«فنانون على البحر»... سمبوزيوم مصري يتمرد على النحت التقليدي

فنانون يشكّلون أعمالهم في حضور الجمهور

تمثال حديد للفنان علي مصطفى يعزز مفهوم التكامل
تمثال حديد للفنان علي مصطفى يعزز مفهوم التكامل
TT

«فنانون على البحر»... سمبوزيوم مصري يتمرد على النحت التقليدي

تمثال حديد للفنان علي مصطفى يعزز مفهوم التكامل
تمثال حديد للفنان علي مصطفى يعزز مفهوم التكامل

في الهواء الطلق، وأمام الجمهور مباشرة، شمروا عن سواعدهم، وانكب كل منهم على أدواته، ليشكل عملاً فنياً مدهشاً، يتابع المتلقي مراحل ظهوره للنور خطوة بخطوة، في سمبوزيوم «فنانون على البحر» الذي تجري فعالياته بمنطقة «خليج ألماظة» بمنطقة الساحل الشمالي، (شمال مصر) بمشاركة 7 نحاتين شباب. تنظم السمبوزيوم مؤسسة «أرت دو إيجيبت» المتخصصة في تنظيم المعارض الفنية، ويستمر حتى منتصف سبتمبر (أيلول) المقبل، ضمن تجربة مختلفة تستهدف التمرد على الشكل التقليدي للفن والخروج به إلى فضاء إبداعي أكثر رحابة، مع أخذ جميع الإجراءات الاحترازية ضد فيروس كورونا.
الفنان التشكيلي علي مصطفى، يقول إنه تحمس للمشاركة في هذا السمبوزيوم، نظراً لفكرة العمل المبتكرة، التي تقتضي التشكيل أمام الجمهور مباشرة، والتي تختلف جذرياً عن العمل التقليدي من داخل الاستديو أو الورشة، ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «هذه تجربة فريدة لم أمر بها من قبل، وتنطوي على تحديات هائلة، وتخرج طاقة غير متوقعة من الفنان»، مشيراً إلى أن الخامة التي يعمل عليها هي «الحديد الذي شغفني حباً، وأسرني تماماً، بقدرته الفائقة على التعبير والانتشار في الفراغ، خصوصاً في موضوع الالتحام الذي يحدث بين اللاعبين في رياضات معينة مثل لعبة كرة الرجبي، التي مارستها كلاعب». وعن العمل الذي يشارك به في هذا السمبوزيوم، يقول مصطفى: «للوهلة الأولى يبدو العمل بسيطاً من خلال شاب وفتاة يتناقشان في تناغم وهدوء، ولكني أردت التعبير عن فكرة أعمق تتمثل في التكامل والتحاور بين الجنسين، والتعاون بين البشر عموماً بهدف التوصل إلى لغة مشتركة وتجاوز نقاط الخلاف»، موضحاً: «أنه استخدم أسلوباً غير نمطي في تشكيل المنحوتة يعتمد على الشكل الدائري بهدف خلخلة الفراغ، وتغير استقبال المتلقي للعمل، كلما تغيرت الزاوية التي ينظر منها للمنحوتة».
فيما يشدد الفنان مصطفى خضر، على قيمة العمل الجماعي، وروح التعاون بين زملائه من النحاتين كتجربة استثنائية، موضحاً أنه استفاد للغاية من المشاركة في هذا السمبوزيوم على صعيد تبادل الخبرات والحوار الفني مع الزملاء المشاركين. ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «الأعمال المشاركة في هذا الحدث تأثرت بأجواء البحر والليل لأن لهما تأثيراً طاغياً علينا كفنانين، وظهر ذلك جلياً في أكثر من عمل، خصوصاً حين هربنا جميعاً من ضوضاء المدينة، وخلدنا إلى هذا الهدوء».
«نداء القمر» هو الاسم الفني الذي يشارك به خضر بالسمبوزيوم، ويجسد حالة كائن ما يخاطب القمر، ويبثه همومه وأشواقه، موضحاً: «إننا جميعاً في حاجة دائمة إلى من ينصت إلى همومنا من دون أحكام مسبقة».ولأن الفنان هاني السيد، سبقت له المشاركة في العديد من فعاليات فن النحت الدولية مثل سمبوزيوم الصين وتجميل حديقة الصداقة العربية الصينية وبينالي الشباب بإيطاليا، فإنه بدا واثقاً ومتمرساً للغاية وهو يمارس عمله في هذا الحدث.
واختار السيد المشاركة بـ«مركب خوفو» حتى يحقق هدفين معاً، هما الاتكاء على قيم الحضارة الفرعونية التي علمت العالم فن النحت كنقطة انطلاق لأعمال معاصرة، فضلاً عن الاشتغال على تيمة المركب التي تأتي متناغمة مع فكرة الرسم على البحر، حسب ما ذكره لـ«الشرق الأوسط».
بدورها، تقول نادين عبد الغفار مؤسسة «آرت دو إيجيبت»، الجهة المنظمة للسمبوزيوم، لـ«الشرق الأوسط»، «الفكرة جاءت بالتزامن مع موسم الاصطياف، لا سيما وأن مصر تزخر بالمبدعين في الفن التشكيلي، وهؤلاء بحاجة إلى فضاءات متعددة لإبراز طاقاتهم، لا سيما الشباب منهم الذين نعقد معهم نوعاً من الشراكة لتسويق أعمالهم داخلياً وخارجياً، بما لدينا من خبرات وتجارب سابقة عديدة في هذا المجال».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».