المنتديات الإلكترونية السعودية... نهاية مرحلة أسست للمناقشات الفكرية

مؤسس «طوى» لـ «الشرق الأوسط» : عددها فاق 2500 قبل 15 عاماً

صورة متداولة في الإنترنت لأحد مقاهي الإنترنت قبل 15 عاماً
صورة متداولة في الإنترنت لأحد مقاهي الإنترنت قبل 15 عاماً
TT

المنتديات الإلكترونية السعودية... نهاية مرحلة أسست للمناقشات الفكرية

صورة متداولة في الإنترنت لأحد مقاهي الإنترنت قبل 15 عاماً
صورة متداولة في الإنترنت لأحد مقاهي الإنترنت قبل 15 عاماً

كانت المنتديات الإلكترونية في السعودية مع بدايات دخول الإنترنت إلى البلاد أواخر التسعينات، النموذج الأحدث لوسائل التواصل الإعلامية والجماهيرية، حتى أدمنها الكثير، قبل أن تحدث التغيرات والتحولات الاتصالية وتتحول إلى منصات اجتماعية جديدة، ولكن في هذه المنتديات جاءت البداية لالتقاء مختلف الأطياف والتيارات الفكرية في منصة رقمية واحدة، قبل حقبة «فيسبوك» و«تويتر».
يوم الجمعة الماضية، استرجع الإعلان عن إغلاق المنتدى الإلكتروني الشهير «الإقلاع»، بعد 20 عاماً من ولادته، ذكريات وقصصا أحدثت تحولات اجتماعية في المجتمع السعودي، كان خلالها أحد أبرز وأقدم المنتديات في السعودية.
ولفت مسؤول شبكة «الإقلاع»، فهد السديري، أنّه خلال العشرين عاما بلغ أعضاء المنتدى أكثر من مليون عضو، كتبوا أكثر من 1.3 مليون موضوع مختلف، وبها أكثر من 4.8 مليون مشاركة، مؤكداً أن جميعها محفوظة لديهم كأرشيف للاستفادة منها أو استثمارها مستقبلاً.
هذه التحولات بدأت مع بداية ظهور شبكة الويب العالمية (www) التي بدأ معها العديد من التحولات الاتصالية وشكلت ظواهر اجتماعية وإعلامية جديدة، حيث كان التحول في التسعينات من القرن الماضي، بداية ولادة شبكة الويب العالمية وانتشارها بين الجماهير، التي استمرت سنوات قبل ظهور منصات التواصل الاجتماعي الحديثة، لتتحول الجماهير إليها قادمة من المنتديات أو جماهير حديثة الانضمام.
وقبل ظهور منصات التواصل الاجتماعي الحديثة، ظهرت العديد من المنتديات في تلك الفترة، كان من ضمنها: (الساحات، طوى، الشبكة الليبرالية، ندوة إيلاف... وغيرها)، حيث كانت تطرح في هذه المنتديات مواضيع وحوارات فكرية بأسماء حقيقية أو وهمية، التي كشفت في السنوات بعض تلك الأسماء الوهمية التي كان خلفها أشخاص في مختلف المناصب الوظيفية.
عن بداية المنتديات في السعودية، يقول عادل حوشان، مؤسس وشريك منتدى «طوى» الإلكتروني، أحد أشهر المنتديات في تلك الفترة، إنه «مع بدايات شبكة الإنترنت في السعودية في عامي 96 و97، وأمام الضعف والجهل بالمحتوى وجدت بعض المنتديات حضوراً واسعاً بصفتها الساحات الوحيدة التي كانت متاحة»، مشيراً إلى أن منتديات كانت مرتعاً واسعاً لتيارات مختلفة ومنها كان النقاش واسعا في حقل السياسة.
وتابع حوشان في تعليق لـ«الشرق الأوسط» عبر البريد الإلكتروني: «نشطت بعض الأسماء التي استطاعت استغلال المتاح لها ولا أستطيع القول إنّ المسألة كانت منظمة أو إنّها تبعت تنظيماً محدداً، لكن كان من الواضح أن أهدافها كانت تتمحور حول مواضيع كان بعضها محظورا خاصة في قضايا دينية»، موضحاً أن شبكة الإقلاع التي أعلن مالكها إغلاقها هي أشهر الشبكات، لكنها لم تأخذ الطابع السياسي أو الديني وأخذت وجهة أخرى غلب عليها الكتابة الساخرة، لحمايتها من موجة التطرف والبعد عن المحاذير وصعوبة مواجهة ما قد يحدث نتيجة أي حوار سياسي ديني.
وأضاف مؤسس منتدى طوى، أنه في عام 2002 كان منتدى إيلاف الذي أطلقه الناشر عثمان العمير، شكل منعطفاً مهماً في مواجهة الساحات وتطرفها، لكنّه لم يدم طويلاً رغم حمله للشعلة، مضيفاً أنّه حين أعلن العمير إغلاق ندوة إيلاف، تم تأسيس طوى، وكان الهدف فتح مساحة حوار سياسي ديني معرفي بحيادية ومواجهة التطرف لتفتيت أدبياتها، حيث لم يكن يوجد وقتها سوى هاتين الجبهتين، قائلاً إن «طوى» و«إيلاف» لم تعمدا مطلقاً إلى المواجهة بشكل مباشر، بخلاف منظري «القاعدة» وشبكاتهم في الساحات وخارجها الذين تعمدوا القضاء على أي واجهة تنوير قد تكشف عن وجه الإرهاب ومفرداته وملفاته.
يقول حوشان حول الصراع الفكري في المنتديات، إنّه لم يكن صراعاً مباشرا من حيث الموضوع، أو هذا ما حدث من جهة منتديات التنوير والتغيير بحسب رأيه، لكن في الضفة الأخرى كانت تشن حملات مليئة بالعنف تجاه ملاك المنتديات إلى درجة التهديد، مضيفاً أن مساحة التطرف والحزبية الدينية كانت تتدرّع بأسماء دينية لها صوتها العالي داخل المجتمع.
وأشار عادل حوشان إلى الحرب الإلكترونية التخريبية التي واجهوها في تلك الفترة عبر «تهكير الموقع أو تشكيل فرق مهاجمة إلكترونية إضافة إلى محاولة حجب المنتدى عن المستخدم السعودي منذ أشهره الأولى»، مشيراً إلى أنهم وجهوا دعوات لمعظم رموزهم بالتسجيل في طوى وفتح حوار واسع، ولكن رفضوا ذلك، في حين استضافوا رموز التنوير الديني في الوطن العربي ومفكرين وسياسيين، وكان هدفهم التحاور معاً لا الانتصار أو الانهزام.
وأشار حوشان إلى أنّهم أعدوا إحصائية في تلك الفترة، أوضحت وصول عدد المنتديات في السعودية إلى رقم يفوق 2500 منتدى في عام 2004، وتراوح عدد المسجلين من 30 مستخدماً إلى 300 ألف تقريباً.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».