عالم المحار على شواطئ «كيب كود» الأميركية

كريس كروار يعمل في مزرعته للمحار (نيويورك تايمز)
كريس كروار يعمل في مزرعته للمحار (نيويورك تايمز)
TT

عالم المحار على شواطئ «كيب كود» الأميركية

كريس كروار يعمل في مزرعته للمحار (نيويورك تايمز)
كريس كروار يعمل في مزرعته للمحار (نيويورك تايمز)

مع بداية تفشي جائحة فيروس كورونا ومع فرض قيود على السفر في جميع أنحاء العالم، أطلقت صحيفة نيويورك تايمز سلسلة «العالم من خلال العدسة»، حيث يساعد المصورون الصحافيون في نقلك إلى بعض أجمل الأماكن وأكثرها إثارة للاهتمام على كوكبنا.
عندما قابلت كريس كروار لأول مرة، كان على بعد نصف ميل من الشاطئ على المسطحات التي تمتد بعيداً في خليج «كيب كود»، الذي يقع بين نيويورك وبوسطن. كانت الساعة الخامسة صباحاً، وكنت في الخارج في نزهة على الأقدام عند انخفاض المد ورأيت من بعيد ما يشبه أشرعة سوداء صغيرة في الماء. كان المشهد رائعاً حيث كان وحيداً على قاربه وطاولته في منتصف الخليج - مثل فنان وإلى جواره حامل اللوحة يرسم شروق الشمس الناري. وقف هناك بصرامة وهو يقشط أصداف البحر، ثم يقذفها مرة أخرى في الأقفاص حيث سيبقون لعامين على أرض الخليج، حسب تقرير لصحيفة نيويورك تايمز.
قبل وصول الأوروبيين، كان السكان الأصليون في «كيب كود» وهم قبيلة «نوسيت» يمتلكون كميات وفيرة من المحار. كان المحار الأميركي (المعروف أيضاً باسم المحار الشرقي أو محار الأطلسي أو محار فرجينيا) يتدفق بشكل طبيعي في المناطق الساحلية ومصبات الأنهار، حيث تلتقي الأنهار بالبحر. كانت شعاب المحار هي الشعاب المرجانية في أميركا، وكان المحار يقوم بتصفية الماء - يمكن لبعض المحار البالغ ترشيح 50 غالوناً يومياً - وإطعام مجموعة من الكائنات البحرية الأخرى.
في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، أدت الأمراض والإفراط في الحصاد والتقنيات الجديدة - بما في ذلك تطورات التجريف والتعليب والنقل - إلى حدوث تحول في صناعة المحار الأميركية. ولأن تجمعات المحار الأصلية في «ويلفليت» بولاية ماساتشوستس باتت على وشك النضوب، فقد بدأ السكان المحليون في زرع محار صغير مستورد من «تشيسابيك» في المياه للتغلب على تلك الظاهرة.
في تقريره لعام 1881. كتب إرنست إنجرسول أن «مائة ألف محارة من ذوات الصدفتين قد نما حجمها» وتناثرت على امتداد واجهة شواطئ «ويلفليت» البحرية. الآن يشكل التكاثر التجريبي الصغير نشاطاً بقيمة بضع مئات من الدولارات في الوقت الحالي، ونحو 6 آلاف برميل من محار فرجينيا، ستبلغ قيمته نحو 5 آلاف دولار عند بيعه، وهو إجمالي النشاط التجاري».
اليوم لا يزال موطن المحار الطبيعي في أميركا في تضاؤل إلى حد كبير، فقد راوحت التقديرات في العقد الماضي أعداد المحار البري في بعض الأماكن في الدولة عند حدود واحد في المائة فقط من المستويات التاريخية.
لقد غيرت تربية الأحياء المائية في العصر الحديث من قواعد اللعبة حيث تنتج شركة «أكواتوريال ريسيرش كوربوريشن» التي تأسست عام 1960 بذور المحار الصغير المعروف أيضاً باسم «اليرقات» وتبيعه لمزارعي المحار المحليين.
كريس كروبار هو أحد هؤلاء المزارعين. فهو من مواليد إيستهام بولاية ماساتشوستس وقد نشأ على العمل في المحار على قارب والده. اليوم يحدد أوقاته لا بالساعات، بل بالمد والجزر. فقد ظل يربي المحار لمدة خمس سنوات في مزرعته التي تبلغ مساحتها فدانين في خليج «كيب كود»، خلف شاطئ فيرست إنكونتر، موقع الاجتماع الأول بين سكان «ناوزيت» ومرتادي المكان.
تعتبر «كيب كود» مكاناً فريداً من نوعه شأن المحار نفسه. واعتماداً على الموقع، تغمر مياه المد والجزر المحار بمزيج متنوع من المياه العذبة والمالحة، مما يساعد على خلق نكهات مختلفة.
تشتهر «ويلفليت» التي تمتد بعيداً في الخليج بمحارها اللامع. ففي «بارنستابل» و«تشاتام» و«أورليانز»، تتحد مياه المد والجزر العذبة وطحالب المستنقعات الحلوة لتكون نكهة حلوة وترابية، فيما تشتهر محار «إيستهام» بكونها معتدلة الملوحة وترابية.
شرح بول فيتنشتاين، المدير العام لشركة «إيه أر سي»، كيف تنتج المزارع بذورها. ففي منتصف الشتاء، تضع المفقسة المحار البالغ في مياه دافئة غنية بالطحالب، مما يؤدي إلى تكاثر المحار. ثم تلتقط المفرخة البيض وتفقسها لتنمو في خزاناتها حتى الربيع عندما يتم نقلها إلى نظام الحضانة في جمهورية أفريقيا الوسطى. وهناك تستمر في النمو ثم يجري قياسها وعدها قبل بيعها للمزارعين.
بعد الحصول على بذور المحار من جمهورية أفريقيا الوسطى، قام كريس في البداية بزراعتها في أكياس شبكية باستخدام نظام «الرف والأكياس» الفرنسي. وبعد ذلك يجري نقل المحار إلى أقفاص التسمين المعدنية، حيث يبقى في قاع الخليج من عام ونصف إلى عامين - حتى يصل إلى 2.5 إلى 3 بوصات، ليجري تسويقه على أنه إما محار «صغير» أو «كوكتيل»، أو بحجم 3 بوصات أو أكثر، أو يجري تسويقه على أنه محار «منتقى».
حدثت في الآونة الأخيرة طفرة في تربية الأحياء المائية خاصة المحار. لكن يمكن أن تختلف كمية الإنتاج بشكل كبير من سنة إلى أخرى. كان الشتاء الماضي معتدلاً، فقد عملت البذور بشكل جيد سواء في وجود القليل من الجليد أو من دونه. كان العديد من المزارعين يتوقعون عاماً جيداً، لكن مع ارتفاع درجات حرارة الماء إلى أكثر من 80 درجة عند ارتفاع المد، يمكن أن ينتج عن ذلك تكاثر الطحالب وتكسرها، مما يحرم المحار من أي شيء يتغذى عليه.
بعبارة أخرى، لطالما كانت زراعة المحار عملاً غير متوقع. فقد أثرت جائحة فيروس «كورونا» على الصناعة بدرجة كبيرة. فمع تراجع أعداد الناس الذين يقبلون على تناول الطعام خارج منازلهم، أصبح المزارعون يجلسون إلى جوار مخزونهم الذي لم يعد يجد من يشتريه للدرجة التي جعلت البعض يخشى انهيار السوق.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».