الصحافي البطل!

الصحافي البطل!
TT

الصحافي البطل!

الصحافي البطل!

في نهاية عام 2008، قام الرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش بزيارة إلى العراق، حيث عقد مؤتمراً صحافياً، في العاصمة بغداد، وهو المؤتمر الذي شهد حادثة ستكون محل أنظار العالم لاحقاً.
بدأ الصحافيون المشاركون في المؤتمر في إلقاء الأسئلة على الرئيس، لكن أحد هؤلاء الصحافيين واسمه منتظر الزيدي قرر أن تكون مساهمته على نحو مغاير؛ إذ ألقى بحذاءيه على بوش موجهاً له شتائم مهينة.
كانت تلك ليلة مثيرة ومشهودة بطبيعة الحال؛ إذ انقلبت الدنيا بسبب هذا التصرف المباغت «الجريء». ولم يمر وقت طويل حتى صار الزيدي بطلاً متوجاً، وأصبحت شهرته طاغية بحيث فاقت شهرة مئات الصحافيين المُجيدين والجادين، وراحت وسائل الإعلام تتناقل قصته المثيرة، ودُبجت في «غزوته الظافرة» مئات المقالات والتحليلات.
تفاعل الجمهور العربي مع «غزوة الزيدي» تفاعلاً هائلاً، واحتلت قصته ساعات البث الرئيسية على معظم الفضائيات حول العالم، وفي الصباح كانت «مانشيتات» الصحف المرموقة تجتهد في سبر أغوار الحادث. وانطلق الصحافيون في رحلة بحث شاقة لتقصي سيرة الزيدي، واستشفاف أي منحى قومي وبطولي قد يرشح منها، لتلبية طلبات الجمهور الذي أسكرته تلك الخطوة الشجاعة، وراح يبحث عن أي أخبار تخص «بطله» الجديد.
أحد الأثرياء العرب عبّر عن تقديره البالغ لخطوة الزيدي بأن عرض مكافأته بمبلغ عشرة ملايين دولار أميركي، ومواطن عربي آخر ليس على هذا القدر من الثراء عرض على بطل «موقعة الحذاء» أن يزوجه ابنته ذات الـ19 ربيعاً إن أراد، «تقديراً لشهامته وبطولته».
على أي حال، فقد مثل الزيدي لاحقاً أمام محكمة عراقية ليحاكم بتهمة «إهانة رئيس دولة والاعتداء عليه»، وصدر الحكم بإدانته في مارس (آذار) 2009، ليُعاقب بالسجن ثلاث سنوات، أمضى قدراً منها محبوساً، قبل أن يتم الإفراج عنه إثر تخفيف الحكم، ليخرج من السجن فلا يجد بانتظاره سوى بعض أقاربه، من دون ملايين الدولارات أو فتيات يعرضن عليه الزواج.
تذكرت تلك الواقعة وتفاصيلها المثيرة قبل أسبوع، حين طاف خبر استقالة مذيع أخبار بـ«تلفزيون لبنان» على المواقع الإلكترونية والفضائيات ومنصات «السوشيال ميديا»؛ وفي تلك الأخيرة بالذات تم تقديم الخطوة التي أقدم عليها هذا المذيع بوصفها «عملاً بطولياً يعبر عن إحساس وطني ومسؤولية وشجاعة وتضحية».
غداة تفجير مرفأ بيروت وما خلفه من تداعيات كارثية على لبنان، ساد الغضب والاحتقان مشاعر لبنانيين وعرب. وتحت وطأة هذا الغضب، عبر عدد من الإعلاميين عن مواقفهم حيال الطبقة الحاكمة في هذا البلد، لكن الإعلامي وسيم عرابي قرر أن يعبر عن موقفه بصورة فريدة؛ فقد أنهى قراءة نشرة الأخبار على التلفزيون الرسمي، كما ظل يفعل طيلة 11 عاماً، بإعلان استقالته على الهواء، وأبلغ المشاهدين بقراره بالهجرة من البلد، مندداً بالطبقة الحاكمة التي حولت بلاده إلى «مقبرة أحلام»، وموجهاً خطابه لها: «سأغادر لأني قرفت منكم».
كنت أحد قليلين سجلوا اعتراضهم على موقف منتظر الزيدي فور حدوثه قبل نحو 11 عاماً. وانطلاقاً من الموقف ذاته، فإنني لا أتفق مع المذيع اللبناني الذي استقال على الهواء في أعقاب إلقائه نشرة الأخبار، وأعتقد أن ما فعله الزميلان لا يخدم القضية الوطنية ولا يخدم الإعلام.
يصعب جداً أن نجد بيننا مَن يلوم الزيدي على موقفه الرافض للاحتلال الأميركي والمناهض لبوش الابن، بل ربما يشاركه أغلبنا الموقف ذاته. كما أن بيننا كثيرين ممن يؤيدون موقف عرابي الرافض لأداء الطبقة السياسية اللبنانية أو قراره بالاستقالة احتجاجاً على أداء مؤسسات بلاده المثير للامتعاض، لكن الإشكال ينشأ حين يخلط هذان الصحافيان بين دورهما المهني واستحقاقاته المتفق عليها، وموقفهما السياسي.
فالصحافة ليست حرباً، وليست سلاحاً في المعارك والصراعات، لكنها الوسيلة التي يفترض أن نعرف من خلالها ما جرى في الحروب والصراعات.
والصحافي ليس جندياً يحارب معركته بالأخبار، وليس زعيماً يقود الجمهور، ولكنه عين الناس... ورقيبهم على السلطات.
ومشاركة الصحافي في مؤتمر، كما إطلالته عبر هواء نشرة الأخبار، تخص اهتمامات الناس ولا يجوز تسخيرها لخدمة موقفه الشخصي.
الصحافة مهنة صعبة جداً، تحفل بالتفاصيل الدقيقة والمعقدة، ويجب أن يعمل بها من يؤمن بدورها وأهميته، ويمتلك القدرة على التجرد والموضوعية، ولا يدعي لنفسه دوراً آخر... «أكبر» أو «أصغر» من ذلك.



تغييرات البحث على «غوغل» تُثير مخاوف ناشرين

شعار شركة «غوغل» (رويترز)
شعار شركة «غوغل» (رويترز)
TT

تغييرات البحث على «غوغل» تُثير مخاوف ناشرين

شعار شركة «غوغل» (رويترز)
شعار شركة «غوغل» (رويترز)

تحدثت شركة «غوغل» عن خطتها لتطوير عملية البحث خلال عام 2025، وأشارت إلى تغييرات مرتقبة وصفتها بـ«الجذرية»؛ بهدف «تحسين نتائج البحث وتسريع عملية الوصول للمعلومات»، غير أن الشركة لم توضح كيفية دعم الناشرين وكذا صُناع المحتوى، ما أثار مخاوف ناشرين من تأثير ذلك التطوير على حقوق مبتكري المحتوى الأصليين.

الرئيس التنفيذي لشركة «غوغل»، سوندار بيتشاي، قال خلال لقاء صحافي عقد على هامش قمة «ديل بوك» DealBook التي نظمتها صحيفة الـ«نيويورك تايمز» خلال ديسمبر (كانون الأول) الحالي: «نحن في المراحل الأولى من تحول عميق»، في إشارة إلى تغيير كبير في آليات البحث على «غوغل».

وحول حدود هذا التغيير، تكلّم بيتشاي عن «اعتزام الشركة اعتماد المزيد من الذكاء الاصطناعي»، وتابع أن «(غوغل) طوّعت الذكاء الاصطناعي منذ عام 2012 للتعرّف على الصور. وعام 2015 قدّمت تقنية (رانك براين) RankBrain لتحسين تصنيف نتائج البحث، غير أن القادم هو دعم محرك البحث بتقنيات توفر خدمات البحث متعدد الوسائط لتحسين جودة البحث، وفهم لغة المستخدمين بدقة».

فيما يخص تأثير التكنولوجيا على المبدعين والناشرين، لم يوضح بيتشاي آلية حماية حقوقهم بوصفهم صُناع المحتوى الأصليين، وأشار فقط إلى أهمية تطوير البحث للناشرين بالقول إن «البحث المتقدم يحقق مزيداً من الوصول إلى الناشرين».

كلام بيتشاي أثار مخاوف بشأن دور «غوغل» في دعم المحتوى الأصيل القائم على معايير مهنية. لذا، تواصلت «الشرق الأوسط» مع «غوغل» عبر البريد الإلكتروني بشأن كيفية تعامل الشركة مع هذه المخاوف. وجاء رد الناطق الرسمي لـ«غوغل» بـ«أننا نعمل دائماً على تحسين تجربة البحث لتكون أكثر ذكاءً وتخصيصاً، وفي الأشهر الماضية كنا قد أطلقنا ميزة جديدة في تجربة البحث تحت مسمى (إيه آي أوفرفيوز) AI Overviews، وتعمل هذه الميزة على فهم استفسارات المستخدمين بشكل أفضل، وتقديم نتائج بحث ملائمة وذات صلة، كما أنها توفر لمحة سريعة للمساعدة في الإجابة عن الاستفسارات، إلى جانب تقديم روابط للمواقع الإلكترونية ذات الصلة».

وحول كيفية تحقيق توازن بين استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين البحث وضمان دعم مبتكري المحتوى الأصليين وحمايتهم، قال الناطق إنه «في كل يوم يستمر بحث (غوغل) بإرسال مليارات الأشخاص إلى مختلف المواقع، ومن خلال ميزة (إيه آي أوفرفيوز) AI Overviews المولدة بالذكاء الاصطناعي، لاحظنا زيادة في عدد الزيارات إلى مواقع الناشرين، حيث إن المُستخدمين قد يجدون معلومة معينة من خلال البحث، لكنهم يريدون المزيد من التفاصيل من المصادر والمواقع».

محمود تعلب، المتخصص في وسائل التواصل الاجتماعي بدولة الإمارات العربية المتحدة، رأى في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن التغييرات المقبلة التي ستجريها «غوغل» ستكون «ذات أثر بالغ على الأخبار، وإذا ظلّت (غوغل) ملتزمة مكافحة المعلومات المضللة وإعطاء الأولوية لثقة المُستخدم، فمن المرجح أن تعطي أهمية أكبر لمصادر الأخبار الموثوقة وعالية الجودة، والذي من شأنه أن يفيد مصادر الأخبار الموثوقة».

أما فادي رمزي، مستشار الإعلام الرقمي المصري والمحاضر في الجامعة الأميركية بالقاهرة، فقال لـ«الشرق الأوسط» خلال حوار معه: «التغيير من قبل (غوغل) خطوة منطقية». وفي حين ثمّن مخاوف الناشرين ذكر أن تبعات التطوير «ربما تقع في صالح الناشرين أيضاً»، موضحاً أن «(غوغل) تعمل على تعزيز عمليات الانتقاء للدفع بالمحتوى الجيد، حتى وإن لم تعلن بوضوح عن آليات هذا النهج، مع الأخذ في الاعتبار أن (غوغل) شركة هادفة للربح في الأساس».