بعد 15 عاماً على اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، أصبح «حزب الله» القوة المهيمنة في بلد ينهار تحت أقدامه وسط سلسلة من الأزمات المدمرة، بحسب وكالة «رويترز» للأنباء.
فقد أصدرت محكمة تدعمها الأمم المتحدة، أمس (الثلاثاء)، قرارها بإدانة عضو في الجماعة المدعومة من إيران بتهمة التآمر لاغتيال الحريري في تفجير وقع عام 2005 وقضت ببراءة 3 آخرين، وجاء قرار المحكمة في وقت انهار فيه الاقتصاد اللبناني.
ولفتت «رويترز» إلى ظهور علامات على «عدم كفاءة» مؤسسات من الأجهزة الأمنية إلى الرئاسة التي يتولاها حليف لـ«حزب الله»، ليجد الناس أنفسهم في مواجهة المصاعب التي أوجدها انفجار هائل دمّر وسط بيروت هذا الشهر.
وبخلاف كل هذا، لا توجد حكومة عاملة، كما تشهد البلاد ارتفاعاً في الإصابات بمرض «كوفيد - 19».
وقد نفى زعيم «حزب الله» حسن نصر الله أن الجماعة سيطرت في أي وقت من الأوقات على الحكومات اللبنانية، أو أن لها أغلبية تسمح لها بالتصرف وحدها، لكن مصدراً سياسياً مطلعاً على التفكير السائد بين حلفاء الجماعة المسيحيين، قال إن لبنان ينفلت من بين أصابع «حزب الله».
وقال المصدر لـ«رويترز»: «بالحصول على الأغلبية في الانتخابات البرلمانية ووجود الرئيس في جانبهم اعتقدوا أنهم سيطروا على البلاد، لكن ما حدث الآن أن (حزب الله) وحلفاءه امتلكوا السلطة، لكنهم خسروا البلد والشعب».
وقد واجه «حزب الله» انتقادات متنامية لفشله البادي في تنفيذ الإصلاحات الموعودة منذ الفوز بأغلبية برلمانية مع حلفائه في 2018. وقدّمت الحكومة استقالتها بعد الانفجار الذي وقع في 4 أغسطس (آب) وكان «حزب الله» وحلفاؤه رشّحوا الحكومة بعد استقالة الحكومة السابقة برئاسة سعد الحريري.
وحاولت الحكومة المستقيلة التفاوض على حزمة إنقاذ مع صندوق النقد الدولي، لكن عرقلتها القوى ذاتها التي عيّنتها.
ويقول ماجنوس رانستورب، الخبير في شؤون «حزب الله»: «ثمة مشكلات كثيرة داخلياً، بخلاف انفجار المرفأ، البلاد تنهار تحت أقدامهم».
وذكر فواز جرجس، الخبير في شؤون الشرق الأوسط بكلية لندن للاقتصاد: «هذا واحد من أضخم التحديات التي تواجه لبنان منذ استقلاله عن فرنسا في 1943 لأن لديك الآن أزمات كثيرة تواجه لبنان و(حزب الله)».
وأضاف: «أخشى أن يكون (حكم المحكمة) الشرارة، سيصبح البلد المقسم بالفعل أكثر استقطاباً على أسس طائفية، وليس على أسس سياسية وعقائدية».
ويقول مانحون غربيون إنهم لن ينقذوا لبنان من أزمته دون إصلاحات جوهرية لنظام فاسد. وقال مهند حاج علي، الباحث الزميل بمركز كارنيجي الشرق الأوسط، إن «(حزب الله) فشل فشلاً ذريعاً في الحفاظ على وعده في الانتخابات بمحاربة الفساد»، وأضاف: «لم يقدموا أي شيء على الإطلاق فيما يتعلق بهذا الوعد، وفي الواقع أصبحت حملتهم المناهضة للفساد نكتة رائجة الآن».
وذكر: «مثلما هو الحال مع معظم هذه الطبقة السياسية، لم يكن (حزب الله) في موقف أضعف مما هو فيه الآن».
ويواجه «حزب الله» الذي كان بمثابة رأس الحربة لطهران في الحرب الأهلية السورية وفي أنحاء المنطقة، غضباً شعبياً بسبب الانفجار الذي شهده مرفأ بيروت، وكان صدمة كبيرة للبلاد، فقد أثار انفجار ما تقول السلطات إنها 2700 طن من مادة نترات الأمونيوم المخزنة دون إجراءات السلامة اللازمة غضباً شديداً من الإهمال وعدم الكفاءة والتقصير.
و«حزب الله» ليس القوة المهيمنة في لبنان فحسب، بل يرى فيه البعض حامياً لطبقة سياسية فاسدة دفعت بلبنان إلى الحضيض.
وقال جرجس: «ما لا يفهمه (حزب الله) عن انفجار المرفأ والضجة والاحتجاجات هو أن الناس يعتبرونه أحدث مظهر لفساد النخبة، وأنهم يحملون (حزب الله) المسؤولية عن حماية هذه النخبة»، وأضاف أن ما يردده «حزب الله» لم يعد مقنعاً داخل لبنان.
وقد انقلب كثيرون من اللبنانيين، ومن بينهم مسيحيون سبق أن أيّدوا «حزب الله»، على الجماعة، رغم أنها ليست مسؤولة عن أزمة اقتصادية تراكمت فصولها على مرّ السنين في ظل حكومات سابقة.
أولويات مختلفة
تغير الجو السائد بعد أن ألقى نصر الله خطاباً عبر التلفزيون نفى فيه المسؤولية عن الانفجار، وحذر المحتجين من أن أي هجمات أخرى على النظام وقياداته ستقابل بردّ حازم.
وذكر جرجس: «كنت أتوقع أن يحاول استمالة الرأي العام بالقول إنه سيفعل أي شيء لمعرفة ما حدث، وإننا مع الشعب، لكن أولويات (حزب الله) جيو استراتيجية لا تتمحور حول لبنان».
ويقول محللون إن «حزب الله» يخشى أن يقضي التغيير في لبنان على قدرته على التأثير في النظام السياسي الذي يتيح له الحفاظ على سلاحه ومقاتليه، ونتيجة لذلك تعثر «حزب الله» في لبنان.
ويوضح جرجس: «يريدون الحفاظ على وضعهم القوي في البلاد، ويريدون الاحتفاظ بأسلحتهم، ويريدون الاحتفاظ بحق النقض (الفيتو) في عملية صنع القرار، وفي الوقت نفسه يريدون أن يقولوا للشعب إنهم ضد الفساد، وإنهم مختلفون عن الطبقة الحاكمة الفاسدة. وقد نالت هذه التناقضات من (حزب الله)».
وقال خليل جبارة، الزميل المتخصص في السياسات بمعهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية: «بعد الانفجار أصبح واضحاً أن النظام السياسي أيضاً على وشك الانهيار، هدف (حزب الله) اليوم هو إطالة أمد النظام السياسي اللبناني».
ورغم أن المحكمة لم تجد دليلاً على تورط مباشر لقيادة «حزب الله» فقد قال القضاة إنه من الواضح أن قتل الحريري كان عملاً إرهابياً ذا دوافع سياسية.
ويقول المحللون إن قرار المحكمة سيؤدي على الأرجح لتفاقم الصعوبات التي يواجهها «حزب الله» الذي تدرجه الولايات المتحدة وعدة دول أخرى ضمن قوائم التنظيمات الإرهابية.
وذكر جرجس: «على الأرجح ستتزايد الدول التي تعتبر (حزب الله) تنظيماً إرهابياً شبه عسكري».
ويقول رانستورب إن الجو السائد في أوروبا وفي واشنطن، من قبل الحكم في قضية اغتيال الحريري، أصبح معارضاً لهيمنة «حزب الله» في لبنان بسبب محور القوة الشيعية الذي أقامته إيران عبر العراق وسوريا ولبنان.
ويأتي التحدي الذي يواجهه «حزب الله» في وقت يتعرض فيه هو وقواته في سوريا لهجمات متكررة من جانب الطائرات الحربية الإسرائيلية، كما أن الفصائل القوية المتحالفة معه في العراق تتعرض لضغوط.
ويقول أغلب المحللين إن «حزب الله» سيراقب الوضع في هدوء، على أمل أن يكون الوقت في صالحه، إما من خلال انتخاب رئيس أميركي جديد، أو من خلال تفاهم جديد محتمل بين طهران وإدارة ترمب قبل انتخابات الرئاسة الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
وقال حاج علي: «يريدون الحفاظ على الدولة اللبنانية كما هي اليوم، لا يريدون دولة قوية. لكنهم لا يريدون أيضاً دولة ضعيفة مفتتة، لأن ذلك يعني مزيداً من الصداع ومزيداً من التحديات لهم».