تسارع خطوات التطبيع بين الخرطوم وتل أبيب... وتوقع اتفاق قبل نهاية العام

نتنياهو: السلام مع السودان ستجني ثماره المنطقة

رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان (أ.ف.ب)
رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان (أ.ف.ب)
TT

تسارع خطوات التطبيع بين الخرطوم وتل أبيب... وتوقع اتفاق قبل نهاية العام

رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان (أ.ف.ب)
رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان (أ.ف.ب)

تشير تسريبات دبلوماسية إلى أن الحكومة الانتقالية السودانية، تعمل بدأب وبعيداً عن الأعين، باتجاه تطبيع العلاقات مع إسرائيل، فيما أشارت تصريحات رسمية إسرائيلية، إلى أن التطبيع المرتقب سيتم قبل نهاية هذا العام، وذلك بعد أشهر من اللقاء المثير للجدل بين رئيس الوزراء بنامين نتنياهو، ورئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، بمدينة عنتيبي الأوغندية في فبراير (شباط) الماضي.
وكشف وزير الاستخبارات الإسرائيلي إيلي كوهين، النقاب، عن صفقة وشيكة مع السودان، يُتوقع أن تُفضي إلى توقيع اتفاقية سلام بين البلدين، ونقلت هيئة البث الإسرائيلية عنه يوم الأحد قوله: «يُتوقع أن تتم هذه الخطوة التاريخية قريباً، وربما قبل نهاية العام الحالي»، وأن بعثات مشتركة تعمل على قدم وساق للتوصل لاتفاق.
بدوره دعا المتحدث الرسمي باسم الخارجية السودانية، حيدر بدوي صادق، في نشرة على حسابه بموقع الحوار السوداني الشهير على الإنترنت «سودانيز أون لاين»، السودانيين للصلح مع إسرائيل بالقول: «أقول لكل السودانيين.. اصطلحوا مع إسرائيل».
وألمح صادق إلى ترتيبات تجري في الخفاء بين قيادة الدولة وإسرائيل، وقال: «أقول للرئيسين البرهان وحمدوك، احترموا شعبكم واكشفوا له ما يدور في الخفاء بشأن العلاقة مع إسرائيل»، وتابع: «لإسرائيل أقول، نحن شعب عريق يعرف مصالحه جيداً، ولن نرضى بعلاقات غير متكافئة كتلك التي أقامها نظام الهوس الديني المباد».
وقطع الدبلوماسي الذي أُعيد للخدمة عقب الثورة السودانية، بعد أن كانت سلطة الإسلاميين قد أحالته للصالح العام، بأن السودان لن يطبّع علاقته مع إسرائيل إلاّ بمنطق الند للند، وتابع: «للولايات المتحدة أقول، ارفعي اسم السودان المقدس، الذي دنّسه الهوس، من قائمة الدول الراعية للإرهاب فوراً ولا تتعاملي معنا إلا كندٍّ أصيل تحتاجين إليه كما يحتاج إليك، وأؤكد أنك ستحتاجين إليه، وستحتاج إليه دول العالم كافة، بأكثر مما يحتاج إليك ويحتاج إليه باقي العالم، كما سيرد لاحقاً».
وفور ذيوع هذه التصريحات المنسوبة للمتحدث باسم الخارجية السودانية سارع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عبر صفحته على موقع الرسائل القصيرة «تويتر»، للترحيب بها، قائلاً: «إسرائيل والسودان والمنطقة بأسرها ستجني الفوائد من اتفاقية السلام التي ستكون قادرة على بناء مستقبل أفضل لجميع شعوب المنطقة». وأضاف: «سنقوم بكل ما هو مطلوب لجعل هذه الرؤية حقيقة واقعة».
كما رحب وزير الخارجية الإسرائيلي، غابي أشكنازي، وقال: «إعلان وزارة الخارجية السودانية يشير إلى التغيير الجوهري الذي يحدث هذه الأيام في الشرق الأوسط بشكل عام وفي السودان بشكل خاص. وعلينا أن نتذكر أن هناك أهمية بالغة لهذا التصريح الآن، بعد 53 عاماً من مؤتمر الخرطوم الذي دعا فيه السودان وسائر العرب إلى معارضة الاعتراف بإسرائيل، (لاءات الخرطوم) وتوقيع اتفاق سلام معها، إنني أرحب بأي خطوة تعزز عملية التطبيع والسلام والاتفاقات والاعتراف بين الدول».
وقال أشكنازي: إن «الجهود الدبلوماسية الإسرائيلية بقيادة وزارة الخارجية تخلق فرصاً مهمة أخرى مثل العلاقة بين إسرائيل والسودان. وسنواصل مناقشة تحسين العلاقات في المستقبل القريب حتى يتم توقيع اتفاق سلام يحترم مصالح الطرفين».
وكان الناطق بلسان وزارة الخارجية الإسرائيلية، ليئور خياط، قد رحب هو الآخر بالتصريح السوداني، وقال إن «دولة إسرائيل ترحب بأي خطوة من شأنها أن تؤدي إلى عملية تطبيع واتفاقات سلام مع دول المنطقة».
يُذكر أن وزير المخابرات الإسرائيلي، إيلي كوهين، كان قد أعرب عن قناعته بأن السودان هي التي ستعقب الإمارات العربية في التوقيع على اتفاقية مع إسرائيل قبل نهاية العام الجاري. وقال كوهين في إحاطة قدمها لوسائل الإعلام الإسرائيلية: «أعتقد أنه قبل نهاية هذا العام سنحقق اختراقاً آخر مع دولة في أفريقيا». وتابع: «أعتقد أن السودان هو البلد التالي». لكن مصدراً سياسياً مقرباً من نتنياهو استبعد أن يكون السودان هو التالي ورجح أن تكون تلك البحرين أولاً.
وحتى الوزير كوهين، عاد وقال في تصريح لإذاعة الجيش الإسرائيلي، أمس، إنه يرجح دولة أخرى وقال: «أعتقد أن البحرين وسلطنة عمان على جدول الأعمال بالتأكيد. بالإضافة إلى ذلك، فهناك في تقديري فرصة بالفعل في العام المقبل لاتفاق سلام مع دول أخرى في أفريقيا وعلى رأسها السودان».
ويؤكد محللون يتابعون نشاط رئيس الموساد، يوسي كوهين، إنه ينوي الانتقال من الإمارات، التي يزورها منذ مساء الاثنين، إلى دولة أخرى ترغب في إقامة علاقات مع إسرائيل. فيما ذكرت القناة الرسمية للتلفزيون الإسرائيلي «كان 11»، أن الاتصالات بين إسرائيل والسودان مستمرة، كما أن «بعثات من كلا الطرفين تواصل الاستعدادات على قدم وساق للتوصل إلى هذا الاتفاق بينهما».
وكان رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، قد ذكر في حوار سابق مع «الشرق الأوسط» تعليقاً على لقائه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في عنتيبي الأوغندية، أن من حق السودان البحث عن مصالحة الوطنية والأمنية في كل مكان، وأن الجهاز التنفيذي –يقصد مجلس الوزراء– يقوم بترتيب وإدارة العلاقات الدبلوماسية، وأن «لجنة مصغرة» تم تكوينها لمتابعة أمر العلاقة مع إسرائيل، بيد أنه عاد وقال: «العلاقة مع الجانب الإسرائيلي متروكة للجهاز التنفيذي».
وكشف في تلك المقابلة أن طرفاً ثالثاً – لم يسمّه، والأرجح أنه الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني والمستشارة المشتركة بينه والبرهان الراحلة نجوى قدح الدم قد رتّبا ذلك اللقاء– وتناول دور إسرائيل في دعم السودان فيما يتعلق بحذفه من اللائحة الأميركية للدول الراعية للإرهاب.
ووصف البرهان المعارضة للقائه مع نتنياهو ولتطبيع العلاقات مع إسرائيل بقوله: «مصلحة السودان يؤيدها قطاع واسع من السودانيين، ولا يعارضها سوى عدد محدد من الجماعات الآيديولوجية».
ولم تصدر أي تعليقات أو تصريحات رسمية، عن تطور ملف العلاقات السودانية الإسرائيلية، منذ إعلان البرهان تسليم الملف لمجلس الوزراء، وعمل «اللجنة المصغرة» التي كشف لـ«الشرق الأوسط» تكوينها، بيد أن التقارير الإسرائيلية ما انفكت تؤكد أن التواصل مستمر بين الخرطوم وتل أبيب، وهو ما تؤكده حاجة الأطراف الثلاثة للتطبيع: «نتنياهو في حملته الانتخابية، ومثله الرئيس دونالد ترمب في حملته الانتخابية هو الآخر، والسودان لحذف اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب».
ويستند الدبلوماسي صادق، في دعوته للتصالح مع إسرائيل إلى منطلقات دينية وجغرافية وتاريخية، لكونه ينتمي لجماعة «الإخوان الجمهوريين» التي أسسها المفكر محمود محمد طه الذي أعدمه الرئيس الأسبق جعفر النميري بتهمة الرِّدة على اجتهاداته الدينية الجريئة.
بيد أن السفير صادق، وصف موقفه بأنه «شخصي»، ويعبر عنه كمواطن لا كدبلوماسي: «كمواطن سوداني حر مكّنته ثورة شعب حر أن يصدح برأيه، لا كسفير مسؤول في الخارجية فحسب، والحرية الفردية المطلقة هي أسمى ما أصبو إلى تحقيقه في علاقتي بربي بالتوحيد وعلاقتي بالناس في الفضاء العام».
وتابع: «لذلك لن أدع منصبي في الخارجية والفهم القديم السائد، والمغلوط، عن الدبلوماسية، بوصفها فن الكتمان أو البوح المنمّق، يكبّلني عن الصدح برأيي الحر في أي شأن يتعلق بالمصلحة العامة، وحرية الرأي هي أهم فاعل في الفضاء العام، وهي أهم مكتسبات ثورة ديسمبر (كانون الأول) على الإطلاق».
وتعد الخرطوم من ألد أعداء إسرائيل، حيث شهدت عقب نكسة 1967 مؤتمر القمة العربي الشهير بمؤتمر اللاءات الثلاثة «لا صلح لا استسلام ولا تفاوض» مع إسرائيل، وكانت جوازات السفر السودانية حتى عام 2009 ممهورة بعبارة «مسموح له بزيارة كل الأقطار عدا إسرائيل»، ما يجعل من الخطوات المتسارعة باتجاه التطبيع تغييراً جوهرياً في السياسة الخارجية للسودان.



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.