ليبيا: «جيوش المرتزقة» تُربك المفاوضات الدولية لحل سياسي

وسط ملامح تغيّر في أولويات أطراف كبار

ليبيا: «جيوش المرتزقة» تُربك المفاوضات الدولية لحل سياسي
TT

ليبيا: «جيوش المرتزقة» تُربك المفاوضات الدولية لحل سياسي

ليبيا: «جيوش المرتزقة» تُربك المفاوضات الدولية لحل سياسي

«كل الطرق تؤدي إلى روما»، عبارة قد تنطبق أيضاً على مدينة سرت الاستراتيجية على ساحل ليبيا بالنظر إلى موقعها الجغرافي المتميز. فإلى سرت تؤدي تقريباً المسارات المتعددة للمفاوضات الدولية والإقليمية السرّية الجارية، على أمل التوصل إلى اتفاق لحل سياسي يمنع اندلاع حرب بين طرفي النزاع في البلاد حول استعادة السيطرة على سرت.
وبينما لا تتوقف قوات «حكومة الوفاق» التي يترأسها فائز السراج في العاصمة طرابلس، عن تأكيد جاهزيتها لانتزاع المدينة من قبضة قوات «الجيش الوطني» بقيادة المشير خليفة حفتر، فإن التصعيد العسكري والتلاسن الإعلامي شبه اليومي بين الطرفين لا يعكس أبداً وتيرة المفاوضات غير المعلنة التي اقتربت على ما يبدو من إمكانية إبرام اتفاق ما.

يتوقع عدد من الخبراء أن تصبح ليبيا الدولة التي تشهد أكبر عدد من «الحروب بالوكالة» خلال الفترة المقبلة، وبخاصة، من خلال العديد من المرتزقة من مختلف الجنسيات والعرقيات، الذين يُزج بهم هناك، ما سيكون له تأثير في إرباك المفاوضات الدولية للبحث عن حل سياسي.
الولايات المتحدة، التي دخلت أخيراً بقوة على خط الأزمة الليبية، تطرح حلاً مبتكراً لا يقضي فقط بتحييد سرت عن الصراع، بل بتحويلها أيضاً من بؤرة توتر إلى حاضنة لسلطة جديدة ما زالت في «علم الغيب».
ولقد لخص الموقف دبلوماسي غربي كان في ليبيا وتقاعد أخيراً إذ قال: «الدولة الليبية باتت منهكة تماماً. والمخطط الذي مضى بعد سقوط النظام السابق لم يعد مقبولاً بعد مرور 9 سنوات من الانتفاضة الشعبية ضد العقيد الراحل معمر القذافى عام 2011».
وأضاف الدبلوماسي - مشترطاً إغفال اسمه - «الحل الأميركي المعلن هو تصفير المشاكل، بمعنى خروج طرفي الأزمة من المشهد برمّته. والكلام هنا لا يخصّ المشير حفتر فقط وإنما أيضاً السراج. الراعي الأميركي يقول باختصار اللعبة انتهت، وحان وقت الرحيل».
من جهة أخرى، يعتقد مقربون من حفتر أن في هذا الطرح «غبناً واضحاً» لتاريخ الرجل «الذي انتشل المؤسسة العسكرية الليبية من الركام، ومن تحت أنقاض المواجهة التي جرت مع الآلة العسكرية لحلف شمال الأطلسي (ناتو) عام 2011»، ويجادلون بأنه معّين من قبل مجلس النواب الوحيد، صاحب الشرعية الحقيقية في البلاد.

مشكلة المشير حفتر
ولكن رغم دور حفتر في مكافحة الإرهاب ومواجهة «الميليشيات المتطرفة» والعصابات المسلحة الإجرامية في شرق وجنوب ليبيا، تبقى فكرة «حمله للجنسية الأميركية وبقائه في الأراضي الأميركية لمدة ربع قرن في غير صالحه هذه الأيام». وهنا يقول أحد مساعديه «مشكلته (حفتر) الواضحة أنه عنيد وصعب المراس، وليس بالشخص الذي يقبل أسلوب عقد الصفقات مع الأعداء أو الطرف الآخر في أي مواجهة». ويتابع «في كل المؤتمرات الدولية والإقليمية التي عقدت على مدى السنوات الثلاث الماضية، كان بإمكانه إبرام صفقة، لكنه فضّل المواجهة إلى نهاية المطاف».
نهاية المطاف تلك، تبدو في معركة خاسرة بحجم السيطرة على العاصمة طرابلس، يعترف قائد ميداني بـ«الجيش الوطني» بأن «النصر لم يكن مواتياً لاعتبارات كثيرة».
وأضاف القائد الذي طالب حجب هويته «كانت هناك مشاكل بالجملة لا داعي للخوض فيها الآن وليست في الصالح العام. لكن وكنموذج فقد اتجهت قوات الجيش إلى العاصمة وهي معصوبة العينين، لا ترى». ثم شرح قائلاً: «كنا نتصور أن لدينا معلومات من الداخل وأن لدينا أنصاراً هناك. لكن الواقع برهن على أن ذلك كله كان مبالغة وضربا من الخيال. الأمور لم تكن تسير كما نرجو». وأضاف «في غياب المعلومات لا يمكنك أبداً أن تحقق انتصاراً. لم يكن لدينا جهاز استخبارات قوي، ولم ننجح في استمالة سكان المدينة سواء قبل التحرك أو بعده. بالطبع لدى الجيش من يؤيده فعلاً لكن عددهم محدود وتأثيرهم ضعيف».
هنا - تحديداً - تبدو فكرة الخلايا النائمة لـ«الجيش الوطني» داخل العاصمة طرابلس محض خيال ومبالغة فجة. ويتفق دبلوماسيون غربيون كانوا في طرابلس مع هذا الطرح. يقول أحدهم: «لا يوجد تفسير معلن لما حدث ولم يتطرق إليه أحد من قبل. ربما كانت لحظة إقليمية ودولية مواتية لم يستطع (الجيش الوطني) اغتنامها لصالحه. الآن تبدّلت الأحوال ولم تعد تلك اللحظة قائمة، والدليل أن ريتشارد نورلاند، السفير الأميركي لدى ليبيا، يجوب العواصم الإقليمية مروّجاً لحل سياسي يحمل بصمات تركيا وحكومة السراج». وفي البنود المعلنة من صفقة توشك على الاكتمال، «سيتخلى حفتر عن سرت، وإلا اندلعت الحرب»!

عقيلة صالح... صاعد
في هذه الأثناء، يقول مقرّب من المستشار عقيلة صالح، رئيس البرلمان الليبي، الذي يلمع نجمه على حساب حفتر، «صالح هو رجل المرحلة، هناك تفاهم دولي وإقليمي عليه الآن... بعد انسحاب الجيش من طرابلس ووقف المعارك في هدنة غير معلنة، طرح الأميركيون الفكرة ببساطة: رحيل طرفي الأزمة وتقديم تنازلات متبادلة». وتابع «لا أعرف إلى أي مدى سيجري تطوير تلك الفكرة بحيث تكون قابلة للتنفيذ الفعلي، لكن بشكل عام، دور حفتر يتراجع نسبياً ونفوذه يتقلّص».
ومن ثم، لخصّ المقرّب من صالح الأزمة بالقول إنه ثمة حديث متواتر عن خلافات متصاعدة بين القائدين الأعلى والعام لـ«الجيش الوطني» وتراكمات تسببت فيها تصرفات بعض مساعديهما.

مجموعة «فاغنر» الروسية
على صعيد آخر، جانب من الأزمة غير المعلنة يتمثّل بوجود عناصر من مجموعة «فاغنر» الروسية لدعم قوات «الجيش الوطني». صحيح أن هذا الوجود معترف به فقط من قبل حفتر باعتبار هؤلاء مجرّد فنيين لتقديم المساعدة على صيانة وإصلاح القطع الحربية الروسية التي يمتلكها «الجيش الوطني» وتشكّل العمود الفقري لقواته البالغ تعدادها نحو 65 ألف مقاتل نظامي. غير أن الضغوط الأميركية المتصاعدة ضد هذا الوجود أسفرت عن تراجع روسي محدود ومشروط.
وفي هذا السياق، صرّحت مصادر على صلة بما جرى، لـ«الشرق الأوسط» بأنه في أحد الاجتماعات حضر مدير «فاغنر» شخصياً، وتم التفاهم على انسحاب عناصر المجموعة من سرت والهلال النفطي، لتفادي حدوث مواجهة عسكرية بين تركيا وروسيا، إذا ما دخل الأتراك وقوات «الوفاق» بالقوة إلى هذه المواقع الحيوية. لكن ما حدث هو أيضاً تعاظم التفاهم التركي - الأميركي في الملف الليبي، فالمعلومات التي تشير إليها أوساط ليبية وغربية، تقول بوضوح إن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان عرض على نظيره الأميركي دونالد ترمب صفقة مغرية، تتراوح بين 200 و300 مليار دولار هي عبارة عن: استثمارات في ليبيا، وإعادة إعمار البنية التحتية في طرابلس وغرب ليبيا بجميع التقنيات الحديثة ومنها حتى المطارات والطرق والفنادق، والبند الآخر تجهيز الجيش الليبي الجديد بالمعدّات التركية في المدة نفسها.
وحول «التفاهمات» التي تجرى منذ بضعة أسابيع بعيداً عن أعين وسائل الإعلام في عدة عواصم دولية وإقليمية، علّق مصدر ليبي مطلع على ما يدور في الكواليس «قرع الطبول حول سرت، هو تكتيك للمفاوضات، وليس إعلاناً بشن حرب وشيكة». وتابع المصدر، الذي طلب أيضاً إغفال اسمه أن «الهاجس الأكبر في المفاوضات هو النفط، ثم النفط، ثم النفط. إلى ما لا نهاية يمكنك أن تكرّر هذا التعبير مطمئناً، فالجميع يريده الآن وعلى الفور».

النفط... ثم النفط... ثم النفط
ما قاله المصدر تعكسه، حقاً، البيانات الأميركية والغربية وتصريحات «حكومة الوفاق» ومؤسسة النفط الموالية لها. إذ ثمة رغبة أميركية ملّحة باتت معلنة في الفترة الأخيرة، بأن يعيد حفتر تسليم موانئ وحقول النفط الخاضعة لسيطرته إلى «الوفاق» عبر مؤسسة النفط، التي يتهمها حفتر بأنها تحولت إلى بيت مال لتمويل «الإرهاب التركي» ونشاطات الميليشيات و«المرتزقة» على حساب جموع الشعب الليبي. ويعتقد الأميركيون جازمين أن حفتر، يمتلك أيضا مفتاح النفط.
حفتر لا ينفي الأمر، لكنه يُدرجه في إطار الاستجابة لحراك شعبي وطلب من القبائل الليبية الموالية لـ«الجيش الوطني» في عموم البلاد، بحماية قُوت الشعب الليبي ومصدر دخله من أن يتسرّب إلى أنقرة أو عملائها من المرتزقة والميليشيات. ويضع حفتر شروطاً، بعضها مقبول ويجرى تنفيذه، وبعضها الآخر مرفوض، وهنا تكمن المشكلة، حيث التفاصيل التي يقبع فيها الشيطان.
من وجهة نظره، يرى محمد البرغثي، وزير الدفاع الليبي الأسبق، أن إعلان إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، التزامها الحياد «لن يغيّر في الأمر شيئا... يجب إجبار تركيا على الخروج من ليبيا ومرتزقتها الذين جلبتهم دون قيد أو شرط». ثم قال: «لم أقرأ موقف أميركا الجدي من غزو تركيا للعاصمة وجلبها للمرتزقة وهجومها على وحدات الجيش حول طرابلس وترهونة، وموقف مصر لم يأت من فراغ عندما صرح رئيسها أن سرت والجفرة خط أحمر، عندما اتضحت أطماع الأتراك في احتلال منطقة الهلال النفطي». وأضاف «يقوم الجيش الآن بالتحشيد لصد هذا الهجوم المحتمل، واثقا من أن موقف مصر لن يتغير رغم الضغوط الأميركية».
يعتقد البرغثي أن الحل العسكري هو الطريق لمنع تركيا من تحقيق أطماعها، متفقاً مع مقولة إنه «ما لم يذق إردوغان طعم الهزيمة، فإنه لن يتوقف... وما أوقف تقدمهم (الأتراك) هو موقف مصر لا غير».
إلا أن السؤال الأهم هو هل تستطيع قوات «الجيش الوطني» الصمود في مواجهة تركيا؟ يرى البرغثي أن ذلك ممكن «إذا وقفت معه مصر فهو يدافع عن وجوده، ثم إن تاريخ تركيا أسود من الاستعمار الإيطالي». قبل أن يقول: «ورأيي كعسكري أن مصر قادرة على الدفاع عن ليبيا من الهجوم التركي لوجودها على حدود ليبيا الشرقية وتفوق السلاح البحري المصري على التركي، وقرب استخدام اليد الطولى وهو السلاح الجوي المصري».

حسابات عسكرية
رغم التقديرات المرتفعة لإجمالي عدد المرتزقة الذين جلبتهم تركيا للقتال في ليبيا، يقلل حفتر من خطورتهم، مركّزاً في المقابل على «العدو التركي». وخلال الأسبوع الماضي خاطب حفتر عناصر «السرية العاشرة» التابعة لـ«كتيبة طارق بن زياد» المقاتلة، قائلا: «أجدادنا ذاقوا المرارة من الاستعمار التركي... وأشبعوا أهلنا قتلاً وسلباً، وهذا (المعتوه) - في إشارة إلى الرئيس التركي - جاء للمرة الثانية يبحث عن موروث أجداده، لا نقبل مرة أخرى أن يأتينا تركي متخلف بغيض». وتابع «نحن لا نحب أن نرى تركياً يمشي على قدميه (على الأراضي الليبية). لا رحمة في مواجهتهم، لأنهم لا يستحقون الرحمة، أذاقوا أهلنا كل العذاب الأسود». فقد زاد الحديث عن تصاعد أعداد وجود المرتزقة في ليبيا حتى تحولت الدولة الليبية إلى أكبر ميدان للمعارك العسكرية على مستوى العالم.
وتوقع عبد الواحد أن تصبح ليبيا أكبر دولة بها حروب بالوكالة في الفترة المقبلة خاصة من خلال العديد من قوات المرتزقة، من مختلف الجنسيات والعرقيات، سواء تلك التي جاءت من قبل طرفي الصراع في ليبيا أو قوات دولية وإقليمية متورطة بشكل مباشر في الأزمة الليبية. ويستند عبد الواحد إلى ما يقوله تقرير الأمم المتحدة بشأن وجود حوالي ألف من «المرتزقة الروس» يدعمون حفتر ونحو ألفين من الجنجويد وألفين من «مرتزقة» آخرين جنّدوا أخيراً من الجانب السوري، مقابل تجنيد تركيا لآلاف «المرتزقة من سوريا».
وللعلم، في ليبيا، فكرة المرتزقة ليست حديثة. والنظام الليبي السابق أيام القذافي استعان بهم لوأد الحراك ضده وهو ما خلف بحسب اللواء عبد الواحد - أزمة أمنية طاحنة في ليبيا بل أيضا بالنسبة لكل الأسلحة التي تم تسريبها وبيعها إلى «جماعات إسلامية».
ويرسم عبد الواحد صورة مخيفة لتأثير وجود المرتزقة لاحقاً على الوضع الليبي، بالنظر إلى أن «تركيا تقدم وعوداً سخية، وتقوم بتسهيل نقلهم بحراً إلى أوروبا بعد انتهاء الحرب وهذه جريمة». ويتوقع أيضاً «زيادة الطلب على (المرتزقة) في الفترة المقبلة في ظل رغبة كل طرف في كسب المعركة لصالحه ودعم وجود أي إدانة دولية، رغم أن هناك اتفاقيات دولية كثيرة لتجريم ذلك».
ويتوافق كلام عبد الواحد، مع تحذير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أخيراً، من أن هناك «مستويات لم يسبق لها مثيل» من التدخلات الأجنبية والمرتزقة في ليبيا.
وحقاً، في شهر يونيو الماضي دعا خبراء أمميون إلى التحقيق في الانتهاكات المتعلقة بأنشطة المرتزقة في ليبيا، وحذروا من أن الاعتماد على الجهات الفاعلة الأجنبية ساهم في تصعيد النزاع الليبي، وقوض احتمالات التوصل إلى حل سلمي، وألقى بتداعيات مأساوية على السكان المحليين.
كذلك أشار الخبراء إلى أن طرفي النزاع اعتمدا على رعايا دول ثالثة لدعم العمليات العسكرية، بما في ذلك الجماعات العسكرية الروسية، و«المرتزقة» من سوريا والسودان وتشاد.

من سوريا وتركيا إلى ليبيا والعكس... «مقاتلون بالوكالة»

> تُعرف الاتفاقية الدولية لمناهضة تجنيد المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم، المرتزق بأنه «أي شخص يجند خصيصاً، محلياً أو في الخارج، للقتال في نزاع مسلح، ويكون دافعه الأساسي للاشتراك في الأعمال العدائية الرغبة في تحقيق مغنم شخصي، ويُبذل له فعلاً من قبَل طرف في النزاع أو باسم هذا الطرف وعد بمكافأة مادية تزيد كَثيراً على ما يوعد به المقاتلون ذوو الرتب والوظائف المماثلة في القوات المسلحة لذلك الطرف أو ما يدفع لهم».
وفى ليبيا، جرى أول اعتراف رسمي بوجود المرتزقة بحكم قضائي في الرابع من شهر يوليو (تموز) 2012 بعدما قضت محكمة ليبية بسجن 24 مرتزقاً من أوكرانيا وبيلاروسيا وروسيا، كما حكمت بالسجن المؤبد على روسي آخر اعتبرته منسقاً لمجموعة المرتزقة الذين حاربوا في صفوف القذافي. ومنذ توقيفهم إثر سقوط طرابلس نهاية أغسطس (آب) 2011 احتجز المتهمون الـ24 في مقر قيادة «كتيبة الثوار» في العاصمة طرابلس. واعتبرهم التحقيق «مرتزقة» قدموا إلى ليبيا ببادرة منهم ودون دعم دولهم، لكنهم لاحقا دفعوا ببراءتهم وزعموا أنهم قدموا للعمل في قطاع النفط.
لكن للقصة جانب آخر، إذ أعلن موسى إبراهيم، المتحدث باسم القذافي - آنذاك - في سبتمبر (أيلول) عام 2011، أن 17 من «المرتزقة» الأجانب أغلبهم فرنسيون ويوجد اثنان إنجليزيان وقطري واحد وشخص من جنسية دولة آسيوية اعتقلوا في مدينة بني وليد. ولاحقا أعلن عن اعتقال الآلاف من الموالين للقذافي منهم المئات من المرتزقة. لكن ثمة من الموالين للنظام السابق يعتبرون هذه البيانات «غير حقيقية»، وكانت تستهدف تشويه القذافي.
من ناحية أخرى، يذكر «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أن إجمالي المرتزقة في صفوف قوات «حكومة الوفاق» بلغ حاليا نحو 17300 من الجنسية السورية بينهم 350 طفلاً دون سن الـ18. وبينما عاد نحو 6 آلاف من مرتزقة الفصائل الموالية لتركيا إلى سوريا، بعد انتهاء عقودهم، بلغ تعداد «المتشددين» الذين وصلوا إلى ليبيا، 10 آلاف، من بينهم 2500 من حملة الجنسية التونسية.
أما القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا «أفريكوم»، فقد عدت مرتزقة «فاغنر» الروس، الذين قالت إنهم يقاتلون مع قوات «الجيش الوطني» بنحو ألفي مقاتل، لكن المتحدث باسمه اللواء أحمد المسماري، ينفي أن تكون هناك عناصر خارجية تقاتل في صفوف الجيش.
ورغم نفي الحكومة الصومالية وجود مقاتلين لها في ليبيا، فإن تقارير تتحدث عن الدفع بالمئات من عناصرها للقتال في صفوف قوات «حكومة الوفاق»، في ظل تحدث تقارير مغايرة عن وجود أعداد من عناصر الجنجويد والتشاديين في صفوف قوات «الجيش الوطني».


مقالات ذات صلة

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

حصاد الأسبوع Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في

فتحية الدخاخني ( القاهرة)
رياضة سعودية السعودية تستمر في تشكيل خريطة مختلف الرياضات العالمية بتنظيم واستضافات غير مسبوقة (الشرق الأوسط)

السعودية ستُشكل خريطة الرياضة العالمية في 2025

شارف عام حافل بالأحداث الرياضية بما في ذلك الألعاب الأولمبية التي حظيت بإشادة واسعة وأربع بطولات قارية لكرة القدم على الانتهاء ومن المتوقع أن يكون عام 2025 أقل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
حصاد الأسبوع فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية بقيادة ميشال بارنييه في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)،

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع خافيير ميلي (أ.ب)

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار

شوقي الريّس (مدريد)

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
TT

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب والمعقّد. ولا شك أن أهم هذه التحوّلات سقوط نظام بشّار الأسد في سوريا، وتراجع النفوذ الإيراني الذي كان له الأثر المباشر في الأزمات التي عاشها لبنان خلال السنوات الأخيرة، وهذا فضلاً عن تداعيات الحرب الإسرائيلية وآثارها التدميرية الناشئة عن «جبهة إسناد» لم تخفف من مأساة غزّة والشعب الفلسطيني من جهة، ولم تجنّب لبنان ويلات الخراب من جهة ثانية.

إذا كانت الحرب الإسرائيلية على لبنان قد انتهت إلى اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية دولية، وإشراف أميركي ـ فرنسي على تطبيق القرار 1701، فإن مشهد ما بعد رحيل الأسد وحلول سلطة بديلة لم يتكوّن بعد.

وربما سيحتاج الأمر إلى بضعة أشهر لتلمُّس التحدّيات الكبرى، التي تبدأ بالتحدّيات السياسية والتي من المفترض أن تشكّل أولوية لدى أي سلطة جديدة في لبنان. وهنا يرى النائب السابق فارس سُعَيد، رئيس «لقاء سيّدة الجبل»، أنه «مع انهيار الوضعية الإيرانية في لبنان وتراجع وظيفة (حزب الله) الإقليمية والسقوط المدوّي لحكم البعث في دمشق، وهذا إضافة إلى الشغور في رئاسة الجمهورية، يبقى التحدّي الأول في لبنان هو ملء ثغرات الدولة من أجل استقامة المؤسسات الدستورية».

وأردف سُعَيد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «بعكس الحال في سوريا، يوجد في لبنان نصّ مرجعي اسمه الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني، وهذا الدستور يجب أن يحترم بما يؤمّن بناء الدولة والانتقال من مرحلة إلى أخرى».

الدستور أولاً

الواقع أنه لا يمكن لمعطيات علاقة متداخلة بين لبنان وسوريا طالت لأكثر من 5 عقود، و«وصاية دمشق» على بيروت ما بين عامَي 1976 و2005 - وصفها بعض معارضي سوريا بـ«الاحتلال» - أن تتبدّل بين ليلة وضحايا على غرار التبدّل المفاجئ والصادم في دمشق. ثم إن حلفاء نظام دمشق الراحل في لبنان ما زالوا يملكون أوراق قوّة، بينها تعطيل الانتخابات الرئاسية منذ 26 شهراً وتقويض كل محاولات بناء الدولة وفتح ورشة الإصلاح.

غير أن المتغيّرات في سوريا، وفي المنطقة، لا بدّ أن تؤسس لواقع لبناني جديد. ووفق النائب السابق سُعَيد: «إذا كان شعارنا في عام 2005 لبنان أولاً، يجب أن يكون العنوان في عام 2024 هو الدستور أولاً»، لافتاً إلى أن «الفارق بين سوريا ولبنان هو أن سوريا لا تملك دستوراً وهي خاضعة فقط للقرار الدولي 2254. في حين بالتجربة اللبنانية يبقى الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني المرجعَين الصالحَين لبناء الدولة، وهذا هو التحدي الأكبر في لبنان».

وشدّد، من ثم، على ضرورة «استكمال بناء المؤسسات الدستورية، خصوصاً في المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها سوريا»، وتابع: «وفي حال دخلت سوريا، لا سمح الله، في مرحلة من الفوضى... فنحن لا نريد أن تنتقل هذه الفوضى إلى لبنان».

العودة للحضن العربي

من جهة ثانية، يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة عمّا كان الوضع عليه في العقود السابقة. ولا يُخفي السياسي اللبناني الدكتور خلدون الشريف، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن لبنان «سيتأثّر بالتحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة، وحتميّة انعكاس ما حصل في سوريا على لبنان». ويلفت إلى أن «ما حصل في سوريا أدّى إلى تغيير حقيقي في جيوبوليتيك المنطقة، وسيكون له انعكاسات حتمية، ليس على لبنان فحسب، بل على المشرق العربي والشرق الأوسط برمته أيضاً».

الاستحقاق الرئاسي

في سياق موازٍ، قبل 3 أسابيع من موعد جلسة انتخاب الرئيس التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه برّي في التاسع من يناير (كانون الثاني) المقبل، لم تتفق الكتل النيابية حتى الآن على اسم مرشّح واحد يحظى بأكثرية توصله إلى قصر بعبدا.

وهنا، يرى الشريف أنه بقدر أهمية عودة لبنان إلى موقعه الطبيعي في العالم العربي، ثمّة حاجة ماسّة لعودة العرب إلى لبنان، قائلاً: «إعادة لبنان إلى العرب مسألة مهمّة للغاية، شرط ألّا يعادي أي دولة إقليمية عربية... فلدى لبنان والعرب عدوّ واحد هو إسرائيل التي تعتدي على البشر والحجر». وبغض النظر عن حتميّة بناء علاقات سياسية صحيحة ومتكافئة مع سوريا الجديدة، يلفت الشريف إلى أهمية «الدفع للتعاطي معها بإيجابية وانفتاح وفتح حوار مباشر حول موضوع النازحين والشراكة الاقتصادية وتفعيل المصالح المشتركة... ويمكن للبلدين، إذا ما حَسُنت النيّات، أن يشكلّا نموذجاً مميزاً للتعاون والتنافس تحت سقف الشراكة».

يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة

النهوض الاقتصادي

وحقاً، يمثّل الملفّ الاقتصادي عنواناً رئيساً للبنان الجديد؛ إذ إن بناء الاقتصاد القوي يبقى المعيار الأساس لبناء الدولة واستقرارها، وعودتها إلى دورها الطبيعي. وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال الوزير السابق محمد شقير، رئيس الهيئات الاقتصادية في لبنان، إن «النهوض الاقتصادي يتطلّب إقرار مجموعة من القوانين والتشريعات التي تستجلب الاستثمارات وتشجّع على استقطاب رؤوس الأموال، على أن يتصدّر الورشة التشريعية قانون الجمارك وقانون ضرائب عصري وقانون الضمان الاجتماعي».

شقير يشدّد على أهمية «إعادة هيكلة القطاع المصرفي؛ إذ لا اقتصاد من دون قطاع مصرفي». ويشير إلى أهمية «ضبط التهريب على كل طول الحدود البحرية والبرّية، علماً بأن هذا الأمر بات أسهل مع سقوط النظام السوري، الذي طالما شكّل عائقاً رئيساً أمام كل محاولات إغلاق المعابر غير الشرعية ووقف التهريب، الذي تسبب بخسائر هائلة في ميزانية الدولة، بالإضافة إلى وضع حدّ للمؤسسات غير الشرعية التي تنافس المؤسسات الشرعية وتؤثر عليها».

نقطة جمارك المصنع اللبنانية على الحدود مع سوريا (آ ف ب)

لبنان ودول الخليج

يُذكر أن الفوضى في الأسواق اللبنانية أدت إلى تراجع قدرات الدولة، ما كان سبباً في الانهيار الاقتصادي والمالي، ولذا يجدد شقير دعوته إلى «وضع حدّ للقطاع الاقتصادي السوري الذي ينشط في لبنان بخلاف الأنظمة والقوانين، والذي أثّر سلباً على النمو، ولا مانع من قوننة ليعمل بطريقة شرعية ووفق القوانين اللبنانية المرعية الإجراء». لكنه يعبّر عن تفاؤله بمستقبل لبنان السياسي والاقتصادي، قائلاً: «لا يمكن للبنان أن ينهض من دون علاقات طيّبة وسليمة مع العالم العربي، خصوصاً دول الخليج... ويجب أن تكون المهمّة الأولى للحكومة الجديدة ترسيخ العلاقات الجيّدة مع دول الخليج العربي، ولا سيما المملكة العربية السعودية التي طالما أمّنت للبنان الدعم السياسي والاقتصادي والمالي».

ضبط السلاح

على صعيد آخر، تشكّل الملفات الأمنية والعسكرية سمة المرحلة المقبلة، بخاصةٍ بعد التزام لبنان فرض سلطة الدولة على كامل أراضيها تطبيقاً للدستور والقرارات الدولية. ويعتبر الخبير العسكري والأمني العميد الركن فادي داوود، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «تنفيذ القرار 1701 ومراقبة تعاطيها مع مكوّنات المجتمع اللبناني التي تحمل السلاح، هو التحدّي الأكبر أمام المؤسسات العسكرية والأمنية». ويوضح أن «ضبط الحدود والمعابر البرية مع سوريا وإسرائيل مسألة بالغة الدقة، سيما في ظل المستجدات التي تشهدها سوريا، وعدم معرفة القوة التي ستمسك بالأمن على الجانب السوري».

مكافحة المخدِّرات

وبأهمية ضبط الحدود ومنع الاختراق الأمني عبرها، يظل الوضع الداخلي تحت المجهر في ظلّ انتشار السلاح لدى معظم الأحزاب والفئات والمناطق اللبنانية، وهنا يوضح داوود أن «تفلّت السلاح في الداخل يتطلّب خطة أمنية ينفّذها الجيش والأجهزة الأمنية كافة». ويشرح أن «وضع المخيمات الفلسطينية يجب أن يبقى تحت رقابة الدولة ومنع تسرّب السلاح خارجها، إلى حين الحلّ النهائي والدائم لانتشار السلاح والمسلحين في جميع المخيمات»، منبهاً إلى «معضلة أمنية أساسية تتمثّل بمكافحة المخدرات تصنيعاً وترويجاً وتصديراً، سيما وأن هناك مناطق معروفة كانت أشبه بمحميات أمنية لعصابات المخدرات».

حقائق

علاقات لبنان مع سوريا... نصف قرن من الهيمنة

شهدت العلاقات اللبنانية - السورية العديد من المحطات والاستحقاقات، صبّت بمعظمها في مصلحة النظام السوري ومكّنته من إحكام قبضته على كلّ شاردة وواردة. وإذا كان نفوذ دمشق تصاعد منذ دخول جيشها لبنان في عام 1976، فإن جريمة اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب رينيه معوض في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1989 - أي يوم عيد الاستقلال - شكّلت رسالة. واستهدفت الجريمة ليس فقط الرئيس الذي أطلق مرحلة الشروع في تطبيق «اتفاق الطائف»، وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها وحلّ كل الميليشيات المسلّحة وتسليم سلاحها للدولة، بل أيضاً كلّ من كان يحلم ببناء دولة ذات سيادة متحررة من الوصاية. ولكنْ ما إن وُضع «اتفاق الطائف» موضع التنفيذ، بدءاً بوحدانية قرار الدولة، أصرّ حافظ الأسد على استثناء سلاح «حزب الله» والتنظيمات الفلسطينية الموالية لدمشق، بوصفه «سلاح المقاومة لتحرير الأراضي اللبنانية المحتلّة» ولإبقائه عامل توتر يستخدمه عند الضرورة. ثم نسف الأسد «الأب» قرار مجلس الوزراء لعام 1996 القاضي بنشر الجيش اللبناني على الحدود مع إسرائيل، بذريعة رفضه «تحويل الجيش حارساً للحدود الإسرائيلية».بعدها استثمر نظام دمشق انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي كان يحتلها في جنوب لبنان خلال مايو (أيار) 2000، و«جيّرها» لنفسه ليعزّز هيمنته على لبنان. غير أنه فوجئ ببيان مدوٍّ للمطارنة الموارنة برئاسة البطريرك الراحل نصر الله بطرس صفير في سبتمبر (أيلول) 2000، طالب فيه الجيش السوري بالانسحاب من لبنان؛ لأن «دوره انتفى مع جيش الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان».مع هذا، قبل شهر من انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود، أعلن نظام بشار الأسد رغبته بالتمديد للحود ثلاث سنوات (نصف ولاية جديدة)، ورغم المعارضة النيابية الشديدة التي قادها رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، مُدِّد للحود بالقوة على وقع تهديد الأسد «الابن» للحريري ووليد جنبلاط «بتحطيم لبنان فوق رأسيهما». وهذه المرة، صُدِم الأسد «الابن» بصدور القرار 1559 عن مجلس الأمن الدولي، الذي يقضي بانتخاب رئيس جديد للبنان، وانسحاب الجيش السوري فوراً، وحلّ كل الميليشيات وتسليم سلاحها للدولة اللبنانية. ولذا، عمل لإقصاء الحريري وقوى المعارضة اللبنانية عن السلطة، وتوِّج هذا الإقصاء بمحاولة اغتيال الوزير مروان حمادة في أكتوبر (تشرين الأول) 2004، ثمّ باغتيال رفيق الحريري يوم 14 فبراير (شباط) 2005، ما فجّر «ثورة الأرز» التي أدت إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان يوم 26 أبريل (نيسان)، وتبع ذلك انتخابات نيابية خسرها حلفاء النظام السوري فريق «14 آذار» المناوئ لدمشق.تراجع نفوذ دمشق في لبنان استمر بعد انسحاب جيشها بضغط أميركي مباشر. وتجلّى ذلك في «الحوار الوطني اللبناني»، الذي أفضى إلى اتخاذ قرارات بينها «ترسيم الحدود» اللبنانية السورية، وبناء علاقات دبلوماسية مع سوريا وتبادل السفراء، الأمر الذي قبله بشار الأسد على مضض. وأكمل المسار بقرار إنشاء محكمة دولية لمحاكمة قتلة الحريري وتنظيم السلاح الفلسطيني خارج المخيمات - وطال أساساً التنظيمات المتحالفة مع دمشق وعلى رأسها «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة» - وتحرير المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية. حرب 6002مع هذا، بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان في يوليو (تموز) 2006، التي أعلن «حزب الله» بعدها «الانتصار على إسرائيل»، استعاد النظام السوري بعض نفوذه. وتعزز ذلك بسلسلة اغتيالات طالت خصومه في لبنان من ساسة ومفكّرين وإعلاميين وأمنيين - جميعهم من فريق «14 آذار» - وتوّج بالانقلاب العسكري الذي نفذه «حزب الله» يوم 7 مايو 2008 محتلاً بيروت ومهاجماً الجبل. وأدى هذا التطور إلى «اتفاق الدوحة» الذي منح الحزب وحلفاء دمشق «الثلث المعطِّل» في الحكومة اللبنانية، فمكّنهم من الإمساك بالسلطة.يوم 25 مايو 2008 انتخب قائد الجيش اللبناني ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وفي 13 أغسطس (آب) من العام نفسه عُقدت قمة لبنانية ـ سورية في دمشق، وصدر عنها بيان مشترك، تضمّن بنوداً عدّة أهمها: «بحث مصير المفقودين اللبنانيين في سوريا، وترسيم الحدود، ومراجعة الاتفاقات وإنشاء علاقات دبلوماسية، وتبنّي المبادرة العربية للسلام». ولكن لم يتحقق من مضمون البيان، ومن «الحوار الوطني اللبناني» سوى إقامة سفارات وتبادل السفراء فقط.ختاماً، لم يقتنع النظام السوري في يوم من الأيام بالتعامل مع لبنان كدولة مستقلّة. وحتى في ذروة الحرب السورية، لم يكف عن تعقّب المعارضين السوريين الذي فرّوا إلى لبنان، فجنّد عصابات عملت على خطف العشرات منهم ونقلهم إلى سوريا. كذلك سخّر القضاء اللبناني (خصوصاً المحكمة العسكرية) للتشدد في محاكمة السوريين الذين كانوا في عداد «الجيش السوري الحرّ» والتعامل معهم كإرهابيين.أيضاً، كان للنظام السوري - عبر حلفائه اللبنانيين - الدور البارز في تعطيل الاستحقاقات الدستورية، لا سيما الانتخابات الرئاسية والنيابية وتشكيل الحكومات، بمجرد اكتشاف أن النتائج لن تكون لصالحهم. وعليه، قد يكون انتخاب الرئيس اللبناني في 9 يناير (كانون الثاني) المقبل، الاستحقاق الأول الذي يشهده لبنان من خارج تأثير نظام آل الأسد منذ نصف قرن.