شيراز: الفنان مصدر موثوق به يسهم في عملية التغيير

أهدت لبنان أغنية تضامنية تشاركها فيها شقيقتها بيا

تستعد المغنية شيراز لإطلاق عمل غنائي جديد
تستعد المغنية شيراز لإطلاق عمل غنائي جديد
TT

شيراز: الفنان مصدر موثوق به يسهم في عملية التغيير

تستعد المغنية شيراز لإطلاق عمل غنائي جديد
تستعد المغنية شيراز لإطلاق عمل غنائي جديد

قالت المغنية اللبنانية شيراز، إن فكرة إطلاقها أغنية تضامنية مع لبنان تراودها منذ فترة. وتتابع في حديث لـ«الشرق الأوسط»، «بدأت في التحضير لأغنية (إلهي) قبل اندلاع الثورة في 17 أكتوبر (تشرين الأول) الفائت. فكلماتها بمثابة دعاء ليحفظ رب العالمين لبنان ودولاً عربية شقيقة من أي مخاطر. وبُعيد الثورة وصلتنا الجائحة مما أخّرني في تنفيذها. واليوم وبُعيد حصول انفجار بيروت عدّلت بالكليب الغنائي ليحمل صوراً من هذه الكارثة ويواكب المرحلة التي نعيشها اليوم».
واختارت شيراز شقيقتها بيا لتشاركها الأغنية، فأطلتا كثنائي غنائي لأول مرة ذكّرتانا بالمغنيتين الشقيقتين ريدا ونينا بطرس، فهما حصدتا نجاحاً كبيراً في الثمانينات على الساحتين اللبنانية والعربية. فهل إطلالة شقيقتها معها في «إلهي» مقدمة لمشروع غنائي ثنائي؟ ترد شيراز في سياق حديثها لـ«الشرق الأوسط»، «شقيقتي بعيدة كل البعد عن مجال الفن. فهي متزوجة ولديها ولدان، متفرغة لعائلتها بحيث لا يخطر على بالها دخول مجال الفن. فنحن شقيقتان نتمتع بصوتين جميلين، وفكرنا في تقديم هذه الأغنية معاً نتيجة مشاعرنا الكبيرة والعميقة تجاه لبنان». وعما إذا هناك من إمكانية تحولهما إلى ثنائي غنائي على شاكلة نينا وريدا بطرس، ترد «لا يمكنني أن أجزم بأي شيء، فنحن لا نعرف ماذا يخبئ لنا المستقبل».
وتشير شيراز صاحبة أغنية «كيف بدّك عني تغيب» إلى أن هذه القفزة النوعية في خياراتها الفنية التي تسجلها اليوم مع «إلهي» تنبع من مساندتها شعباً يعاني ويقاسي وهو مقهور من قدره المليء بالألم. «كثيرون يسألونني كيف انتقلت من غناء أغان إيقاعية وأخرى رومانسية إلى أغنية من نوع الدعاء. ولكن لم يكن باستطاعتي أن أراقب مشهدية بلادي وأهله في عذاب وأبقى مكتوفة الأيدي. فأنا متعلقة كثيراً بوطن الأرز، ولطالما رددت أني لن أفكر يوماً بهجره ولو بقيت فيه وحدي على أرضه. فمن ليس لديه وطن، هو إنسان لا ينبض الحياة، لا جذور له، ويفتقد إلى حضن دافئ لا يشبه غيره في هذا الكون».
كتب أغنية «إلهي» ولحنها العراقي حسن الميالي ومن توزيع الموسيقي داني حداد وإخراج زياد خوري. «الأغنية في الأصل تتألف من مقاطع طويلة اختصرناها بهذا الشكل كي لا يشعر سامعها بالملل. وكما تلاحظون نؤديها أختي بيا وأنا باللهجة البيضاء كي يستطيع أي مواطن عربي أن يفهمها. فهي إضافة إلى لبنان أتوجه بها إلى الشعب العربي الموجوع في فلسطين وسوريا والعراق. والجدير ذكره أن هذا العمل هو تطوعي بمجمله وكل من شارك فيه قدّم قدراته لإنجاحه مجاناً؛ لأنه عمل إنساني وطني».
تهتم شيراز بكل شاردة وواردة في أغانيها، وعادة ما تشرف على عملية تنفيذها من مونتاج و«اديتينغ» وتصوير، «أعطي لأعمالي وقتاً طويلاً لأخرجها على المستوى المطلوب؛ ولذلك تريني أهتم بأدق تفاصيلها. كما أنها تنبع من أفكاري التي أقوم بعرضها على فريقي الفني الذي أتعاون معه. وإجمالاً أغوص في تأملاتي وأتوسع بأفكاري كي لا تولد عادية. فلست ممن يقبلون بأن تفرض عليهم الألحان والكلمات من قبل شركة إنتاج». وعما إذا هي اليوم تابعة لشركة إنتاج فنية معينة، تقول «أقوم بمشاورات مع إحدى الشركات المهتمة بأعمالي، وعندما نصل إلى اتفاق تام سأعلن عن اسمها. فالمسؤولية التي أحملها اليوم كبيرة؛ كوني أنتج أعمالي بنفسي وأي مبلغ مالي أوفره أحوله مباشرة إلى مجالي الغنائي. فأنا شخص يحب الاستثمار بعمله الخاص ولا أبخل عليه من أي ناحية. فهو يتقدم اهتمامات أخرى يمكن أن تلهيني عنه، كالتسوق والاهتمام بمظهري الخارجي».
تحضّر شيراز لإطلاق أغنية جديدة تصفها بالعمل الاستثنائي، «هو مشروع فني جديد من نوعه يتطلب مني تحضيرات كثيرة، لا يمكنني وصفه بأغنية وطنية، بل بعمل يحمل التوعية بأسلوب هجومي». وتضيف «أي عمل أقوم به أذكر به وطني أو مدينتي المحببة إلى قلبي. فهما أساس هويتي الحقيقية وأعتز بهما».
وكانت شيراز ومن خلال أغنيتها «بيلا تشاو» فتحت أمامها فرصة عالمية لتشارك من خلالها في الوثائقي الخاص بالمسلسل العالمي «لا كازا دي بابل». وهو عمل فني حصد جوائز كثيرة للنجاح الذي حققه، وبينها «آيمي» للدراما.
وتعلق «في الحقيقة عندما اتصلوا بي من قبل القيمين على هذا الوثائقي لم آخذ الأمر بجدية. واعتقدت بدايةً أن الأمر مجرد دعابة. ولكن فيما بعد تطور الموضوع إلى أن أبرمت اتفاقاً مع الشركة المسؤولة يسمح بتمرير مقطع من أغنيتي في الفيلم. فلست المغنية الوحيدة التي قدمت هذه الأغنية الرائعة (بيلا شاو) واختياري من بين مئات المغنيين لأطل في هذا الفيلم كان بمثابة فخر واعتزاز، سيما وأنني أمثل فيه بلدي لبنان». وهل هذه الخطوة تعتبرينها أدخلتك إلى العالمية؟ ترد شيراز في معرض حديثها لـ«الشرق الأوسط»، «هي خطوة عالمية من دون شك فهناك الملايين من الناس الذين شاهدوا هذا الفيلم الذي يوثق ولادة مسلسل (لا كازا دي بابيل) وكيفية نجاحه. ولكن حدودي الفنية لا تتوقف هنا وأرغب في تحقيق الأفضل في المستقبل. وحالياً لدي أساتذة تدريب في الغناء والتمثيل والرياضة كي أكون على المستوى المطلوب في أعمالي. فأحلامي كبيرة ولا أتعب من البحث عن كيفية تحقيقها رغم عمري الفتي في مجال الفن».
وكانت شيراز قد لعبت بطولة المسلسل الدرامي «موت أميرة» من إنتاج شركة «مروى غروب»، ولاقت نجاحاً كبيراً لأدائها الطبيعي. وعما إذا هناك من عروض تمثيلية جديدة تتلقاها، تقول «العروض التمثيلية لا تتوقف، وأنا سعيدة كوني نجحت في التمثيل الدرامي الذي أحبه. كما شاركت في فيلم سينمائي مع فؤاد يمين لم يجر عرضه بسبب انتشار الجائحة. وهي أيضاً منعتني من المشاركة في موسم رمضان الفائت بعد إلغاء عملية تصوير مسلسل درامي كان من المقرر تنفيذه وعرضه في الشهر الكريم».
لحظة الانفجار الذي جرى في بيروت لم تكن شيراز تتواجد في منزلها القريب من موقع الكارثة. «لقد تحطم منزلي وغمره الركام ولكني لا أحب استعطاف الناس من خلال عرض صور فوتوغرافية على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر بشاعة الوضع في بيتي. فبرأيي، ما جرى عندي لا يشكل أي أهمية؛ نسبةً إلى عدد ضحايا الانفجار والجرحى والمفقودين من جرائه».
وعن طبيعة مهمة الفنان في هذا النوع من الأوقات، تقول «الفنان هو بمثابة مؤثر يترك انطباعات كثيرة لدى متابعيه؛ ولذلك يمكنه أن يساهم في توعية الناس وفي دلّهم على أساليب مساعدة كثيرة. وهو ما قمت به في هذه المرحلة. إذ صرت أنشر على صفحتي الخاصة على موقع (إنستغرام) أسماء جمعيات ومؤسسات علينا مساندتها ومساعدتها بأمور كثيرة وبينها التبرعات. فالفنان هو بمثابة مصدر موثوق به، يسهم في عملية التغيير من خلال طريقة تفاعله مع موقف معين».



ميشال رميح: أغنية «عم يوجعني بلدي» ترجمت فيها أحاسيسي الحقيقية

يعد رميح الأغنية الوطنية وجهة ضرورية للفنان (ميشال رميح)
يعد رميح الأغنية الوطنية وجهة ضرورية للفنان (ميشال رميح)
TT

ميشال رميح: أغنية «عم يوجعني بلدي» ترجمت فيها أحاسيسي الحقيقية

يعد رميح الأغنية الوطنية وجهة ضرورية للفنان (ميشال رميح)
يعد رميح الأغنية الوطنية وجهة ضرورية للفنان (ميشال رميح)

قبل أسابيع قليلة، شارك المغني ميشال رميح في المهرجان الفني اللبناني في ولاية أريزونا في أميركا. تردد رميح قبل الموافقة على هذه المشاركة. وجد نفسه محرجاً في الغناء على مسرح عالمي فيما لبنان كان يتألّم، ولكنه حزم أمره وقرر المضي بالأمر كونه سيمثّل وجه لبنان المضيء. كما أن جزءاً من ريع الحفل يعود إلى مساعدة النازحين. ويعلّق لـ«الشرق الأوسط»: «كانت الحفلة الأولى لي التي أقيمها خلال هذه الحرب. وترددي جاء على خلفية مشاعري بالحزن على وطني».

خلال الحرب أصدر ميشال رميح أغنيته الوطنية «عم يوجعني بلدي». وقدّمها بصورة بسيطة مع عزف على البيانو، فلامست قلوب سامعيها بدفء كلماتها ولحنها النابع من حبّ الوطن. فهو كما ذكر لـ«الشرق الأوسط» كتبها ولحنها وسجّلها وصوّرها في ظرف يوم واحد. ويروي قصة ولادتها: «كنا نتناول طعام الغداء مع عائلتي وأهلي، ولم أتنبه لانفصالي التام عن الواقع. شردت في ألم لبنان ومعاناة شعبه. كنت أشعر بالتعب من الحرب كما كثيرين غيري في بلادي. والأسوأ هو أننا نتفرّج ولا قدرة لنا على فعل شيء».

ألّف رميح أغنيته "عم يوجعني بلدي" ولحّنها بلحظات قليلة (ميشال رميح)

وجعه هذا حضّه على الإمساك بقلمه، فكتب أحاسيسه في تلك اللحظة. «كل ما كتبته كان حقيقياً، وينبع من صميم قلبي. عشت هذا الوجع بحذافيره فخرجت الكلمات تحمل الحزن والأمل معاً».

يقول إنه لا يحب التخلّي عن مشاعر التفاؤل، ولذلك آثر تمرير ومضات رجاء تلونها. وجعه الحقيقي الذي كان يعيشه لم يمنعه من التحلي بالصبر والأمل. ويوضح لـ«الشرق الأوسط»: «في النهاية سنقوم من جديد؛ كوننا شعباً صلباً لا تشّلنا الأزمات. والفنان صاحب الأحاسيس المرهفة لا يمكنه أن يفرّق بين وجهة سياسية وأخرى، ولا بين طائفة وأخرى ينتمي إليها هذا الشخص أو ذاك. فما أعرفه جيداً هو أننا جميعنا لبنانيون، ولذلك علينا التوحّد ومساعدة بعضنا البعض. رؤية أبناء بلدي يهجرون منازلهم وقراهم المدمّرة، لامستني عن قرب، فولدت أغنيتي (عم يوجعني بلدي)؛ لأني بالفعل عشت ألماً حقيقياً مع نفسي».

حفرت في ذاكرة ميشال رميح مشاهد عدة مؤثّرة عن لبنان المهجّر والمدمّر، كما يقول. «لن أنسى ذلك المسنّ الذي بكى خسارته لزوجته وبيته معاً. اليوم لا يجد مكاناً يؤويه، كما يفتقد شريكة حياته. وكذلك تعاطفت مع الأطفال والأولاد الذين لا ذنب لهم بحروب الكبار. فهؤلاء جميعاً أعتبرهم أهلي وإخوتي وأبنائي. كان لا بد أن تخرج مني كلمات أغنية، أصف فيها حالتي الحقيقية».

ميشال ابن زحلة، يقيم اليوم في أميركا. يقول: «هاجرت إلى هناك منذ زمن طويل. وفي كل مرة أعود بها إلى لبنان أشعر بعدم قدرتي على مغادرته. ولكن بسبب أطفالي اضطررت للسفر. وعندما أغادر مطار بيروت تمتلكني مشاعر الأسى والحزن. لم أرغب في ترك بلدي وهو يمرّ في محنة صعبة جداً. ولكن الظروف مرات تدفعنا للقيام بعكس رغباتنا، وهو ما حصل معي أخيراً».

يقول بأنه لا يحب التخلّي عن مشاعر التفاؤل (ميشال رميح)

صوّر ميشال أغنيته، وسجلها في الاستوديو، في الوقت نفسه. لم يرغب في أن تكون مصطنعة بمشهديتها بل أن تمثّل واقعاً يعيشه. «الأغنية ليست تجارية، كتبت كلماتها على قصاصة ورق صغيرة. وأنا أتوجّه إلى استوديو التسجيل قمت بتلحينها».

سبق وتعاون رميح في عدة أغنيات مع مجموعة شعراء وملحنين، ومن بينهم هيثم زيات وسليم عساف. ولكن في أغنية «عم يوجعني بلدي» ترك العنان لأحاسيسه، فلحّن وكتب وغنّى من هذا المنطلق. صديقه ريكاردو عازار تسلّم مهمة عزف اللحن على آلة البيانو. «لم أشأ أن ترافقها آلات وإيقاعات كثيرة لأنها أغنية دافئة ووطنية».

يعدّ رميح الأغنية الوطنية وجهة يجب أن يتحوّل إليها كل فنان تتملّكه أحاسيس حقيقية تجاه وطنه. ويستطرد: «هكذا أنا مغنٍ أستطيع أن أقاوم عندما بلدي يشهد مرحلة صعبة. لا أستطيع أن ألتزم الصمت تجاه ما يجري من اعتداءات على أرضه. ولأن كلمات الأغنية تنبع من رحم الواقع والمشاعر، لاقت انتشاراً كبيراً».

حتى أثناء مرور لبنان بأزمات سابقة لم يوفّر ميشال رميح الفرصة ليغني له. «أثناء ثورة أكتوبر (تشرين الأول) وانفجار المرفأ غنيّت لبنان بأسلوبي وعلى طريقتي. وتركت مساحة مضيئة بأمل في الغد تبرز في أعمالي. غنيت (شعب لبنان) يومها من ألحان هيثم زيات».

تركت مساحة مضيئة بأمل في الغد تبرز في أعمالي (ميشال رميح)

ينقل ميشال رميح حقيقة أحاسيس كل لبناني اضطر إلى هجرة وطنه. «قد يعتقد البعض أن من يعيش خارج لبنان وهو في أزمة، يتمتع بالراحة. هذا أمر خاطئ تماماً. فقد عصرني الألم وأنا أغادر وطني، وكلما حلّقت الطائرة وصغرت صورة لبنان من الأعلى، شعرت بحزن أكبر. جميع أبناء لبنان ممن أعرفهم هنا في أميركا يحزّ في قلبهم ابتعادهم عن وطنهم المجروح. ولكنهم جميعهم يأملون مثلي بالعودة القريبة إليه. وهو ما يزيد من صبرهم، لا سيما وأن أعمالهم وعائلاتهم تعيش في أميركا».

أغانٍ وطنية عديدة لفتت ميشال رميح أخيراً: «أرفع القبعة لكل فنان يغني لبنان المتألم. استمعت إلى أغانٍ عدة بينها لجوزف عطية (صلّوا لبيروت)، ولماجد موصللي (بيروت ست الدنيا)، وأخرى لهشام الحاج بعنوان (بيروت ما بتموت)، وكذلك واحدة أداها الوليد الحلاني (بعين السما محروس يا لبنان)». ويعلّق لـ«الشرق الأوسط»: «أعتبر هذه الأغاني بمثابة غذاء الروح لوطني لبنان. لا شك أن ما أعنيه يأتي مجازياً؛ لأن لا شيء يعوّض خسارات بلدي. ولكن من ناحيتي أجد صوتي وأغنيتي هما سلاحي الذي أدافع فيه عن بلدي».

عندما غادر رميح لبنان منذ نحو الشهر كان في زيارته الثانية له بعد غياب. فحب الوطن زرعه في قلبه، ونما بداخله لا شعورياً. «لن أستسلم أبداً، وسأثابر على زيارة لبنان باستمرار، على أمل الإقامة فيه نهائياً وقريباً. فوالداي علّماني حب الوطن، وكانا دائماً يرويان لي أجمل الذكريات عنه. وأتمنى أن أشهد مثل هذه الذكريات كي أرويها بدوري لأولادي».