مفاوضات الكاظمي وترمب تربك حسابات الخصوم

خلاف عراقي حول الحوار الاستراتيجي يقابله إجماع أميركي

TT

مفاوضات الكاظمي وترمب تربك حسابات الخصوم

مدد رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي زيارته إلى الولايات المتحدة الأميركية يوما واحدا على الجدول المقرر لها. السبب بدا مفاجئا للكثيرين، سواء كانوا خصوما أو شركاء لكل من الكاظمي أو الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
خصوم الطرفين حاولوا تصنيف الزيارة بأنها محاولة لبعث الروح في حملة ترمب الانتخابية، أو مسعى من الكاظمي لضبط إيقاع وضعه السياسي وهو يسير على رمال متحركة نحو انتخابات مبكرة في السادس من يونيو (حزيران) 2021. السبب الذي جعل الكاظمي يمدد الزيارة هو لإجراء المزيد من المباحثات لكن هذه المرة مع الكونغرس الأميركي بجناحيه الخصمين الديمقراطيين والجمهوريين. فدعوة التمديد جاءت من نانسي بيلوسي أحد أبرز خصوم ترمب. والمفاجأة الأهم أن ما قالته بيلوسي للكاظمي لا يختلف كثيرا عما قاله خصمها ترمب له. وبالنسبة للمراقبين والمتابعين لهذا المشهد المعقد فإن لقاء الكاظمي مع ترمب الجمهوري الراغب بالبقاء في البيت الأبيض أربع سنوات أخرى، وبيلوسي التي تعمل بإصرار على خدمة مرشح حزبها جو بايدن صب في مصلحة الكاظمي قبل أن يصب في مصلحة الجمهوريين أو الديمقراطيين. وبدا واضحا أن كلا من الخصمين (الجمهوريين والديمقراطيين) ليسا مطمئنين لنتائج الاستطلاعات وهو ما يعني حاجتهما للكاظمي الباحث عن سلسلة حاجات منهم تبدأ بالاقتصاد شبه المنهار والصحة العليلة والسلاح المنفلت الذي تركه وراءه يمطر الخضراء والمطار والتاجي بصواريخ الكاتيوشا. ومع أن الصواريخ توقفت خلال وجود الكاظمي في واشنطن فإن البيان الصادر عن الفصائل المسلحة بدا رسالة عدم رضا واضحة من نتائج المباحثات بين الكاظمي والإدارة الأميركية لجهة الانسحاب الأميركي من العراق لا سيما أن الجدولة التي اتفق عليها والبالغة 3 سنوات تبدو بعيدة جدا بالنسبة للرافضين لبقاء الأميركيين في العراق. لكن ما بات يشفع للكاظمي حال عودته إلى بغداد ومن ثم توجهه بعد أيام إلى الأردن للمشاركة في قمة مع الملك عبد الله الثاني والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أنه التقى في أميركا بالجمهوريين والديمقراطيين وهو ما يعني أنه لم يذهب لكي ينفخ الروح في حملة ترمب ضد خصومه، كما أن قمة عمان سوف تؤسس لمرحلة أخرى من التعاطي مع المحيط العربي وهو أمر يثير الجدل داخل العراق بين راغب بذلك ومعترض عليه.
أميركيا أيضا يهم الكاظمي الإطار المستقبلي للعلاقة بين البلدين عبر الحوار الاستراتيجي الذي بدأت جولته الثانية خلال زيارته الحالية. عن هذا الحوار يقول الكاظمي في تصريح له خلال لقائه بيلوسي إن الحوار الاستراتيجي الذي جرى بين بغداد وواشنطن سيؤسس لـ«مرحلة جديدة» من العلاقات الثنائية، وأضاف أن «المباحثات واللقاءات التي قام بها مع مسؤولين أميركيين كانت بناءة لأبعد الحدود». من جهتها قالت بيلوسي إن «العراق بلد مهم في منطقة صعبة» مؤكدة أن «هناك إجماعا على دعمه».
وفقا لذلك، فإن الحوار الاستراتيجي بين البلدين وإن كان مختلفا عليه داخل العراق بشدة فإن هناك إجماعا على أهميته داخل الولايات المتحدة. وفي هذا السياق يقول فرهاد علاء الدين، رئيس المجلس الاستشاري العراقي، لـ«الشرق الأوسط» إن «الحوار الاستراتيجي بين بغداد وواشنطن يبقى هو المحور الأهم في هذه الزيارة برغم أهمية الجوانب الأخرى مثل النفط والاقتصاد ووباء كورونا». ويضيف علاء الدين أن «الولايات المتحدة الأميركية شددت كثيرا على الحوار الاستراتيجي لجهة كون الحكومة بحاجة إلى دعم الولايات المتحدة لمواجهة تحدياتها المالية والاقتصادية المستمرة فضلا عن المساعدة في محاربة تنظيم داعش»، لافتا إلى أن «هذا الدعم لن يأتي بدون شروط لا سيما بعد قرار البرلمان العراقي إخراج القوات الأميركية من العراق». وبشأن الرؤية التي تحكم سياق العلاقة بين الجانبين، يقول علاء الدين إنه «برغم المصلحة المشتركة التي يتضح وجود فجوة بين المطالب والتوقعات الأميركية والعراقية برغم أن الجهتين تحافظان على التفاؤل الحذر بشأن إمكانية التوصل إلى صفقة يتفق عليها الطرفان». ويمضي علاء الدين قائلا إنه «برغم أن الأميركيين يركزون باستمرار على شراكة ثنائية دائمة ومستدامة سياسيا مع العراق إلا أن الشيطان يكمن في تفاصيل هذه الرؤية حيث تتجاوز المطالب الأميركية هذه النقاط العامة وتشمل شروطا محددة قد تجد الحكومة العراقية أن من الصعب الوفاء بها».
في العراق فإن هناك حتى بين الداعمين للبقاء الأميركي، وهم العرب السنة، رؤية على صعيد كيفية ترجمة اللقاءات التي أجراها الكاظمي مع ترمب لصالح المناطق الغربية ذات الغالبية السنية التي عانت على مدى السنوات الماضية محنة «داعش» ولا تزال تعيش محنة النزوح والهجرة والمدن المدمرة. وفي هذا السياق، يقول نائب رئيس تحالف القوى العراقية في البرلمان العراقي محمد الكربولي لـ«الشرق الأوسط» إن «الأهم بالنسبة إلى مناطقنا هو أن نجد انعكاسا حقيقيا على الواقع الإنساني والخدمي وعودة النازحين وإعادة الإعمار». وأضاف الكربولي أن «هناك استحقاقات مهمة أيضا لا بد من تلبيتها من بينها الكشف عن مصير آلاف المغيبين من أبناء مناطقنا وحل الميليشيات لكي نقول إن هناك اهتماما عمليا بواقع مناطقنا».



تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

سلطت أحدث التقارير الحقوقية في اليمن الضوءَ على آلاف الانتهاكات التي ارتكبتها الجماعة الحوثية ضد المدنيين في 3 محافظات، هي العاصمة المختطفة صنعاء، والجوف، والحديدة، بما شملته تلك الانتهاكات من أعمال القمع والقتل والخطف والتجنيد والإخضاع القسري للتعبئة.

وفي هذا السياق، رصد مكتب حقوق الإنسان في صنعاء (حكومي) ارتكاب جماعة الحوثيين نحو 2500 انتهاك ضد المدنيين في صنعاء، خلال عامين.

بقايا منازل فجرها الحوثيون في اليمن انتقاماً من ملاكها (إكس)

وتنوّعت الانتهاكات التي طالت المدنيين في صنعاء بين القتل والاعتداء الجسدي والاختطافات والإخفاء القسري والتعذيب ونهب الممتلكات العامة والخاصة وتجنيد الأطفال والانتهاكات ضد المرأة والتهجير القسري وممارسات التطييف والتعسف الوظيفي والاعتداء على المؤسسات القضائية وانتهاك الحريات العامة والخاصة ونهب الرواتب والتضييق على الناس في سُبل العيش.

وناشد التقرير كل الهيئات والمنظمات الفاعلة المعنية بحقوق الإنسان باتخاذ مواقف حازمة، والضغط على الجماعة الحوثية لإيقاف انتهاكاتها ضد اليمنيين في صنعاء وكل المناطق تحت سيطرتها، والإفراج الفوري عن المخفيين قسراً.

11500 انتهاك

على صعيد الانتهاكات الحوثية المتكررة ضد السكان في محافظة الجوف اليمنية، وثق مكتب حقوق الإنسان في المحافظة (حكومي) ارتكاب الجماعة 11500 حالة انتهاك سُجلت خلال عام ضد سكان المحافظة، شمل بعضها 16 حالة قتل، و12 إصابة.

ورصد التقرير 7 حالات نهب حوثي لممتلكات خاصة وتجارية، و17 حالة اعتقال، و20 حالة اعتداء على أراضٍ ومنازل، و80 حالة تجنيد للقاصرين، أعمار بعضهم أقل من 15 عاماً.

عناصر حوثيون يستقلون سيارة عسكرية في صنعاء (أ.ف.ب)

وتطرق المكتب الحقوقي إلى وجود انتهاكات حوثية أخرى، تشمل حرمان الطلبة من التعليم، وتعطيل المراكز الصحية وحرمان الموظفين من حقوقهم وسرقة المساعدات الإغاثية والتلاعب بالاحتياجات الأساسية للمواطنين، وحالات تهجير ونزوح قسري، إلى جانب ارتكاب الجماعة اعتداءات متكررة ضد المناوئين لها، وأبناء القبائل بمناطق عدة في الجوف.

ودعا التقرير جميع الهيئات والمنظمات المحلية والدولية المعنية بحقوق الإنسان إلى إدانة هذه الممارسات بحق المدنيين.

وطالب المكتب الحقوقي في تقريره بضرورة تحمُّل تلك الجهات مسؤولياتها في مناصرة مثل هذه القضايا لدى المحافل الدولية، مثل مجلس حقوق الإنسان العالمي، وهيئات حقوق الإنسان المختلفة، وحشد الجهود الكفيلة باتخاذ موقف حاسم تجاه جماعة الحوثي التي تواصل انتهاكاتها بمختلف المناطق الخاضعة لسيطرتها.

انتهاكات في الحديدة

ولم يكن المدنيون في مديرية الدريهمي بمحافظة الحديدة الساحلية بمنأى عن الاستهداف الحوثي، فقد كشف مكتب حقوق الإنسان التابع للحكومة الشرعية عن تكثيف الجماعة ارتكاب مئات الانتهاكات ضد المدنيين، شمل بعضها التجنيد القسري وزراعة الألغام، والتعبئة الطائفية، والخطف، والتعذيب.

ووثق المكتب الحقوقي 609 حالات تجنيد لمراهقين دون سن 18 عاماً في الدريهمي خلال عام، مضافاً إليها عملية تجنيد آخرين من مختلف الأعمار، قبل أن تقوم الجماعة بإخضاعهم على دفعات لدورات عسكرية وتعبئة طائفية، بغية زرع أفكار تخدم أجنداتها، مستغلة بذلك ظروفهم المادية والمعيشية المتدهورة.

الجماعة الحوثية تتعمد إرهاب السكان لإخضاعهم بالقوة (إ.ب.أ)

وأشار المكتب الحكومي إلى قيام الجماعة بزراعة ألغام فردية وبحرية وعبوات خداعية على امتداد الشريط الساحلي بالمديرية، وفي مزارع المواطنين، ومراعي الأغنام، وحتى داخل البحر. لافتاً إلى تسبب الألغام العشوائية في إنهاء حياة كثير من المدنيين وممتلكاتهم، مع تداعيات طويلة الأمد ستظل تؤثر على اليمن لعقود.

وكشف التقرير عن خطف الجماعة الحوثية عدداً من السكان، وانتزاعها اعترافات منهم تحت التعذيب، بهدف نشر الخوف والرعب في أوساطهم.

ودعا مكتب حقوق الإنسان في مديرية الدريهمي المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لإيقاف الانتهاكات التي أنهكت المديرية وسكانها، مؤكداً استمراره في متابعة وتوثيق جميع الجرائم التي تواصل ارتكابها الجماعة.