لتحليل الابتسامة والتفريق بين الصادقة منها والزائفة. كما يتطرق العرض لتغير مفهوم «السعادة» على مر الزمن ثم يختتم بالنظر للمستقبل والذكاء الصناعي.
الافتتاح مضى قدما وإن كان بهدوء في الوسط التاريخي للعاصمة كوبنهاغن وحسب ما يذكر مايك وايكنغ الرئيس التنفيذي لمعهد أبحاث السعادة في كوبنهاغن وهي الجهة المؤسسة للمتحف لـ«محطة سي إن إن»، أن الافتتاح الذي كان مجدولا لبداية العام تأخر ولكن كان القرار أن الحل هو افتتاح المتحف في وقت يحتاج فيه العالم إلى بعض السعادة.
يقوم معهد أبحاث السعادة على إجراء البحوث التي تتناول التباين بين المجتمعات في نسب السعادة وتقديم التوصيات لصناع السياسات بإدراج الصحة العامة ضمن سياساتها. واجتذب المعهد الكثيرين ممن تخيلوا أن الباحثين يمكنهم الإجابة عن أسئلتهم ومساعدتهم، ولمواجهة ذلك كان القرار بإنشاء متحف متخصص يقدم للجمهور وجهات نظر مختلفة وتجارب وروايات من جميع أنحاء العالم كي يعاينوا بأنفسهم وجهات نظر لأشخاص سعداء وأيضا ليصبحوا أكثر وعيا بالأمور التي تشغلهم وأسبابها.
وبالفعل بدأ المتحف في استقبال الزوار مع الحرص على الإجراءات الوقائية ومنها تحديد مسار باتجاه واحد وتحديد عدد الزوار بـ50 زائرا.
ولنعد لما يقدمه المتحف لزواره، فحسب ما وعد القائمون عليه سيتعرف الزائر على مفهوم السعادة في مناطق مختلفة من العالم وكيف تغيرت بمرور الزمن وسيجيب عن التساؤل: لماذا تسجل بعض البلدان معدلات أكبر من غيرها في نسب السعادة؟
وبما أن المتحف ينتمي إلى معهد أبحاث فيطلب من الزوار تعبئة استبيانات لتساعد المعهد في الأبحاث التي يجريها، وسيجرب الزائر أيضا بعض المعروضات التفاعلية.
من عوامل السعادة كما يراها مسؤولو المتحف شعور «الثقة» الذي يحمله الإنسان لغيره سواء من المحيطين به أو على مستوى المؤسسات السياسية. ويجري المتحف تجربة صغيرة لاختبار مفهوم «الثقة» على الزوار عبر وضع محفظة مليئة بالأوراق النقدية بصورة دورية على الأرض في مكان ما بصالات العرض ليجدها الزوار، وحسب العاملين بالمتحف فالحافظة كانت دائما تسلم لقسم الاستقبال بالمتحف بكامل محتوياتها.
وكما دأبت المتاحف في العالم وخصوصا في فترة الوباء، طلب المتحف من أفراد في مختلف أنحاء العالم إرسال قطع خاصة بهم تعبر عن مفهوم السعادة الشخصية لديهم، وهو جانب كبير من العرض الهدف من ورائه مساعدة الزائر على تخيل مفهوم السعادة بمختلف المجتمعات. النظرة لمفهوم السعادة كما تمثله المعروضات تتناول حقيقة بسيطة وهي أن الناس متشابهون في مشاعرهم وأحاسيسهم بغض النظر عن جنسيتهم أو منشئهم.
يتطرق المتحف أيضا لحقيقة أن الاستبيانات التي تقيس مستوى السعادة في العالم تتصدرها عادة دول من الشمال مثل الدنمارك التي حلت في المركز الثاني في تقرير الأمم المتحدة السنوي عن السعادة في العالم تسبقها فنلندا، بينما حلت كوبنهاغن في المرتبة الخامسة بين أسعد المدن في العالم. يرجع وايكنغ ذلك التقدم لمفهوم «الثقة» الذي يراه «عاملا مهما في السعادة».
ويروي مدير المتحف أن أحد الزوار قال له إنه يرى نفسه كإنسان سعيد ولكنه لم يفهم ذلك الشعور إلا بعد زيارة المتحف.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».