الناجون من اعتداءي نيوزيلندا يواجهون «سفاح المسجدين»

حكم بالسجن مدى الحياة ينتظر المنفذ بعد إقراره بـ51 اتهاماً بالقتل

لقطة لبعض عائلات الضحايا داخل قاعة المحكمة أمس (أ.ب)
لقطة لبعض عائلات الضحايا داخل قاعة المحكمة أمس (أ.ب)
TT

الناجون من اعتداءي نيوزيلندا يواجهون «سفاح المسجدين»

لقطة لبعض عائلات الضحايا داخل قاعة المحكمة أمس (أ.ب)
لقطة لبعض عائلات الضحايا داخل قاعة المحكمة أمس (أ.ب)

وجّه شهود على الهجوم الدامي الذي استهدف مسجدين في نيوزيلندا العام الماضي رسالة تحدّ لمنفذ العملية لدى وقوفهم أمامه رغم اختلاف ردودهم بين إبداء الغضب وذرف الدموع وتلاوة الصلوات. وبدأت جلسة الاستماع لإصدار الحكم على المهاجم برينتون تارانت بمحكمة في كرايستشيرش، بشهادات من أفراد الجالية المسلمة التي استهدفها اليميني المتطرف الذي يؤمن بنظرية تفوّق العرق الأبيض بهجوم في 15 مارس (آذار) من العام الماضي أودى بحياة 51 مصلياً.
ورغم الرعب الذي عاشوه في المسجدين، بدا الشهود ثابتين لدى مواجهتهم تارانت الذي جلس داخل قفص الاتهام من دون أن يبدي أي انفعالات. وقالت ميسون سلامة، التي قتل نجلها عطا عليان في الهجوم: «يستعصي الاعتداء الذي قمت به على الفهم، لا يمكنني أن أغفر لك». وأضافت: «منحت نفسك سلطة أخذ أرواح 51 شخصاً بريئاً جريمتهم الوحيدة في نظرك هي أنهم مسلمون». وشددت سلامة على أن المهاجم، البالغ 29 عاماً، لم ينجح في تحقيق المهمة التي أوكلها لنفسه وهي تقويض الجالية المسلمة الصغيرة في نيوزيلندا. وقالت: «اعتقدت أن بإمكانك تحطيمنا، لكنك فشلت فشلاً ذريعاً. بتنا أكثر عزماً على التشبّث بالإسلام بينما احتسبنا أحباءنا شهداء».
وكرر خالد النوباني الموقف نفسه، مشيراً إلى تارانت، وقال: «أصبحنا أكثر وحدة بفضلك».
بدوره، أكد إمام مسجد «النور» جمال فودة أنه كان واقفاً على المنبر و«رأى الكراهية في عيون إرهابي تعرّض لغسل دماغ» قبل أن يقول لتارانت إن «لا يوجد داعٍ لكراهيتك هذه». أما جنى عزّت التي قتل ابنها حسين العمري أثناء محاولته مواجهة المهاجم، فقالت: «قررت أن أسامحك سيد تارانت؛ إذ على أحدنا ألا يكره... إذا كان بإمكاننا أن نسامح فعلينا ذلك». وأشار تمل عطا تشوكوغو التركي الأصل إلى أنه يستمد «الأمل من الدعم الذي أظهره المجتمع في نيوزيلندا للمسلمين بعد الهجوم». وقال عطا تشوكوغو، الذي حاول التظاهر بالموت بعدما تعرّض لتسع طلقات نارية في مسجد «النور»: «أتيت إلى نيوزيلندا مع عائلتي لأنه بلد مسالم، ورغم (أحداث 15 مارس)، فإنني أعتقد أنه سيبقى كذلك».
من جهتها، رأت مريم غول، التي قتل والداها وشقيقتها، أن على تارانت «تثقيف نفسه ليدرك أن الإسلام دين سلام». وقالت: «سيدرك ذلك إذا درس الإسلام بشكل منفرد».
كما استمعت المحكمة إلى الأدلة التي تحدثت عن تعرّض أطفال للقتل بدم بارد بينما أجهز تارانت على المصابين الذين كانوا يناشدون المساعدة مخلّفاً ما وصفها البعض بـ«ساحة حرب في المسجدين». وتحدّث بعض الناجين عن معاناتهم من عجز دائم وتبعات نفسية لا تزال على حالها بعد أكثر من عام على الهجوم. وقالت اللاجئة الصومالية عابدة عزيز علي جامع: «أرى المشاهد وأسمع صوت إطلاق النار في رأسي بشكل متواصل». وأضافت: «أرى كثيراً من القتلى. أشعر بالخوف. أتحدث على الدوام خلال الليل. أسمع أصواتاً وأخرج أحياناً للبحث عن مطلق النار. لم أنسَ في حياتي ما رأيته في ذلك اليوم». وقال المدعي العام في بداية جلسات النطق بالحكم في قضية مذبحة المسجدين بنيوزيلندا التي وقعت العام الماضي، إن المتهم الذي قتل 51 شخصاً أعد خطته طويلاً وبدقة لإيقاع أكبر عدد من الضحايا. وذكر المدعي، بارنابي هوز، أن المتهم الشاب، تارانت، أبلغ الشرطة بعد إلقاء القبض عليه بأنه أراد إثارة الخوف بين السكان المسلمين. وأضاف هوز أن تارانت عبر عن أسفه لعدم قتل المزيد، وكشف عن اعتزامه حرق المسجدين بعد إطلاق الرصاص على المصلين. وأوضح هوز: «كان ينوي بث الخوف في قلوب من وصفهم بـ(الغزاة)، ومنهم السكان المسلمون، أو المهاجرون غير الأوروبيين بشكل عام».
وسيصدر قاضي المحكمة العليا الحكم في وقت لاحق من الأسبوع الحالي. وتستوجب الإدانة بالقتل حكماً إلزامياً بالسجن مدى الحياة. ويمكن للقاضي أن يفرض حكماً بالسجن مدى الحياة دون إمكانية الإفراج المشروط، وهو حكم لم يصدر من قبل في نيوزيلندا. وأقر الأسترالي، برينتون تارانت (29 عاماً)، بالذنب في 51 تهمة بالقتل، و40 تهمة بالشروع في القتل، وتهمة ارتكاب عمل إرهابي، فيما يخص المذبحة التي شهدتها مدينة كرايستشيرش وبثها المهاجم مباشرة على «فيسبوك». وبسبب القيود المفروضة في نيوزيلندا حالياً لمواجهة فيروس «كورونا»، جرى تمكين نحو 300 شخص في 15 دولة مختلفة من مشاهدة البث المباشر للجلسة، التي تُرجمت أيضاً إلى 8 لغات مختلفة. وقال القاضي كاميرون ماندر إنه تلقى نحو 200 من شهادات الناجين، فضلاً عن أطروحات من منظمات مسلمة ومجتمعية، وقال: «لقد قرأتها جميعاً».



كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
TT

كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)

نجح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في خلق بيئة مواتية لانتشار أسلحة نووية جديدة في أوروبا وحول العالم، عبر جعل التهديد النووي أمراً عادياً، وإعلانه اعتزام تحويل القنبلة النووية إلى سلاح قابل للاستخدام، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

في عام 2009، حصل الرئيس الأميركي، باراك أوباما، على «جائزة نوبل للسلام»، ويرجع ذلك جزئياً إلى دعوته إلى ظهور «عالم خالٍ من الأسلحة النووية». وفي ذلك الوقت، بدت آمال الرئيس الأميركي الأسبق وهمية، في حين كانت قوى أخرى تستثمر في السباق نحو الذرة.

وهذا من دون شك أحد أخطر آثار الحرب في أوكرانيا على النظام الاستراتيجي الدولي. فعبر التهديد والتلويح المنتظم بالسلاح الذري، ساهم فلاديمير بوتين، إلى حد كبير، في اختفاء المحرمات النووية. وعبر استغلال الخوف من التصعيد النووي، تمكن الكرملين من الحد من الدعم العسكري الذي تقدمه الدول الغربية لأوكرانيا منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، ومن مَنْع مشاركة الدول الغربية بشكل مباشر في الصراع، وتخويف جزء من سكان هذه الدول، الذين تغلّب عليهم «الإرهاق والإغراءات بالتخلي (عن أوكرانيا) باسم الأمن الزائف».

بدأ استخفاف الكرملين بالأسلحة النووية في عام 2014، عندما استخدم التهديد بالنيران الذرية للدفاع عن ضم شبه جزيرة القرم من طرف واحد إلى روسيا. ومنذ ذلك الحين، لُوّح باستخدام السلاح النووي في كل مرة شعرت فيها روسيا بصعوبة في الميدان، أو أرادت دفع الغرب إلى التراجع؛ ففي 27 فبراير 2022 على سبيل المثال، وُضع الجهاز النووي الروسي في حالة تأهب. وفي أبريل (نيسان) من العام نفسه، استخدمت روسيا التهديد النووي لمحاولة منع السويد وفنلندا من الانضمام إلى «حلف شمال الأطلسي (ناتو)». في مارس (آذار) 2023، نشرت روسيا صواريخ نووية تكتيكية في بيلاروسيا. في فبراير 2024، لجأت روسيا إلى التهديد النووي لجعل النشر المحتمل لقوات الـ«ناتو» في أوكرانيا مستحيلاً. وفي الآونة الأخيرة، وفي سياق المفاوضات المحتملة مع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، جلبت روسيا مرة أخرى الخطاب النووي إلى الحرب، من خلال إطلاق صاروخ باليستي متوسط ​​المدى على أوكرانيا. كما أنها وسعت البنود التي يمكن أن تبرر استخدام الأسلحة الذرية، عبر مراجعة روسيا عقيدتها النووية.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع مع قيادة وزارة الدفاع وممثلي صناعة الدفاع في موسكو يوم 22 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

التصعيد اللفظي

تأتي التهديدات النووية التي أطلقتها السلطات الروسية في الأساس ضمن الابتزاز السياسي، وفق «لوفيغارو». ولن تكون لدى فلاديمير بوتين مصلحة في اتخاذ إجراء عبر تنفيذ هجوم نووي تكتيكي، وهو ما يعني نهاية نظامه. فالتصعيد اللفظي من جانب القادة الروس ورجال الدعاية لم تصاحبه قط تحركات مشبوهة للأسلحة النووية على الأرض. ولم يتغير الوضع النووي الروسي، الذي تراقبه الأجهزة الغربية من كثب. وتستمر الصين أيضاً في لعب دور معتدل، حيث تحذّر موسكو بانتظام من أن الطاقة النووية تشكل خطاً أحمر مطلقاً بالنسبة إليها.

إن التهوين من الخطاب الروسي غير المقيد بشكل متنامٍ بشأن استخدام الأسلحة النووية ومن التهديد المتكرر، قد أدى إلى انعكاسات دولية كبيرة؛ فقد غير هذا الخطاب بالفعل البيئة الاستراتيجية الدولية. ومن الممكن أن تحاول قوى أخرى غير روسيا تقليد تصرفات روسيا في أوكرانيا، من أجل تغيير وضع سياسي أو إقليمي راهن محمي نووياً، أو إنهاء صراع في ظل ظروف مواتية لدولة تمتلك السلاح النووي وتهدد باستخدامه، أو إذا أرادت دولة نووية فرض معادلات جديدة.

يقول ضابط فرنسي: «لولا الأسلحة النووية، لكان (حلف شمال الأطلسي) قد طرد روسيا بالفعل من أوكرانيا. لقد فهم الجميع ذلك في جميع أنحاء العالم».

من الجانب الروسي، يعتبر الكرملين أن الحرب في أوكرانيا جاء نتيجة عدم الاكتراث لمخاوف الأمن القومي الروسي إذ لم يتم إعطاء روسيا ضمانات بحياد أوكرانيا ولم يتعهّد الغرب بعدم ضم كييف إلى حلف الناتو.

وترى روسيا كذلك أن حلف الناتو يتعمّد استفزاز روسيا في محيطها المباشر، أكان في أوكرانيا أو في بولندا مثلا حيث افتتحت الولايات المتحدة مؤخرا قاعدة عسكرية جديدة لها هناك. وقد اعتبرت موسكو أن افتتاح القاعدة الأميركية في شمال بولندا سيزيد المستوى العام للخطر النووي.