الممثل راسل كرو يتبرّع لإعادة إعمار مطعم تضرر بانفجار بيروت

{لوشيف} يُعتبر رمزاً من رموز منطقة الجميزة

الممثل راسل كرو
الممثل راسل كرو
TT

الممثل راسل كرو يتبرّع لإعادة إعمار مطعم تضرر بانفجار بيروت

الممثل راسل كرو
الممثل راسل كرو

لم يتوقع اللبنانيون أن يكون انفجار المرفأ في العاصمة محط أنظار نجوم ومشاهير في مختلف أنحاء العالم. فهم تعاطفوا مع أهل بيروت بشكل لافت إلى حدّ دفع ببعضهم أمثال ريهانا ومادونا وبيلا حديد و«ذا ويك إند» وكيم كارداشيان وغيرهم أن يمدوا يد العون له كل على طريقته.
وفي اليومين الأخيرين انشغل اللبنانيون بخبر مفاده أن الممثل العالمي راسل كرو تبرّع بمبلغ 5 آلاف دولار للمساهمة بإعادة إعمار مطعم «لو شيف» في الجميزة.
المطعم كغيره من الحانات والمقاهي والعمارات الموجودة في شارع الجميزة أصابته أضرار جسيمة من جراء انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس (آب) الجاري. وجاء تبرع الممثل كرو له بمثابة مفاجأة لم يكن يتوقعها لا اللبنانيون ولا أصحاب المطعم أنفسهم. وليتبيّن فيما بعد أن طبق «الفتة باللبن» الذي تناوله عنده في الماضي أحد زبائنه الأجانب المشهورين يقف وراء هذه المساهمة المالية. فالمطعم يشكّل رمزاً من رموز منطقة الجميزة الشهيرة والتي كان سياح أجانب ولبنانيين مقيمين يقصدونه باستمرار.
وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» يروي الشيف شربل باسيل أحد أصحاب المطعم القصة الكاملة لهذه المبادرة من قبل راسل كرو: «عند حصول الانفجار تلقيت اتصالات عديدة من صحافيين أجانب. فـ(لو شيف) كان يشكّل محطة يومية لهم خلال إقامتهم في لبنان أثناء تغطيتهم أحداثاً مختلفة. ورحت أذكر لهم الأضرار الجسيمة التي أصابتنا من جراء الانفجار. فصحيح أننا نجونا بفضل العناية الإلهية ولكن ما عشناه في هذه التجربة كان قاسياً جداً». ويتابع الشيف شربل في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «وصدف أن أحد هؤلاء الصحافيين نشر مقالته في صحيفة أجنبية لم أحفظ اسمها. وعندما قرأها الممثل السينمائي كرو تفاعل مع الخبر وتبرّع لنا بمبلغ 5 آلاف دولار. ننتظر أن تصلنا من خلال أحد المصارف اللبنانية قريباً من باب الـ(Fresh money)، الذي تسمح المصارف بالحصول عليه نقداً وعداً على عكس أموالنا المحجوزة عندهم».
وعن سبب تبرع راسل كرو بهذا المبلغ لمطعم «لو شيف» يوضح الشيف باسيل: «الموضوع له علاقة مباشرة بالشيف الأميركي الشهير أنتوني بورداين. فهذا الأخير اعتاد أن يقصد مطعمنا في المرتين اللتين زار فيهما لبنان، أي في عامي 2006 و2010. ويبدو أن الممثل كان أحد أصدقائه وتكريماً لروح الشيف الأميركي المعجب بمطعمنا قام بهذه المبادرة». ويشير الشيف باسيل بأن الشيف بورداين الذي انتحر في يونيو (حزيران) من عام 2018 تحدث لأصدقائه كثيراً عن مطعم «لو شيف» والأطباق الشهية التي يقدمها. ويضيف: «أتذكر تماماً ما تناوله الشيف الأميركي في مطعمنا في عام 2006 عندما طلب تذوق طبق (الفتة باللبن) والكبة بالصينية اللبنانية الأصيلة. حتى أنني عندما طلبت منه تذوق طبق (المحشي سلق) طلب مني شرح اسمه بالإنجليزية. وعندما لم أجد طريقة لذلك، دخلت المطبخ وحملت باقة سلق وسألته أن يزودني باسمها بلغته الأم فقال لي إنها (Suisse chard). وفي عام 2010 زارنا الشيف أنتوني بورداين مرة أخرى وتناول طبق الأرز مع الدجاج. وكنت فخوراً جداً بتردده إلى المطعم أكثر من مرة لأن المعروف عنه عدم إعجابه بطعام غيره إلا نادراً».
الأضرار التي أصيب بها مطعم «لو شيف» بحسب الشيف شربل باسيل قد تفوق تكلفة تعويضها الـ20 ألف دولار. ويعلق: «المهم أننا لا نزال بخير إذ كنت في داخل المطعم مع اثنين من الزبائن. وعندما حصل الانفجار انقلب فينا المكان رأساً على عقب وانفجرت الثلاجة وكذلك الأفران وما إلى هنالك من أدوات مطبخ وكراس وطاولات. فالمطعم يطل على بحر بيروت ويقع بموازاة منطقة المرفأ. ولولا العناية الإلهية وتركنا الباب الرئيسي بالصدفة مفتوحاً ساعتها، لكانت قوة الانفجار تضاعفت وصرنا اليوم من عداد الموتى».
وعما إذا ينوي وإخوانه التغيير في هندسة المطعم وتحديثها في ظل عملية إعادة ترميمه يجاوب الشيف شربل: «منذ نحو 5 سنوات قمنا بتجديد المطعم وإعادة تحديثه ليبدو أكثر عصرنة ولكن مع الحفاظ على هويته الأصلية. اليوم نرغب فقط في إعادته إلى الحياة لأنه مصدر رزقنا الوحيد».
ويشير باسيل الذي يعمل في المطعم منذ صغره بأن العناية الإلهية تكفلت بإنقاذهم من الموت: «سيرتنا النظيفة في الحي واستقبالنا جميع الزبائن على اختلاف مشاربهم بحبّ ارتد علينا إيجاباً ونشكر ربّ العالمين على ذلك فالله هو العاطي».
افتتح مطعم «لو شيف» أبوابه في منطقة الجميزة ببيروت في عام 1967. وكان الوحيد يومها الذي استحدث خدمة «الصحن اليومي» لزبائنه من مختلف المناطق المحيطة به.
فرنسوا باسيل، مؤسس هذا المطعم، كان يملك خبرة طويلة في فن الطبخ، وبعدما تنقل بين أكثر من فندق ومطعم في لبنان وخارجه، قرر أن يقوم بمشروع خاص به مع أشقائه وأبناء عمه، ليستطيع التعريف بموهبته أمام أكبر عدد ممكن من الناس. ويقول نجله «الشيف» شربل الذي يدير المطعم حالياً بمعاونة شقيقه بول وابنة عمه كلير في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «لقد كان صاحب (نَفَس) لا يتكرر في عالم الطبخ، فهو إضافة إلى الخبرة التي يتمتع بها كان يتلذذ بتحضير الأطباق اللبنانية في خلطة لا تعتمد فقط على مكوناتها، بل أيضاً على عشقه وشغفه بهذا العمل».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».