برايس هوارد: نحن فئران التجارب الجديدة وهوليوود تعيد تفعيل آليات الرواج لأفلامها

الممثلة الأميركية برايس دالاس هوارد
الممثلة الأميركية برايس دالاس هوارد
TT

برايس هوارد: نحن فئران التجارب الجديدة وهوليوود تعيد تفعيل آليات الرواج لأفلامها

الممثلة الأميركية برايس دالاس هوارد
الممثلة الأميركية برايس دالاس هوارد

على غرار أغلب الممثلين، اعتادت الممثلة الأميركية الشابة برايس دالاس هوارد الظهور في مختلف بلاتوهات الأفلام وهي تحفظ السطور التي من المفترض أن تقولها، ومتى من المفترض أن تقولها في كثير من الأحيان، ولا أكثر من ذلك بكثير.
بيد أن الأمور مختلفة تماماً مع فيلم «جوراسيك وورلد: دومينيون»، وهو أحد أكبر أفلام استوديوهات الإنتاج السينمائي الذي تستأنف به هوليوود العمل منذ حالة الإغلاق العالمية التي شهدتها صناعة السينما الأميركية إثر تفشي وباء كورونا المستجد خلال الفترة الماضية منذ مارس (آذار) الماضي. وقبل موافقتها على العودة إلى استوديوهات «باين وود» الواقعة خارج العاصمة لندن، انخرطت الممثلة هوارد وغيرها من فريق التمثيل وطاقم التصوير في استجواب المنتجين والمديرين التنفيذيين في شركة «يونيفرسال» المنتجة للفيلم الجديد – عبر سلسلة مطولة من مكالمات الفيديو المرئية ورسائل البريد الإلكتروني – بشأن احتياطات السلامة والأمان التي جرى اتخاذها من أجل تصوير الفيلم الجديد، حسب تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز».
وتعرف الممثلة هوارد الآن كل شيء، من كيفية تركيب الميكروفون الخاص بها قبل الشروع في التصوير – وهي عادة ما تقوم بذلك بنفسها خارج البلاتوه بمعاونة من مساعدتها الشخصية التي ترتدي الكمامة الواقية والقناع البلاستيكي، وحتى الموظف المسؤول عن غرفتها في الفندق الفاخر الذي استأجرته شركة «يونيفرسال» لصالح فريق التمثيل وطاقم التصوير لمدة 20 أسبوعاً كاملة هي المدة المقدرة لتصوير الفيلم.
تقول الممثلة هوارد في مقابلة أجريت معها عبر الهاتف صحيفة «نيويورك تايمز»، «حتى الآن، لم ينخرط كل الممثلين بصورة فعلية في جهود الإعداد»، في إشارة إلى عملية صناعة الأفلام بأنها الصناعة القائمة على الحاجة إلى المعرفة، ثم أضافت تقول «ولكن من أجل سفر أي منا على متن أي طائرة، هناك مجموعة من البروتوكولات الواجب احترامها، ومن هي الأطراف المشاركة، ولا بد من الاستماع إلى آراء الآخرين ذات الأهمية أيضاً. فنحن مثل فئران التجارب الرئيسية التي سوف تشارك في الخطوات الأولى».
ظلت هوليوود غير قادرة على معاودة الإنتاج السينمائي في الاستوديوهات الخاصة بها في ولاية كاليفورنيا بسبب تفشي العدوى الفيروسية في مختلف أنحاء الولاية؛ الأمر الذي أسفر عن تعثر المفاوضات مع النقابات العمالية بشأن البروتوكولات المرعية والفترة الزمنية المطلوبة للحصول على نتائج الاختبار من الإصابة بالفيروس. ومن ثم، ركزت شركات الإنتاج السينمائي الكبيرة، إثر الضغوط المستمرة بشأن تشغيل خطوط تجميع الإنتاج الخاصة بها مرة أخرى، على تصوير الأفلام الجديدة في الخارج. ويجري حالياً تصوير الجزء الجديد من فيلم «أفاتار» في نيوزلندا مرة أخرى. وتجري شركة «سوني» تصوير فيلم «إنشارتيد» الجديد – المقتبس عن إحدى ألعاب الفيديو الشهيرة – في مدينة برلين.
وتتصدر شركة «يونيفرسال» الأميركية تلك الجهود من خلال تصوير فيلم «جوراسيك وورلد: دومينيون» في المملكة المتحدة مع كتيب الأمان المكون من 107 صفحات، والذي يعرض تفاصيل كل شيء، بدءاً من أجهزة المسح الحراري الضوئية العاملة بالأشعة تحت الحمراء التي يستعملها فريق العمل وطاقم التصوير عن الوصول إلى أماكن التصوير، وحتى وجبات الطعام المغلفة بإحكام والتي يوفرها عمال الكافيتريا الذين يرتدون الكمامات والقفازات الواقية طوال الوقت وهم يقفون خلف الوحدات البلاستيكية العازلة. إن بروتوكولات الأمان التي تعتمدها شركة «يونيفرسال» تعتبر من النماذج التي يسهل الاستعانة بها لدى شركات الإنتاج السينمائي الأخرى، كما يظهر لدى شركة «مارفل» – على سبيل المثال – التي استأنفت تصوير فيلم «تشانغ تشي» قبل أسبوعين ماضيين في أستراليا.
ويشارك أكثر من 750 شخصاً تقريباً في فيلم «جوراسيك وورلد: دومينيون» الذي تبلغ تكلفة إنتاجه المبدئية نحو 200 مليون دولار، وجرى استئناف التصوير في 6 يوليو (تموز) الماضي، حيث يتحول الاستوديو إلى ما يشبه خلية النحل التي لا تهدأ من العمل والنشاط.
بيد أن شركة «يونيفرسال» قد قسمت عملية إنتاج الفيلم إلى فئتين. والفئة الكبرى منهما مخصصة للأقسام الأكبر التي لا حاجة لديها إلى الوصول إلى الاستوديو أثناء تصوير الفيلم، مثالاً بأقسام البناء والدعائم وخلافه. أما الفئة الأخرى الأكثر خصوصية، فإنهم يطلقون عليها المنطقة الخضراء، وهي تشتمل على المخرج، وفريق التمثيل، وطاقم التصوير الأساسي فقط، من شاكلة مشغلي الكاميرات وشعبة الصوت.
وكانت النتيجة، كما تقول الممثلة هوارد، يمكن مقارنتها باستوديو التصوير المغلق والذي كان يستخدم قبل تفشي الوباء الراهن في تصوير المشاهد الحميمة من مختلف الأفلام. ويكمن الهدف من ذلك الآن في الحفاظ قدر الإمكان على صحة جميع المشاركين في الفيلم – والتفكير بصورة أقل في الفيروس وبصورة أكبر في التجوال حول الأرض رفقة الديناصورات الضخمة!
يقول المخرج كولين تريفورو في مقابلة هاتفية أجريت معه مؤخراً «نحن قادرون خلال هذه اللحظات الموجزة العابرة أن نتواجد في العالم الخاص الذي نصنعه بأيدينا في حين نترك العالم الحقيقي الآخر وراء ظهورنا تماماً».
ومن المقرر طرح فيلم «جوراسيك وورلد: دومينيون» في دور السينما بحلول يوليو المقبل، وهو أكثر من مجرد الجزء السادس من السلسلة نفسها التي حازت إجمالي إيرادات بلغت ما يقرب من ملياري دولار في شبابيك التذاكر على مستوى العالم. وإنها فرصة ممتازة لدى هوليوود للوقوف على ما إذا كان بإمكانها فعلاً تجاوز الكثير من مشاكل صناعة السينما التي تمخضت عن انتشار الوباء الأخير – من دور السينما المغلقة باستمرار إلى الجمهور الذي اعتاد الراحة الكبيرة في مشاهدة الأفلام المتميزة وفق طلبه ومبتغاه على الأرائك المريحة داخل المنازل.
حافظت استوديوهات الإنتاج السينمائي في هوليوود على استمرار الأرباح خلال السنوات الأخيرة من خلال التركيز على إنتاج الأفلام الكبيرة الرائجة والقائمة على الملكيات الفكرية المعروفة، ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى أن مثل هذه الأفلام تدعم أعمال الكثير من الشركات الفرعية، وتكاد تكون من الوسائل المضمونة لجذب الناس على دور السينما. وتعتبر سلسلة أفلام «جوارسيك وورلد» من أبرز الأمثلة على ذلك. فهي تعتبر من أدوات التسويق الكبيرة، وتعتمد عليها شركة «يونيفرسال» بصورة كبيرة في إعادة الحياة إلى الحدائق الترفيهية المتعثرة لديها. ويجري في الآونة الراهنة إنشاء حديقة جديدة تحت اسم «فيلوسي كوستر» في منتجع شركة «يونيفرسال» الترفيهي في مدينة أورلاندو بولاية فلوريدا.
لا تزال حالات الإصابة بالفيروس المستجد مرتفعة للغاية في مقاطعة لوس أنجليس – وعدد الاختبارات المتاحة راهناً منخفض للغاية؛ الأمر الذي يعيق المُضي قدماً على سبل إنتاج الأفلام السينمائية الكبيرة. ولقد توقف تصوير فيلم سينمائي جديد من بطولة النجم بن أفليك قبل خمسة أسابيع فقط من بدء التصوير بسبب الإغلاق العام الناتج من انتشار الفيروس. ولقد فكر المنتجون في مواصلة العمل في مدينة أوستن بولاية تكساس – بدلاً من لوس أنجليس – لكن ارتفاع حالات الإصابة هناك حال دون ذلك أيضاً.
والآن، يحاول مارك جيل، منتج الفيلم التفكير في نقل التصوير إلى لندن، وهو يقول عن ذلك «يكاد يكون من المستحيل بصورة افتراضية تصوير أي فيلم في أي مكان داخل الولايات المتحدة الأميركية في الآونة الراهنة».
ولقد تخيرت شركة «يونيفرسال» الانتقال بطاقم تصوير فيلم «جوراسيك وورلد: دومينيون» الجديد إلى المملكة المتحدة؛ لأن الفيلم – على الرغم من أنه من أفلام الحركة والمغامرات بصورة كبيرة – فإنه يستلزم في الوقت نفسه وجود مواقع حقيقية وطبيعية، والحد الأدنى من الملحقات، مع فريق التمثيل والتصوير الصغير نسبياً. ولقد بدأت الشركة في إنتاج الفيلم في المملكة المتحدة قبل وقت قصير من الإغلاق الناتج عن انتشار الوباء؛ الأمر الذي سهل كثيراً من الشروع في العمل والعودة إليه سريعاً.
وتضمنت محاولة إيجاد بيئة آمنة إجراء أكثر من 18 ألف اختبار للفيروس، وإقامة 150 محطة لتطهير وتعقيم الأيادي. وقال الأشخاص المشاركون في إنتاج الفيلم، إن التكاليف ذات الصلة بتنفيذ بروتوكولات الصحة والسلامة وصلت إلى 9 ملايين دولار حتى الآن، وهي تشمل نفقات تأجير فندق بأكمله خلال فترة التصوير.
وقال المخرج تريفورو «بالنسبة إلى لورا ديرن، وسام نيل، وجيف غولدبلوم، والممثلين الآخرين كافة، فلقد كانوا يتوخون الكثير من الحذر والحيطة لأمرهم. ولكن العلم بأننا سوف نكون جميعاً بأمان سوياً هو ما دفعنا إلى العمل فعلياً. فإن لم يكونوا مستعدين للمجيء والعمل، لما استطعنا البدء في أي شيء».
ولقد خضع الأفراد المشاركون في عملية الإنتاج للحجر الصحي لمدة 14 يوماً كاملة فور وصولهم إلى المملكة المتحدة. وبعد ذلك، صاروا أحراراً في التحرك كما يروق لهم بين أروقة الفندق. وكان ارتداء الكمامات الواقية اختيارياً بينهم، وزالت تماماً معايير التباعد الاجتماعي بعد مغادرة الحجر الصحي. (ومع ذلك، يجري إجراء الاختبار على كل موظفي الفندق ثلاث مرات في الأسبوع). ويتناول الناس وجبة الإفطار سوياً، ويذهبون إلى صالة الألعاب الرياضية (في وجود المدرب الافتراضي)، وإلى المسبح، ويمارسون بعض الرياضات في حديقة الفندق كلما سمحت الظروف. ولقد سافر بعض الممثلين رفقة مساعدي الكوافير والمكياج. كما اصطحب الممثل غولدبلوم زوجته، وطفليه الصغيرين، والمربيتين كذلك.
يقول المخرج تريفورو، الذي تشارك في كتابة السيناريو مع السيناريست إميلي كارمايكل «نجري البروفات في يوم الأحد من كل أسبوع عن كل مشهد نعتزم تصويره في ذلك الأسبوع. كما نجري بروفات الحوار سوياً. ونراجع الأسئلة كافة التي تُطرح في المعتاد، مثل: لماذا تقول شخصية الفيلم هذا الحوار؟ فلا بد من تناول كل هذه الأمور مسبقاً قبل البدء في التصوير الفعلي».
لقد تأكدت إصابة أربعة من طاقم العمل في بريطانيا بفيروس كورونا المستجد منذ أول يوليو الماضي. وكان اثنان منهم لم يصلا إلى الاستوديو بعد. ولقد جرى عزلهما في الحجر الصحي لمدة أسبوعين. ثم سمحنا لهم بالعودة إلى العمل بعد إجراء ثلاث اختبارات سلبية أخرى. ثم خضع العاملان الآخران للحجر الصحي، وكذلك كل من كانوا على اتصال بهم. ولم تظهر أعراض المرض الخطيرة على أي منهم كما أفاد الاستوديو. (ومن بين أفراد طاقم العمل الذين تم إرسالهم إلى مالطا مسبقاً، كانت اختبارات 4 منهم إيجابية للفيروس. ولقد خضعوا جميعاً للعزل والحجر الصحي منذ ذلك الحين).
قالت الممثلة هوارد عن ذلك «بعد الوصول إلى الاستوديو وبدء العمل، نأمل جميعاً أن تبقى بروتوكولات الأمان والسلامة قيد الاحترام والتطبيق. وذلك لأنها تحسينات على الأوضاع الراهنة. وليست هناك تكرارات لا طائل منها، ولا يوجد ما يسبب الإزعاج لأي شخص بيننا. بل إنها من معايير السلامة التي لا تزال تبدو فكرة من الأفكار الجيدة للغاية في عالم ما بعد التوصل إلى لقاح فيروس كورونا المستجد».


مقالات ذات صلة

محمد سامي: السينما تحتاج إلى إبهار بصري يُنافس التلفزيون

يوميات الشرق المخرج محمد سامي في جلسة حوارية خلال خامس أيام «البحر الأحمر» (غيتي)

محمد سامي: السينما تحتاج إلى إبهار بصري يُنافس التلفزيون

تعلَّم محمد سامي من الأخطاء وعمل بوعي على تطوير جميع عناصر الإنتاج، من الصورة إلى الكتابة، ما أسهم في تقديم تجربة درامية تلفزيونية قريبة من الشكل السينمائي.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين رئيس في مشهد من فيلم «الفستان الأبيض» (الشركة المنتجة)

لماذا لا تصمد «أفلام المهرجانات» المصرية في دور العرض؟

رغم تباين ردود الفعل النقدية حول عدد من الأفلام التي تشارك في المهرجانات السينمائية، التي تُعلي الجانب الفني على التجاري، فإن غالبيتها لا تصمد في دور العرض.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق الفنانة الأردنية ركين سعد (الشرق الأوسط)

الفنانة الأردنية ركين سعد: السينما السعودية تكشف عن مواهب واعدة

أكدت الفنانة الأردنية ركين سعد أن سيناريو فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو»، الذي عُرض بمهرجان البحر الأحمر السينمائي، استحوذ عليها بمجرد قراءته.

انتصار دردير (جدة )
يوميات الشرق إيني إيدو ترى أنّ السينما توحّد الشعوب (البحر الأحمر)

نجمة «نوليوود» إيني إيدو لـ«الشرق الأوسط»: السينما توحّدنا وفخورة بالانفتاح السعودي

إيني إيدو التي تستعدّ حالياً لتصوير فيلمها الجديد مع طاقم نيجيري بالكامل، تبدو متفائلة حيال مستقبل السينما في بلادها، وهي صناعة تكاد تبلغ الأعوام الـ40.

إيمان الخطاف (جدة)
سينما بدء تصوير فيلم «ساري وأميرة» (كتارا)

إعلان أول فيلم روائي قطري بمهرجان «البحر الأحمر»

يأتي فيلم «سعود وينه؟» بمشاركة طاقم تمثيل قطري بالكامل؛ مما يمزج بين المواهب المحلية وقصة ذات بُعد عالمي.

«الشرق الأوسط» (جدة)

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».