شبح «الإنفلونزا الإسبانية» يلوح بعد زيادة إصابات «كوفيد ـ 19»

دراسة أميركية قارنت بين الفيروسين

شبح «الإنفلونزا الإسبانية» يلوح بعد زيادة إصابات «كوفيد ـ 19»
TT

شبح «الإنفلونزا الإسبانية» يلوح بعد زيادة إصابات «كوفيد ـ 19»

شبح «الإنفلونزا الإسبانية» يلوح بعد زيادة إصابات «كوفيد ـ 19»

رغم الاختلاف بين فيروس «كورونا المستجد» المسبب لجائحة «كوفيد-19» والفيروس الذي تسبب في جائحة «الإنفلونزا الإسبانية» عام 1918، ومرور فترة تتجاوز أكثر من قرن من الزمان بين الجائحتين، فإن الفيروس الجديد بدأ يتطور بطريقة الإنفلونزا الإسبانية نفسها، مما جعل شبح الأخير يخيم على العالم في الوقت الحالي.
وأودت الموجة الثانية من الإنفلونزا الإسبانية بحياة نحو 50 مليون شخص، في واحدة من أكثر الجوائح فتكاً. وقد حذر الأمين العام المساعد لمنظمة الصحة العالمية، رانييري غويرا، قبل شهرين، من موجة ثانية لكورونا قد تكون بهذه الدرجة نفسها من الشدة.
وقال غويرا، وهو إيطالي الجنسية، في تصريحات نقلتها وسائل إعلام إيطالية، في 26 يونيو (حزيران) الماضي، إن الفيروس الجديد يتطور بطريقة الإنفلونزا الإسبانية نفسها، حيث حدث في الأخيرة انخفاض بأعداد الإصابات خلال الصيف، ثم عادت أكثر شراسة في شهري سبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول).
وتابع أن تراجع الجائحة خلال فترة الصيف، وانخفاض عدد المرضى في غرف العناية المركزة، أمر طبيعي، مشدداً على أن التحدي هو ضمان الحد من انتشار الفيروس في الخريف. وما يصفه غويرا بـ«الأمر الطبيعي» إنما هو بسبب تقدم أساليب الرعاية الصحية التي جعلت أعداد الوفيات في بداية جائحة كورونا أقل بعض الشيء من بدايات جائحة الإنفلونزا الإسبانية. ولكن دراسة نشرت في دورية الجمعية الطبية الأميركية (JAMA) توصلت إلى أنه لو تم تحييد التدخلات الطبية لكان الفيروس الجديد أشد فتكاً من الإنفلونزا الإسبانية.
وخلال دراسة حالة على مدينة نيويورك، أكثر المدن الأميركية في تعداد الإصابات بمرض «كوفيد-19»، وازن الفريق البحثي، بقيادة جيريمي فاوست من مستشفى بريجهام، معدل الوفيات في المدينة في بدايات جائحة «الإنفلونزا الإسبانية» وجائحة «كوفيد-19»، حيث كانت حالات الوفاة حسب التحليل 287 حالة وفاة لكل 100 ألف شخص في مدينة نيويورك في ذروة جائحة «الإنفلونزا الإسبانية»، في مقابل 202 حالة وفاة لكل 100 ألف خلال ذروة «كوفيد-19» في مارس (آذار) وأبريل (نيسان).
وذهبت الدراسة إلى أنه رغم أن الأرقام قد تعكس مبدئياً أن «الإنفلونزا الإسبانية» كانت أكثر فتكاً من «كوفيد-19»، فإن الباحثين عندما قاموا بحساب متوسط معدل الوفيات الشهري الأساسي خلال السنوات الثلاث التي سبقت كلا الحدثين الوبائيين، وجدوا في الفترة التي سبقت ذروة «الإنفلونزا الإسبانية»، في عام 1918، أن مدينة نيويورك شهدت نحو 100 حالة وفاة لكل 100 ألف، وانخفض العدد خلال السنوات الثلاث التي سبقت «كوفيد-19» إلى نحو 50 حالة وفاة لكل 100 ألف، مما يعني نسبياً أن «كوفيد-19» مميت على الأقل مثل «الإنفلونزا الإسبانية».
ويقول الباحثون: «نظراً لأن معدلات الوفيات الأساسية من 2017 إلى 2019، قبل وباء (كوفيد-19)، كانت أقل من نصف تلك التي لوحظت من عام 1914 إلى عام 1917 (قبل وباء الإنفلونزا الإسبانية) بسبب التحسينات في النظافة، والإنجازات الحديثة في الطب والصحة العامة والسلامة، فإن ذلك يعني أنه كان يمكن أن تكون هناك زيادة في الوفيات بالشهور المبكرة من وباء (كوفيد-19) مماثلة، إن لم تكن أكبر، لأعداد الوفيات خلال ذروة وباء (الإنفلونزا الإسبانية) عام 1918».
هذه النتيجة التي توصلت لها الدراسة تعكس أن المقارنة في الفتك بين «كوفيد-19» وجائحة «الإنفلونزا الإسبانية» ربما تكون لصالح الأول، فنحن أمام وباء يحصد، رغم الابتكارات الطبية الحديثة، عدداً من الأرواح مقارباً لـ«الإنفلونزا الإسبانية»، وهو ما جعل خبيرة الوبائيات جيسيكا بيكيت تنبه، في مقالة نشرتها بموقع «ذا كونفرسيشن» يوم 4 أغسطس (آب) الحالي، إلى أن التقارب في الأعداد محفز على عقد مقارنات بين الاثنين، ولكن الحقيقة أنهم مختلفان.
وتقول بيكيت إن فيروس الإنفلونزا يمكنه تبادل أجزاء كاملة من الحمض النووي الريبوزي الخاص به مع فيروسات الإنفلونزا الأخرى، مما يتيح حدوث طفرات بالفيروس، كما أن للإنفلونزا سمة موسمية مميزة، حيث تنتشر بشكل أكبر خلال أشهر الشتاء.
ومع انتشار سلالات الإنفلونزا التي تتأرجح موسمياً بين الشتاء في نصفي الكرة الشمالي والجنوبي، فإنها تتغير بسرعة، وهذه القدرة على التكيف السريع هي سبب حاجتك إلى الحصول على لقاح جديد ضد الإنفلونزا سنوياً للحماية من السلالات الجديدة التي ظهرت في منطقتك منذ العام الماضي.
وتوضح بيكيت أن الوضع يبدو مختلفاً مع فيروس «كورونا المستجد»، فنحن أمام فيروس يراجع الحمض النووي الريبي المنسوخ لديه لإصلاح الأخطاء غير المقصودة في أثناء النسخ المتماثل، مما يقلل من معدل الطفرات، ويعني هذا الاستقرار الجيني أنه من غير المرجح أن تكون الذروة المستقبلية للمرض مدفوعة بحدوث طفرات بالفيروس، كما أنه من المعروف حالياً أنه لا يتأثر بالمواسم، وأن الانخفاضات الأخيرة في معدل الحالات الجديدة لا تعود إلى الطقس الأكثر دفئاً، ولكنها تعود إلى التدخلات الطبية.
وتفسر بيكيت الزيادات الأخيرة في أعداد الإصابات بأنها بسبب تعرض عدد كبير من البشر للفيروس بعد إنهاء إجراءات الإغلاق بسبب تفشيه، ولم يكن هؤلاء قد كونوا مناعة ضد الفيروس.
ويقول د. تامر سالم، أستاذ الفيروسات بمدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا بمصر، لـ«الشرق الأوسط»: «هناك حالتان يمكن أن تنتهي معهما هذه الجائحة؛ أولاهما أن تحدث طفرة تتسبب في ضعف الفيروس، وهذا ما حدث مع (الإنفلونزا الإسبانية)، فانتهت بشكل طبيعي دون الحاجة للقاح، وهذا على ما يبدو من سلوك الفيروس الجديد يظل احتمالاً قائماً، ولكن قد لا يحدث بشكل سريع، بسبب طبيعة الفيروس نفسه. وأما الحالة الثانية، فهي إنتاج لقاح للفيروس يوفر مناعة مجتمعية».
وإلى أن يحدث أحد الخيارين، يشدد د. سالم على ضرورة «الالتزام بإجراءات التباعد الاجتماعي، وارتداء الماسكات، وغيرها من الإجراءات الوقائية».


مقالات ذات صلة

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

آسيا أحد أفراد الطاقم الطبي يعتني بمريض مصاب بفيروس كورونا المستجد في قسم كوفيد-19 في مستشفى في بيرغامو في 3 أبريل 2020 (أ.ف.ب)

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

قالت منظمة الصحة العالمية إن زيادة حالات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي الشائعة في الصين وأماكن أخرى متوقعة

«الشرق الأوسط» (لندن )
صحتك جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)

بعد «كوفيد»... هل العالم مستعد لجائحة أخرى؟

تساءلت صحيفة «غارديان» البريطانية عن جاهزية دول العالم للتصدي لجائحة جديدة بعد التعرض لجائحة «كوفيد» منذ سنوات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

فيروس مدروس جيداً لا يثير تهديدات عالمية إلا إذا حدثت طفرات فيه

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية play-circle 01:29

فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية

فيروس تنفسي معروف ازداد انتشاراً

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أحد الأرانب البرية (أرشيفية- أ.ف.ب)

الولايات المتحدة تسجل ارتفاعاً في حالات «حُمَّى الأرانب» خلال العقد الماضي

ارتفعت أعداد حالات الإصابة بـ«حُمَّى الأرانب»، في الولايات المتحدة على مدار العقد الماضي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

البابا فرنسيس يعيّن أول امرأة لرئاسة دائرة كبيرة في الفاتيكان

الأخت سيمونا برامبيلا التي عيّنها البابا فرنسيس لتولي مسؤولية المكتب الذي يُشرف على الإرشادات الدينية الكاثوليكية في العالم (متداولة)
الأخت سيمونا برامبيلا التي عيّنها البابا فرنسيس لتولي مسؤولية المكتب الذي يُشرف على الإرشادات الدينية الكاثوليكية في العالم (متداولة)
TT

البابا فرنسيس يعيّن أول امرأة لرئاسة دائرة كبيرة في الفاتيكان

الأخت سيمونا برامبيلا التي عيّنها البابا فرنسيس لتولي مسؤولية المكتب الذي يُشرف على الإرشادات الدينية الكاثوليكية في العالم (متداولة)
الأخت سيمونا برامبيلا التي عيّنها البابا فرنسيس لتولي مسؤولية المكتب الذي يُشرف على الإرشادات الدينية الكاثوليكية في العالم (متداولة)

عيّن البابا فرنسيس بابا الفاتيكان، اليوم (الاثنين)، أول امرأة لقيادة إحدى الدوائر الرئيسية في الفاتيكان، وهي راهبة إيطالية ستتولى مسؤولية المكتب الذي يشرف على الإرشادات الدينية الكاثوليكية في العالم.

وستتولّى الأخت سيمونا برامبيلا (59 عاماً) رئاسة مجمع معاهد الحياة المكرسة وجمعيات الحياة الرسولية في الفاتيكان. وستحل محل الكاردينال جواو براز دي أفيز، وهو برازيلي تولّى المنصب منذ عام 2011، حسب وكالة «رويترز» للأنباء.

البابا فرنسيس يترأس صلاة التبشير الملائكي في يوم عيد الغطاس من نافذة مكتبه المطل على كاتدرائية القديس بطرس في دولة الفاتيكان 6 يناير 2025 (إ.ب.أ)

ورفع البابا فرنسيس النساء إلى أدوار قيادية بالفاتيكان خلال بابويته المستمرة منذ 11 عاماً؛ إذ عيّن مجموعة من النساء في المناصب الثانية في تسلسل القيادة بدوائر مختلفة.

وتم تعيين برامبيلا «عميدة» لمجمع معاهد الحياة المكرسة وجمعيات الحياة الرسولية، وهو الكيان السيادي المعترف به دولياً الذي يُشرف على الكنيسة الكاثوليكية العالمية.