المهرجان الدولي «مغرب الحكايات» يواصل فعالياته في دورة افتراضية

ملصق الدورة الـ17 للمهرجان الدولي «مغرب الحكايات»
ملصق الدورة الـ17 للمهرجان الدولي «مغرب الحكايات»
TT

المهرجان الدولي «مغرب الحكايات» يواصل فعالياته في دورة افتراضية

ملصق الدورة الـ17 للمهرجان الدولي «مغرب الحكايات»
ملصق الدورة الـ17 للمهرجان الدولي «مغرب الحكايات»

تحت شعار «الكلمة للعالم في مواجهة جائحة كورونا»، تتواصل على المنصات الافتراضية، إلى نهاية الشهر الجاري، فعاليات الدورة الـ17 للمهرجان الدولي «مغرب الحكايات»، الذي تنظمه «جمعية لقاءات للتربية والثقافات»، بشراكة مع وزارة الثقافة والشباب والرياضة وولاية جهة الرباط - سلا - القنيطرة.
وتستضيف دورة هذه السنة حكواتيين ورواة من المغرب والخارج، كتعبير من المهرجان، حسب منظميه، في جعل «الحكايات لساناً يساهم في مواجهة الأزمات والجوائح بكل أشكالها»، مع العمل على توثيقها.
وتقول نجيمة غزالي طاي طاي، مديرة المهرجان، إن التظاهرة تدخل في إطار جعل الثقافة رافعة للتنمية ولها دور حتى في فترة الحجر الصحي، من خلال المساهمة في التخفيف من وقع الأمراض والكوارث.
وشددت غزالي، في تقديمها لدورة هذه السنة من «مغرب الحكايات»، على أن الحكاية تبقى مرآة للمجتمع وحاملة قيم ومبادئ، من جهة أن لها رسائل إنسانية ثابتة، تنادي بالتسامح والمحبة والأخوة والتواصل، فيما تنبذ العنصرية والبغض والكراهية.
ويقترح برنامج الدورة حصصاً من الحكايات الدولية، يتم بثها على شبكات التواصل الاجتماعي بكل اللغات، بالإضافة إلى ندوة حول موضوع «الجوائح والأوبئة في المتخيل الإنساني العالمي»، بمشاركة أساتذة وباحثين متخصصين في التراث اللا مادي من داخل وخارج المغرب، وذلك من خلال آليات وتقنيات التواصل عن بعد، بالإضافة إلى ورشات تدريبية وتطبيقية لفائدة الرواة والمدرسين، فضلاً عن مقهى افتراضي للحكاية يتبادل فيه الرواة حكاياتهم بمختلف اللغات ومن ثقافات متعددة.
ومن خلال سوق الحكايات الافتراضي حول موضوع «حكاية حرفة»، تروى على لسان حرفيين ورثوا الحرفة والصناعة اليدوية من آبائهم أو من شيوخهم، وذلك حتى يستفيد جمهور المنصات الافتراضية من قصص وحكايات من مختلف الثقافات.
وتراهن اللجنة المنظمة، خلال دورة هذه السنة، على إشراك عدد كبير من الرواة الحكواتيين والفرق التراثية عالمياً وافتراضياً. واختارت، في هذا الصدد، أن تضفي لقب «سفير الحكاية» على شيوخ الكلام، سواء من داخل أو خارج المغرب، وذلك «تكريماً لمهنة الراوي وتقديراً له على صبره رغم الصعوبات، وتحفيزاً له من أجل الاستمرار في رسالته»، بشكل ينقل لرغبة وإصرار من المهرجان ومؤسسيه للوقوف على هذا التراث الشعبي اللامادي الذي «يندثر يوماً بعد يوم برحيل رواد من الحكواتيين الشعبيين دون الاعتراف والاعتناء بهم».
وعلى غرار الدورات السابقة، تشهد دورة هذه السنة تنظيم أربع مسابقات تروم «إعلاء شأن الحكاية وممارسي هذا النوع الأدبي الشفهي المهدد بالانقراض»، كما تعرف مستجدين: توسيع تغطية جائزة أفضل راوٍ ليصبح «أوسكار أفضل راوي دولي»، وإطلاق الجائزة الدولية لأحسن حكاية مكتوبة حول جائحة «كورونا».
وتتوج الدورة فعالياتها، في 31 أغسطس (آب) الحالي، بحفل ختامي عبر المنصات الاجتماعية، يتم خلاله تتويج الفائزين في مسابقات «أوسكار أفضل راوٍ دولي» و«أفضل حكاية مكتوبة عن جائحة كورونا» و«دبليج الذهب الوطنية لأفضل جدة حكواتية» و«أفضل راوٍ طفل».



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)