«لا للتحرش»... تجربة تشكيلية مصرية ترسم حكايات الألم والمعاناة

تقدم رسائل للتوعية المجتمعية وتنقل مشاعر الضحايا

«لا للتحرش»... تجربة تشكيلية مصرية ترسم حكايات الألم والمعاناة
TT

«لا للتحرش»... تجربة تشكيلية مصرية ترسم حكايات الألم والمعاناة

«لا للتحرش»... تجربة تشكيلية مصرية ترسم حكايات الألم والمعاناة

حشدَ كثير من المصريين أسلحتهم خلال الأسابيع الأخيرة للتصدي لظاهرة التحرش التي يعاني منها كثير من المصريات، وشغلت حوادثها الرأي العام المصري أخيراً؛ حيث تنوعت هذه الأسلحة بين الكلمات المكتوبة، أو المبادرات المجتمعية، وكذلك الألحان والموسيقى، في محاولة لتسليط الضوء على كيفية مقاومة التحرش الجنسي والجسدي ضد المرأة.
وفي شكل آخر لمحاربة هذه الظاهرة؛ يأتي المعرض التشكيلي الافتراضي «لا للتحرش»، كمبادرة من غاليري «لمسات» بالقاهرة، للتعبير فنياً عن ظاهرة التحرش، وكيف يمكن أن يكون للأعمال البصرية دور في مواجهتها، وبما يؤكد أن للفن التشكيلي دوراً مهماً للتصدي للمشكلات الاجتماعية.
تقول منظمة المعرض ومديرة غاليري «لمسات»، الدكتورة نيرمين شمس، لـ«الشرق الأوسط»: «الفن التشكيلي له دور يحاكي دور وسائل الإعلام؛ بل له دور أكبر؛ لأنه يخاطب كل فئات المجتمع وليس فقط الفئة المتعلمة؛ حيث تصل الأعمال الفنية للجميع، ومن خلالها يمكن أن نناقش ونحلل ونقدم حلولاً للمشكلات الاجتماعية، وكذلك الاقتصادية والسياسية. وكثير من المعارض التي ننظمها نحاول من خلالها تقديم رؤية للقضايا المجتمعية في مصر والعالم العربي»؛ لافتة إلى أن نسبة من مبيعات المعرض مخصصة لصالح المجلس القومي للمرأة، بهدف التصدي لظاهرة التحرش.
وتشير شمس إلى أن الفنانين المشاركين عبروا بشكل مباشر بلوحاتهم عن أنواع التحرش ومفاهيمه، والبعض حاول التعبير عن مشاعر ضحايا التحرش من الفتيات، مثل التغلب على حالة «الصمت» التي تصاحبهن، أو إحساسهن بـ«الغضب» ضد الجاني، أو احتياجهن لملاذ آمن.
من بين هذه التعبيرات ما تقدمه الفنانة شهد مدحت، عبر مجموعة صور فوتوغرافية، هي لمشاهد من مقطع فيديو أعدته، وتظهر فيه كبطلة، لبيان تأثير تلك الآفة المجتمعية، في محاولة منها لإيصال صرخات الضحايا، ورسالة للتوعية بأثر التحرش كانحراف سلوكي.
وبمجموعة من البورتريهات تتنوع بين الأبيض والأسود والألوان، تحاول الفنانة بسمة ربيع إيصال رسائل أخرى، فهي تعبر عن القيود التي تحاصر المرأة، وتعبر عنها بنظرة ترقب من عين إحداهن، أو بملامح الخوف والقوة أحياناً أخرى، كما تعبر عن رغبة النساء في العيش بسلام والبعد عن ملوثات الحياة بما فيها التحرش، وما يمثله من تعدٍّ على حقوقها وتأخر لمسيرتها. كما لم تغفل لوحاتها الرمز، فهي ترمز للخير والأمل بأوراق الشجر، وترمز للسلام النفسي بوجود الطائر الفرعوني.
في المسار نفسه، تأتي بورتريهات أخرى للفنانة مريم شريف، ترتكز على إبراز لغة العين، تقول: «بلغة العين حاولت التعبير عما يكتنف المرأة من مشاعر وأحاسيس أنثوية؛ لأن العين مرآة صادقة للمشاعر الإنسانية، فهي أحيانا كائن ناعم ورقيق، وأحياناً تخاف من المجهول، وقد نرى اضطراباتها مثل موج البحر، وعلى النقيض قد نراها قوية وبداخل عينيها ثورة ورغبة قوية في الانتقام».
تحاول أعمال أخرى أن تواجه أفكاراً سائدة بالمجتمع، منها على سبيل المثال فكرة تحميل ضحايا التحرش مسؤولية ما حدث لهن، وهي الفكرة التي تتطرق إليها الفنانة علا هاني، عبر عملين شاركا في المعرض. عن مضمونهما تقول: «تريد الضحية المنكسرة أن تصرخ من فرط ألمها، وفي الوقت نفسه تختار السكوت قهراً؛ لأن المجتمع يعتبرها المتهمة الأولى، فإنا أتابع كثيراً من حكايات التحرش، وألمس معاناة فتيات كثيرات بسببه؛ خصوصاً مع الجهل في معالجة الأمر وتحميلهن المسؤولية، وهو فكر يجب أن يتغير، وهو دورنا كفنانين تشكيليين أن نقدم ما بمقدورنا لإعادة تقويم وتعديل سلوكيات خاطئة داخل مجتمعنا».
بشكل عكسي تأتي أعمال للفنانة نجلاء السناري؛ حيث تنقل في 5 لوحات صوراً للمرأة في أحلى صورها، إلى جانب بعض الأشعار كرسالة إلى المتحرشين بأنه يوجد على النقيض منهم رجال فرسان يدافعون عن المرأة.
بدوره، حاول الفنان مجدي خالد التعبير عن ضحايا العنف الجنسي والبدني والنفسي، بعدد من الوجوه الحاملة لصور هذا الألم، بينما يأتي أشخاص في صورة وحوش كرمز للمتحرشين، لافتاً إلى أن عمله بالمعرض محاولة للتعاطف مع هذه القضية؛ لأن ضحايا الاعتداء في احتياج شديد لمن يوفر لهم طريق النجاة.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».