قبل اشتعال أميركا ودول العالم الغربي بتظاهرات «حياة السود مهمة» على أثر مقتل جورج فلويد، كان المؤرخ البريطاني من أصل نيجيري ديفيد أولوسوغا، أعد برنامجاً بعنوان «بيت في لحظة من الزمن»، وفيه تابع تاريخ أحد البيوت القديمة في مدينة بريستول، متتبعاً حياة ساكنيه، كاشفاً عن حياتهم وعن المجتمع الذي عاشوا فيه عبر الزمن. بدأ أولوسوغا بصاحب البيت الأول، وكان تاجر عبيد معروفاً، وكانت تلك الفرصة للحديث عن تجار العبيد وتأثيرهم في المجتمع البريطاني. ومنذ تلك اللحظة، أزيل تمثال في بريستول لتاجر عبيد معروف وهو إدوارد كولستون، وحطمت تماثيل أخرى في مدن بريطانية وأميركية بسبب علاقة أصحابها بتجارة العبيد والعنصرية.
وبالنسبة للمتحف البريطاني فهو دائماً ما يثير الجدل في بريطانيا، بسبب القطع المنهوبة من البلاد التي استعمرتها بريطانيا، وتطالب بها دولها مثل حجر رشيد من مصر، وإفريز «إلجين» الرخامي الذي سرق من الأكروبوليس بأثينا، وغيرها من القطع.
لكن المتحف بالأمس قرر أن يواجه أحد الهياكل العظمية المختبئة في الخزانة حسب التعبير الإنجليزي، ويعني السر المخزي، وأعلن عن رفع تمثال مؤسسه سير هانز سلون من مكانه، ووضعه في خزانة عرض، إلى جانب قطع أخرى تتحدث عن الإمبراطورية البريطانية.
ولكن ما هي علاقة هانز سلون، الطبيب المعروف وجامع القطع التاريخية والنباتات النادرة ومؤسس حدائق تشيلسي المعروفة، وهو الشخص الذي حمل اسمه واحد من أهم ميادين لندن وشوارعها التجارية، بتاريخ العبودية في بريطانيا؟
حسب ما ذكرت الصحافة، أمس، فقد أعلن مدير المتحف البريطاني هارتفيغ فيشر، أن تمثال سلون قد وضع في خزانة عرض إلى جانب قطع توضح أعماله وسيرته في إطار تاريخ الإمبراطورية البريطانية. وقال فيشر لصحيفة «ديلي تلغراف»: «أنزلناه من عليائه، يجب ألا نخفي أي شيء، فالشفاء في المعرفة». ويشير القيمون على المتحف إلى أن التظاهرات ضد العنصرية الأخيرة وحركة «حياة السود مهمة» كانت الدافع الأساسي وراء تغيير مكان التمثال.
المعروف عن حياة سير هانز سلون الذي ولد في آيرلندا عام 1660 أنه كان يهوى جمع الآثار والنباتات النادرة.
وحسب ما تذكر صفحة التعريف بالمؤسس على الموقع الإلكتروني للمتحف، فإن هانز سلون قد سافر إلى جامايكا، وقام بجمع النباتات هناك، ولاحقاً تزوج من وارثة إحدى مزارع السكر التي تعتمد على تسخير العبيد من أفريقيا، واستفاد من أموال زوجته في بناء مجموعته الضخمة التي أصبحت الأساس للمتحف البريطاني.
وحسب ما ذكر فيشر، فإن قرار المتحف ينبع من «التحيز للحقيقة فيما يخص التاريخ، والعمل على إعادة كتابة التاريخ المشترك المعقد، وأحياناً المؤلم جداً». وأضاف للصحيفة: «الجدل المثار حول هانز سلون، وعلاقته بالعبودية، هو خطوة مهمة، فقد أنزلناه من المنصة، حيث كانت الأعين تتخطاه ووضعناه تحت الأضواء». وأشار إلى أن القائمين على المتحف البريطاني قاموا بالكثير من الدراسات حول تاريخ سلون، وتاريخ الإمبراطورية والاستعمار، وأيضاً العبودية، «هذه المواضيع يجب أن نفحصها بشكل صحيح. يجب أن نفهم تاريخنا».
هانز سلون خلدته البلديات المتعاقبة على لندن بوضع اسمه على ساحة «سلون سكوير» و«سلون أفينيو» وغيره من المعالم والبنايات، كما وضع له تمثال في حي تشيلسي.
وحسب ما يذكر موقع المتحف البريطاني، فقد ضمت مجموعة القطع الهائلة التي جمعها سلون خلال حياته 32 ألف عملة معدنية، و50 ألف كتاب ومخطوطة تقبع الآن في المكتبة البريطانية. إضافة إلى ذلك ترك سلون 334 مجلداً لنماذج الأعشاب من جميع أنحاء العالم، وهي تقبع الآن في مجموعة متحف التاريخ الطبيعي بلندن (ناتشورال هيستوري ميوزيام).
كان سلون قد ترك وصية منح من خلالها مجموعته بالكامل للوطن في مقابل أن تدفع الدولة مبلغ 20 ألف جنيه إسترليني لورثته، وعلى شرط أن يصدر البرلمان قراراً بتشييد متحف عام مجاني لمقتنياته. وهو ما حدث في السابع من يونيو (حزيران) 1753، إذ صدر قرار من البرلمان بتأسيس المتحف البريطاني.
«حياة السود مهمة» تطيح تمثال مؤسس المتحف البريطاني
هانز سلون متهم بـ «استغلال العبيد لتكوين ثروته»
«حياة السود مهمة» تطيح تمثال مؤسس المتحف البريطاني
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة