رحيل الفنانة شويكار... «دلوعة» السينما المصرية

تركت إرثاً من الأعمال السينمائية والمسرحية والتلفزيونية يزيد على 170 عملاً

الفنانة شويكار في ستينات القرن الماضي
الفنانة شويكار في ستينات القرن الماضي
TT

رحيل الفنانة شويكار... «دلوعة» السينما المصرية

الفنانة شويكار في ستينات القرن الماضي
الفنانة شويكار في ستينات القرن الماضي

جددت وفاة الفنانة المصرية شويكار والمطرب والرسام سمير الإسكندراني أحزان الوسط الفني في مصر، بعد رحيلهما أمس عن عمر يناهز 82 عاماً لكل منهما. الممثلة المصرية وذات الجذور التركية شويكار، والمولودة في مدينة الإسكندرية عام 1938. بدأت في خوض تجربة التمثيل منذ مطلع ستينيات القرن الماضي، وصارت من أكثر الفنانات جماهيرية في مصر والعالم العربي، حتى لقبت بـ«دلوعة السينما المصرية»، خصوصاً في الأعمال التي شاركت فيها مع الفنان الراحل فؤاد المهندس، على غرار «أخطر رجل في العالم»، «شنبو في المصيدة»، «أرض النفاق»، «سفاح النساء»، بجانب المسرحيات التي قامت ببطولتها «أنا وهو وهي»، «سيدتي الجميلة»، «أنا فين وإنتي فين»)، كما شاركت شويكار في أفلام «الكرنك»، «السقا مات»، «فيفا زلاطا»، «طائر الليل الحزين»، «أميركا شيكا بيكا»، بالإضافة إلى عدد من الأعمال التلفزيونية مثل «امرأة من زمن الحب»، «هوانم جاردن سيتي»، «بنت من شبرا».
ونعت نقابة المهن التمثيلية، الفنانة الكبيرة، أمس، بجانب عدد من الفنانين المصريين الذين عبروا عن حزنهم بعد سماع خبر وفاتها في نفس اليوم الذي شيعت فيه جنازة الفنان سمير الإسكندراني، ووصفوا شويكار بأنها «فنانة عظيمة من روائح الزمن الجميل».
كما أعربت الفنانة ميرفت أمين عن صدمتها بعد سماع خبر وفاة شويكار، وقالت في تصريحات صحافية أمس إن «وفاة صديقتي الفنانة شويكار زاد من أحزاني، خصوصاً بعد رحيل صديقتي الأولى الفنانة رجاء الجداوي، الشهر الماضي». كما نعتها الفنانة المصرية الشابة منة شلبي عبر حسابها على «تويتر»: «ستظلين في قلوبنا بكل بهجة وحب... الزمن الجميل يفارقنا».
وتركت الفنانة شويكار إرثا كبيراً من الأعمال السينمائية والمسرحية والتلفزيونية يزيد عن 170 عملاً، فيما كان الفيلم الكوميدي «كلمني شكراً»، آخر الأعمال التي ظهرت فيها الفنانة شويكار وجسدت فيه دور والدة «توشكا» عمرو عبد الجليل بطل العمل، ونالت إشادات عدة بسبب هذا الدور الذي أعادها إلى التألق السينمائي، بعد سنوات من الاختفاء، فيما كان مسلسل «سر علني» آخر المسلسلات التي شاركت فيها الفنانة الراحلة، مع غادة عادل وإياد نصار ومايا نصري وأحمد فهمي عام 2012.
وتزوجت الفنانة الراحلة 3 مرات... المرة الأولى من المحاسب حسن نافع، وبعد وفاته تزوجت الفنان فؤاد المهندس الذي قدمت معه واحدة من أجمل الثنائيات الفنية في تاريخ السينما المصرية قبل انفصالهما، وزواجها من مدحت يوسف.
«أنا دمي خفيف وربنا خلقني كدا، وعائلتي كلها دمهم خفيف، وهذا ما ساعدني على المشاركة في الأعمال الكوميدية»، هذا ما قالته شويكار خلال ردها على سر تألقها في هذا النوع الصعب من الفن، مؤكدة أن «الأدوار الكوميدية للنساء تستدعي خفة الدم إلى جانب الموهبة، حتى تستطيع الممثلة أن تحظى بإعجاب المشاهدين، وتحقق نجاحاً لا تنساه ذاكرة الفن».
وتميزت شويكار بأدوارها المتنوعة والمختلفة وعدم تصنيفها في قالب فني واحد فقدمت الأدوار التراجيدية والكوميدية، والشريرة، وأكدت خلال الأيام الأخيرة من عمرها عدم اعتزالها الفن حتى لو ابتعدت عنه فترة طويلة قائلة: «أنا لا أحب كلمة الاعتزال أبداً، وأشعر أنها ثقيلة على أي فنان، أنا إنسانة أحب الفن ولا يمكن أن أعتزل، بالعكس سأعود للتمثيل بمجرد أن تتحسن حالتي الصحية بشكل كامل، وأستطيع الوقوف أمام الكاميرا، وفي نفس الوقت أجد دوراً جيداً ومناسبا يحمسني للعودة وأقدم من خلاله رسالة معينة».
وثمنت شويكار اهتمام الفنانين ووسائل الإعلام بحالتها الصحية وقالت في أحد التصريحات «شعرت بأن حب الناس لا يقدر بثمن».
كما شيعت أمس جنازة المطرب والرسام سمير الإسكندراني، أحد أشهر رجال الأغنية الوطنية المصرية، والمعروف بلقب «ثعلب المخابرات المصرية» من مسجد السيدة نفيسة بحضور ابنتيه وشقيقه وعدد من أفراد أسرته ومحبيه. وتُوفي الاسكندراني بعد صراع مع المرض عن عمر يناهز 82 عاماً أيضاً.
ووصف الفنان محمد صبحي، الإسكندراني بأنه «ثعلب المخابرات المصرية، ومطرب مثقف وراقٍ وصاحب حنجرة رائعة». كما نعته الدكتورة سعاد شوقي رئيس المركز القومي للسينما، وقالت في بيان صحافي إن «الراحل كان رمزاً للفن المصري الأصيل ومثالا للفنان المثقف المستنير صاحب الصوت المتميز الرائع الذي سيظل محفوراً في أذهاننا جميعاً، وستظل أعماله واحدة من تراث الثقافة المصرية».
وأجاد الفنان المصري المولود في حي الغورية (وسط القاهرة) عام 1938، الغناء باللغة الإيطالية والإنجليزية والفرنسية قائلاً: «الفن الغربي والشرقي اختلطا بداخلي من دون صراع وأن الحب كان دافعه لدراسة اللغة الإيطالية».
وللفنان الراحل العديد من الأغاني الشهيرة من بينها «مين اللي قال» و«طالعة من بيت أبوها»، و«في حب مصر»، وتعرض في شهوره الأخيرة لموجة من الشائعات تؤكد وفاته قبل أن يخرج في أحد البرامج التلفزيونية ليؤكد أنه على قيد الحياة ويعبر عن ضيقه وأسرته من هذه الشائعات.
وشارك الإسكندراني ممثلاً في أفلام «دقات علي بابا» عام 1989. ومسلسل «الوليمة» 1979. كما شارك مطربا في الجزء الأول والثاني من مسلسل «الطاحونة»، ومسلسل «الحب والرحيل»، في ثمانينات القرن الماضي.
وودعت مصر الأربعاء الماضي الفنان الكبير سناء شافع، بعد مرور أكثر من شهر على رحيل الفنانة رجاء الجداوي، والفنان محمود رضا اللذين توفيا في شهر يوليو (تموز) الماضي.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».