السلاح المتفلت يحصد المزيد من الضحايا في لبنان

آخرهم ثلاثة أشخاص في الشمال ولاعب كرة قدم في بيروت

قوات الأمن في بيروت (أ.ف.ب)
قوات الأمن في بيروت (أ.ف.ب)
TT

السلاح المتفلت يحصد المزيد من الضحايا في لبنان

قوات الأمن في بيروت (أ.ف.ب)
قوات الأمن في بيروت (أ.ف.ب)

عاد السلاح المتفلت ليحصد المزيد من الضحايا في لبنان وكان آخرهم يوم أمس ثلاثة شبان في الكورة في شمال لبنان ويوم أول من أمس لاعب كرة القدم محمد عطوي، إضافة إلى أنه بات لا يمر يوم في لبنان من دون أن يعلن عن حادثة نتيجة السلاح المنتشر بشكل واسع في أيدي اللبنانيين.
وذكرت «الوكالة الوطنية للإعلام» ليل أمس أن ثلاثة أشخاص قتلوا بإطلاق نار من داخل سيارة مجهولة في بلدة كفتون، في الكورة. وأوضحت «أن شرطي البلدية عمد إلى إيقاف السيارة أثناء مرورها في البلدة، إلا أن من في داخلها أطلقوا النار من سلاح كان في حوزتهم وأردوا 3 أشخاص من أبناء البلدة، أحدهم ابن رئيس البلدية، وجميعهم من الحزب القومي السوري الاجتماعي.
وحضرت الأجهزة الأمنية إلى المكان لمعرفة ملابسات الحادثة وتعقب الفاعلين، الذين تركوا سيارتهم وفروا إلى جهة مجهولة. وأمس تفقدت قاضي التحقيق الأول في الشمال سمرندا نصار مكان حدوث الجريمة واطلعت على التحقيقات الأولية من قبل الأجهزة المختصة واستمعت إلى إفادات الشهود.
وأفادت قناة «إم تي في» «أن منفذي جريمة كفتون استخدموا سيارة من نوع هوندا مسروقة من صيدا وتعود لمواطن فلسطيني»، و«أن القوى الأمنية لم تصل بعد إلى صاحبها وخطوطه الهاتفية مغلقة منذ ليل أمس». ولفتت إلى «أن القاضية سمرندا نصار أمرت بسحب كافة كاميرات التسجيل في محيط جريمة كفتون والعمل جارٍ على الفرضيات كافة»، وأضافت المعلومات «أن منفذي الجريمة تركوا خلفهم في سيارة الهوندا رشاشات ومسدسات وكاتماً للصوت وقنبلة يدوية». ولفتت إلى أنه «حول سيارة الهوندا الكثير من علامات الاستفهام وقد انتقلت ملكيتها خلال عام واحد لأكثر من 10 أشخاص وهذا ما يثير الريبة».
كذلك قال رئيس البلدية نخلة فارس في حديث إذاعي أنه «تم العثور في سيارة المسلحين على أسلحة، وقنابل وأسلاك كهربائية».
من جهته، نعى الحزب القومي السوري الشباب الثلاثة، وهم فادي سركيس وعلاء فارس وجورج سركيس، موضحا أنه «وفق التفاصيل المتوافرة أن الشبان كانوا يقومون بتأدية واجبهم المكلفين به من قبل البلدية بصفتهم شرطة بلدية ومتطوعين للخدمة منذ زمن طويل لمراقبة الطرق، وضبط السرقات التي تتعرض لها البلدة والمنطقة كما ضبط الوضع الصحي المستجد في زمن وباء كورونا. وعند دخول البلدة سيارة مشبوهة ومنزوعة اللوحة فيها ثلاثة أشخاص مجهولو الهوية، استوقفوهم للاستفهام عن وجهتهم وسبب تواجدهم على طرق البلدة في هذا الوقت فيما كل المحال مقفلة والناس تلتزم بيوتها، فما كان منهم إلا أن فتحوا النار عليهم». ووضع الحزب ما جرى في عهدة القضاء والقوى الأمنية لكشف الملابسات الغامضة والوصول إلى المجرمين وإنزال أشد أنواع العقوبات بهم.
وبعد نشر بعض المواقع الإلكترونية معلومات عن علاقة «حزب القوات» بالجريمة أصدر الأخير بيانا نفى فيه نفيا قطعا ما وصفها بالأكاذيب والافتراءات التي تهدف إلى حرف التحقيق عن الجهة الفعلية التي نفذت الجريمة وعن خلفياتها التآمرية ومخططاتها بنشر الفوضى. وأتت جريمة كفتون بعد ساعات قليلة على الإعلان عن إصابة لاعب كرة القدم محمد عطوي برصاصة طائشة في رأسه في منطقة الكولا، عند مدخل طريق الجديدة ونقل عن الأطباء قولهم إنه في وضع حرج وهو في خطر لمدة 48 ساعة.
ورغم زيادة ظاهرة السلاح المتفلت بشكل لافت في الفترة الأخيرة، يرى مصدر أمني أن هذا الارتفاع في الحوادث منطقي وهو يبقى عاديا في ظل الظروف التي يعاني منها لبنان واللبنانيون من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، مشيرا إلى أنه لا وجود لأرقام محددة عن الحوادث التي حصلت في الأيام الأخيرة. ويلفت في الوقت عينه إلى أن التحقيقات لا تزال مستمرة في حادثي كفتون وإصابة عطوي. مع العلم أنه وبحسب أرقام قوى الأمن الداخلي كانت قد ارتفعت جرائم القتل في الأشهر الخمسة الأولى من العام 2020 الحالي بنسبة 82.2 في المائة مقارنة بالفترة عينها من العام 2019. فيما ارتفعت حوادث سرقة السيارات بنسبة 58.6 في المائة وعمليات السلب بنسبة 150 في المائة.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.