رقمنة التعليم السعودي... خيار «آمن» لـ6 ملايين طالب وطالبة

خبراء يرونها «حتمية»... وتوجه «وزاري» لتوفير الأجهزة للمحتاجين

جهود مجتمعية لتوفير الأجهزة الإلكترونية للطلاب من الأسر ذات الدخل المحدود (الشرق الأوسط)
جهود مجتمعية لتوفير الأجهزة الإلكترونية للطلاب من الأسر ذات الدخل المحدود (الشرق الأوسط)
TT

رقمنة التعليم السعودي... خيار «آمن» لـ6 ملايين طالب وطالبة

جهود مجتمعية لتوفير الأجهزة الإلكترونية للطلاب من الأسر ذات الدخل المحدود (الشرق الأوسط)
جهود مجتمعية لتوفير الأجهزة الإلكترونية للطلاب من الأسر ذات الدخل المحدود (الشرق الأوسط)

تبدأ السنة الدراسية الجديدة في السعودية بنظام «رقمي» غير مسبوق، بعد أن أعلنت وزارة التعليم عن اعتماد التعليم عن بُعد في الأسابيع السبعة الأولى من العام، لجميع مراحل التعليم، حيث تأتي الأجهزة الإلكترونية لتكون على رأس استعدادات العام الجديد، بدلاً من أدوات القرطاسية والزي المدرسي، في حين أكدت ابتسام الشهري، متحدثة وزارة التعليم للتعليم العام، في مؤتمر صحافي أمس، أنه سيتم توفير أجهزة للأسر المسجلة في الضمان الاجتماعي، بالتعاون مع مؤسسة «تكافل».
وأفادت الشهري بأن العام الدراسي الذي يشمل أكثر من 6 ملايين طالب وطالبة، و520 ألف معلم ومعلمة، تم تقسيم الدراسة فيه لفترتين، الصباحية للصفوف العليا، والمسائية للصفوف الأولية، لتمكين أولياء الأمور من متابعة أبنائهم، وتخفيف الأعباء الاقتصادية على الأسر في توفير الأجهزة، إلى جانب تخفيف الضغط على شبكة الإنترنت، مبينة أن الوزارة جهزت منصة «مدرستي» للتعلم الإلكتروني، إلى جانب قنوات «عين» الفضائية.
ومن ناحيته، يوضح الدكتور محمد الحجيلان، خبير تقنية المعلومات وإدارة التعلم الإلكتروني، أن استخدام التعليم الإلكتروني يعطي فاعلية عالية، إذا ما استخدم في مكانه الصحيح، وبطريقته الصحيحة، مبيناً أن المراحل الأكثر استفادة هي المتوسطة والثانوية، على عكس الصفوف الأولية التي تتطلب تفاعلاً مباشراً، مؤكداً ضرورة تطبيق الإدارة الإلكترونية للمدارس بهذا الشأن.
وأبان الحجيلان لـ«الشرق الأوسط» ضرورة أن تستغل المدارس الخبرات التي لديها في التوجه نحو التعلم المدمج مستقبلاً (الإلكتروني والتقليدي معاً)، مقترحاً أن تعمل المدارس على تقليل الفاقد التعليمي، بتقليل المنهج، أو اعتماد طريقة التعويض اللاحق، وأشار لجدوى الخطط الطارئة في تجاوز المرحلة الحالية بمكاسب تصب في مصلحة الطالب ومنظومة التعليم.
أما الدكتور صالح العطيوي، أستاذ تقنية التعليم وإدارة المشاريع البرمجية في جامعة الملك سعود بالرياض، فيرى أن تطبيق التعليم عن بُعد هو من أفضل القرارات في هذه الأزمة. وأفاد بأن التعليم الإلكتروني ليس عبارة عن التركيز على الأدوات الإلكترونية، وليس مجرد نشر وتقديم معلومات وتوزيعها على الطلاب، وإنما استخدام الأدوات الإلكترونية المناسبة في تعزيز التعلم، مؤكداً أن هذا ما تدعمه الوزارة.
وتابع العطيوي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، موضحاً أن مصطلح التعليم عن بُعد يتكوّن من جزأين أساسيين: الأول التعلم، ويتعلق بقدرة المتعلم على معالجة المعلومات وتحليلها، وبناء المعارف المتنوعة التي تدعم تقدمه العلمي؛ والثاني يتعلق بالأدوات الإلكترونية التي تساهم في وجود مكان للتعلم، وتطور هذا المكان أو البيئة مع التقدم التقني. وأردف: «يمكن للمعلمين استخدام الأدوات الإلكترونية المناسبة، مثل التعلم المتزامن الذي يحدث في الوقت نفسه، أو غير المتزامن، للمساهمة في حل مشكلة التعليم، وتحقيق التفاعل بين المعلم والمتعلمين والمحتوى والبيئة الخارجية».
وتطرق العطيوي لتأكيد وزير التعليم دور الوالدين الكبير في المرحلة الحالية، قائلاً: «هذا يسمى التدعيم في النظرية البنائية الاجتماعية، لغرض تعزيز وتقدم المتعلم، لأن التعلم لا يعتمد على المعلم فقط»، مشيراً إلى أن تقويم العملية التعليمية بعد سبعة أسابيع من شأنه ضمان الحصول على التغذية الراجعة المستمرة، والاستمرار في التطوير لتعزيز الأداء.
وعند الحديث عن دور الأسرة، يبرز السؤال حول مدى قدرتها على توفير الأجهزة الإلكترونية اللازمة لأبنائها. وهذا السؤال فتح باب المبادرة المجتمعية، إلى جانب الجهود التي تبذلها الوزارة بهذا الشأن، ومن ذلك ما عمدت إليه جمعية «ارتقاء» بالمنطقة الشرقية، بمبادرتها «تعليمهم لا يوقف»، حيث يوضح الدكتور صالح القوم، المدير التنفيذي للجمعية، دورهم في توفير أجهزة الحاسب الآلي لذوي الدخل المحدود من مستفيدي الجمعيات الخيرية كافة بالمملكة.
وقال القوم لـ«الشرق الأوسط» إن الجمعية توجه عملياتها كافة حالياً لتوفير أكبر عدد ممكن من الأجهزة للطلاب والطالبات لمواصلة تعليمهم، مشيراً إلى أنه نتيجة لهذه الجهود تبنت وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات فكرة المشروع من خلال حملة «كلنا عطاء»، بالشراكة مع كثير من شركاء القطاع الخاص والعام.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».