أكبر حديقة حيوانات مصرية تُنهي عُزلة سُكانها

تستقبل الجمهور بعد 6 أشهر من «إغلاق كورونا»

أكبر حديقة حيوانات مصرية تُنهي عُزلة سُكانها
TT

أكبر حديقة حيوانات مصرية تُنهي عُزلة سُكانها

أكبر حديقة حيوانات مصرية تُنهي عُزلة سُكانها

أنهت حديقة حيوانات الجيزة، أكبر حديقة حيوانات مصرية عزلة سكانها بعد نحو 6 أشهر من «إغلاق كورونا»، واستقبلت الجمهور لأول مرة أمس، منذ إغلاق أبوابها في منتصف شهر مارس (آذار) الماضي، مع تطبيق إجراءات احترازية من بينها إلزام الزائرين بارتداء الكمامات، والسماح بشغل 30 في المائة فقط من طاقتها الاستيعابية، وفق التوصيات التي أقرتها وزارة الصحة المصرية والاتحاد الأفريقي لحدائق الحيوان، بشأن الإجراءات الواجب اتخاذها حال عودة نشاط حدائق الحيوان، للعمل واستقبال الجماهير مرة أخرى، حسب الدكتور محمد رجائي رئيس الإدارة المركزية لحدائق الحيوان بوزارة الزراعة، والذي أضاف في بيان صحافي أمس أن «الإجراءات الاحترازية تتضمن الكثافات المنخفضة داخل الحديقة والتي تم تقديرها بـ3 آلاف زائر فقط يومياً.
وعاش سكان حديقة حيوان الجيزة العتيقة في عزلة تامة بعد منع الزوار الذين اعتادوا رؤيتهم خلال السنوات الماضية، من الدخول بسبب جائحة «كورونا»، وحرم الفيروس التاجي زوار الحديقة من الاستمتاع بعيد «شم النسيم» في شهر أبريل (نيسان) الماضي بين أروقة الحديقة الكبيرة، الذي يعد من أهم مواسم زيارة الحديقة كل عام، إذ أقبل عليها أكثر من 120 ألف زائر في عيد شم النسيم عام 2019 حسب رجائي. وعرضت وزارة الزراعة المشرفة على حدائق الحيوان في مصر فيلماً قصيراً عن حديقة حيوان الجيزة وأشهر مزاراتها للتخفيف من آثار قرار الإغلاق الاستثنائي.
وتسعى حديقة حيوان الجيزة التي تضم حوالي 5 آلاف حيوان وطائر، إلى جلب 3 زرافات جديدة بطريقة (البدل)، وحمار وحشي، ونمرَين وسباع بحر، وفق رجائي الذي أوضح أن الحديقة عادت إلى الاتحاد الأفريقي كمرجعية من خلال إرسال بعض التعليمات الخاصة بأمان الحيوان وعدد الزائرين في الأماكن المغلقة؛ مثل السماح بدخول 35 فرداً فقط داخل متحف الحيوان، مع تغييرهم كل نصف ساعة.
حديقة حيوانات الجيزة التي يعود تاريخها إلى عهد الخديو إسماعيل؛ كانت أرضا تابعة للقصور الملكية، وأنشأ الخديو إسماعيل بها «سرايا الجيزة» لتكون مقراً لاستقبال ضيوف مصر في افتتاح قناة السويس عام 1869، وبعد ذلك قرر إسماعيل تخصيص الأرض لإقامة أول حديقة حيوانات في مصر، واستكمل الفكرة خلفه الخديو توفيق الذي افتتح الحديقة في عام 1891.
وتحتوي الحديقة التي كانت من أهم حدائق الحيوانات في أفريقيا، وثاني أقدم حديقة حيوانات في العالم بعد حديقة حيوانات لندن المنشأة عام 1828، على أماكن أثرية وأشجار نادرة، تم إحضارها من خارج مصر.
وتضم الحديقة التي يبلغ مساحتها 80 فداناً، مجموعة من الحيوانات والطيور المميزة، على غرار الشمبانزي، وإنسان الغابة، والسباع والنمور والتماسيح، كما تتميز الحديقة بمجموعة من المعالم الأثرية، من بينها الكوبري المعلق، أو الكوبري الهزاز، الذي تم إنشاؤه قبل إنشاء الحديقة على يد المهندس جوستاف إيفل، مصمم برج إيفل بباريس، ليربط بين قصر الخديو وقصر الحرملك المخصص للأميرات.
وشدد رجائي على تنفيذ الإجراءات الاحترازية الخاصة بفيروس «كورونا»، التي من بينها الكشف على درجة حرارة الزوار واستبعاد الذين لا يرتدون الكمامات، مع عدم السماح بالتكدس أمام بيوت الحيوانات، ومنع التلامس والمصفحة، مع توفير أدوات التطهير على منافذ أبواب الدخول، وتجهيز أماكن الانتظار للحفاظ على التباعد الاجتماعي. مشيراً إلى أن عدم توقف العمل داخل الحديقة خلال الأشهر الماضية، بجانب تنفيذ خطة إكثار لزيادة أعداد الحيوانات الثدية والطيور.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)