باريس تكرم ضحايا الهجوم الإرهابي في النيجر

تساؤلات حول مستقبل الحضور العسكري الفرنسي في منطقة الساحل

جنود من جيش النيجر خلال مرافقة مسافرين من أغاديز بشمال البلاد في اتجاه ليبيا العام الماضي (رويترز)
جنود من جيش النيجر خلال مرافقة مسافرين من أغاديز بشمال البلاد في اتجاه ليبيا العام الماضي (رويترز)
TT

باريس تكرم ضحايا الهجوم الإرهابي في النيجر

جنود من جيش النيجر خلال مرافقة مسافرين من أغاديز بشمال البلاد في اتجاه ليبيا العام الماضي (رويترز)
جنود من جيش النيجر خلال مرافقة مسافرين من أغاديز بشمال البلاد في اتجاه ليبيا العام الماضي (رويترز)

يوم 9 الجاري، قتل في منطقة كوريه السياحية الواقعة على بعد ساعة بالسيارة شمال شرقي نيامي، عاصمة النيجر، ستة مواطنين فرنسيين «هم أربع نساء ورجلان» يعملون لصالح منظمة إنسانية «أكتيد» وهم في رحلة سياحية لمشاهدة نوع نادر من الزرافات اتخذ من كوريه محمية له. ومنذ ذيوع الحادثة الأليمة، وعدت السلطات الفرنسية بالاقتصاص من المجرمين والقبض عليهم وسوقهم أمام القضاء. ورغم مرور ستة أيام على المقتلة، وإرسال باريس تعزيزات إلى النيجر، بما فيها طائرات حربية، للمساعدة في تعقب الفاعلين، إلا أن الفاعلين الذين لم تعرف هوياتهم ما زالوا أحرارا في تحركاتهم. وتتركز الظنون على فرع تنظيم «داعش» في الصحراء الكبرى الذي يقوده عدنان أبو وليد الصحراوي فيما لا تستبعد المصادر المعنية في باريس أن تكون «جماعة دعم الإسلام والمسلمين» هي المسؤولة عن عملية الاغتيال التي أصابت، إضافة إلى الستة الفرنسيين، مواطنين من النيجر هما سائق سيارة «أكتيد» رباعية الدفع التي وجدت محترقة وسبعة جثث ممددة إلى جانبها والدليل السياحي. ويقود المجموعة الأخيرة إياد آغ غالي. وبحسب اعتراف مسؤولين أمنيين، فإن هذين التنظيمين يحققان تقدماً في النيجر إلى درجة أن وزارة الخارجية الفرنسية، في باب النصائح إلى المسافرين، أخذت تعتبر كافة النيجر، باستثناء العاصمة نيامي، «منطقة خطرة».
العملية التي سارعت باريس ونيامي إلى وصفها بالإرهابية وعمدت إلى فتح تحقيق جنائي بصددها بطلب من النيابة العامة المتخصصة بالشؤون الإرهابية كان لها وقع الصدمة فرنسيا. فالستة كانوا في مقتبل العمر وكلهم من حاملي الشهادات العليا وأصحاب المستقبل الواعد وقد نذروا أنفسهم للعمل الإنساني. وها هم يقتلون بالرصاص على أيدي عصابة إرهابية أيا يكن اسمها لا لسبب محدد سوى كونهم غربيين «فرنسيين» وبالتالي استخدموا بوصفهم «علبة بريد» لإيصال رسائل إلى السطات الفرنسية التي حشدت منذ العام 2014 عدة آلاف من جنودها مع الدعم اللوجيستي والجوي، لمحاربة الإرهاب في بلدان الساحل الخمسة «موريتانيا ومالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد» في إطار عملية «برخان». وإذا كان الرئيس إيمانويل ماكرون قد خصص للحادثة اجتماعا للمجلس الأعلى للدفاع وقرر «تعزيز أمن» الفرنسيين في النيجر وفي كامل المنطقة، فإن الأسئلة التي تطرح في باريس تتركز بالدرجة الأولى على المهلة الزمنية غير المعروفة التي ستتواصل خلالها عملية «برخان». وفي زمن عصر النفقات، فإن هذه العملية تكلف الخزينة الفرنسية ما يزيد على 800 مليون يورو في العام كما أنها تعبئ 5100 رجل وأسراب طائرات مقاتلة وطائرات من غير طيار «درون» إضافة إلى المخابرات واللوجيستيات.
ليس سرا لأحد أن لفرنسا، البلد المستعمر سابقا، مصالح سياسية واقتصادية واستراتيجية في المنطقة. لكن باريس المنخرطة أكثر من غيرها في الحرب على التنظيمات الإرهابية والتي تتخوف من الارتدادات السلبية لما يحصل في ليبيا على البلدان الخمسة، سعت منذ سنوات، للحصول على دعم أممي ودولي «من أوروبا وأميركا» إضافة إلى تعبئة البلدان الخمسة في معركة موحدة ضد الإرهاب. ففي مالي، هناك القوة الدولية ذات الغالبية الأفريقية التي يمدد لها دوريا منذ العام 2013. وإقليميا، نجحت باريس في إطلاق ما يسمى «القوات المشتركة» للخمسة فيما ينتظر أن تنطلق قوة الكوماندوز الأوروبية المسماة «تاكوبا» أي «السيف» في الأسابيع القادمة التي سيكون دورها مواكبة القوة المشتركة في عملياتها الميدانية. فضلا عن ذلك، تحصل باريس على دعم لوجيستي من بريطانيا «طوافات شينوك» وألمانيا «تدريب القوات» والولايات المتحدة «طائرات درون تنطلق من قاعدة أميركية شمال النيجر» ومن دول أوروبية أخرى. وغرض باريس هو تشارك الأعباء والتقليل من التزامها المتواصل منذ ست سنوات. وفي الأشهر الأخيرة، عقدت قمتان جمعت باريس والعواصم الخمس، الأولى بداية العام الجاري في مدينة بو «جنوب غربي باريس» والثانية بداية يوليو (تموز) الماضي في نواكشوط، عاصمة موريتانيا. وفي المناسبتين، كانت الأجواء «إيجابية» ويرى كبار المسؤولين الفرنسيين «الرئيس ماكرون ووزير الخارجية والدفاع، جان إيف لو دريان وفلورانس بارلي» أن الأمور تذهب في الاتجاه الصحيح بعد «النجاحات» إلى تحققت ميدانيا. لكن مقتل الفرنسيين الستة وخسائر القوات الفرنسية والوضع السياسي المتردي في مالي والعمليات الإرهابية في النيجر واتشاد واستمرار الوضع المتدهور فيما يسمى «مثلث الحدود» «بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو» تخفف من دفعة التفاؤل وتعيد طرح مستقبل القوة الفرنسية ووضع المنطقة بأكملها على طاولة البحث.
أول من أمس، قررت منظمة «أكتيد» تعليق نشاطاتها في النيجر بعد الضربة القاتلة التي تلقتها. وتشغل المنظمة 200 شخص في النيجر وحدها. وأعلن فريدريك دو سان سيرنان، مديرها العام المفوض، في حديث لقناة فرنسا الدولية الإخبارية أنه تقدم بشكوى وذلك من أجل معرفة الظروف الحقيقية لمقتل موظفيه الستة مضيفاً أن المنظمة ستبقى في النيجر رغم تعليق نشاطاتها مؤقتا. ومن جانبها، قدمت «الجمعية الفرنسية لضحايا الإرهاب» شكوى في باريس الأربعاء، حول نشر صور على مواقع التواصل الاجتماعي لضحايا الهجوم مرفقة برسائل كراهية، وفق ما أعلنت الجمعية. وقال مديرها العام غييوم دونوا دو سان مارك، إن موضوع الشكوى يشمل «انتهاك حرمة جثة» و«التحريض العلني عبر وسيلة إلكترونية». وأضاف دونوا دو سان - مارك في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية: «كثيرون منا صدموا من تداول هذه الصور وكذلك من استعمالها من طرف بعض رواد الإنترنت في الدعوة للكراهية ضد مجمل المسلمين».
واليوم، يرأس جان كاستيكس، رئيس الحكومة الفرنسية، احتفالا تكريميا وتأبينيا للقتلى الستة في ساحة الأنفاليد.


مقالات ذات صلة

تركيا: صدامات بين الشرطة ومحتجين بعد عزل رئيسي بلديتين معارضين

شؤون إقليمية محتجون أشعلوا النار في الشوارع المحيطة ببلدية تونجلي في شرق تركيا بعد عزل رئيسه وتعيين وصي عليها (إعلام تركي)

تركيا: صدامات بين الشرطة ومحتجين بعد عزل رئيسي بلديتين معارضين

وقعت أعمال عنف ومصادمات بين الشرطة ومحتجين على عزل رئيسَي بلدية منتخبَين من صفوف المعارضة في شرق تركيا، بعد إدانتهما بـ«الإرهاب»، وتعيين وصيين بدلاً منهما.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال اجتماع لجنة التخطيط بالبرلمان التركي (الخارجية التركية)

تركيا تحذر من جرّ العراق إلى «دوامة العنف»

حذرت تركيا من جرّ العراق إلى «دوامة العنف» في منطقة الشرق الأوسط، في حين رجحت «انفراجة قريبة» في ملف تصدير النفط من إقليم كردستان.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
آسيا صورة أرشيفية لهجوم سابق في كابول (رويترز)

مقتل 10 أشخاص في هجوم على مزار صوفي بأفغانستان

قتل 10 مصلين عندما فتح رجل النار على مزار صوفي في ولاية بغلان في شمال شرقي أفغانستان، وفق ما أفاد الناطق باسم وزارة الداخلية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية أكراد يرفعون صور أوجلان في مظاهرة للمطالبة بكسر عزلته (رويترز)

تركيا: أوجلان إلى العزلة مجدداً بعد جدل حول إدماجه في حل المشكلة الكردية

فرضت السلطات التركية عزلة جديدة على زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان بعد دعوة رئيس حزب «الحركة القومية» دولت بهشلي للسماح له بالحديث بالبرلمان

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الخليج يضطلع «اعتدال» بمهام منها رصد وتحليل المحتوى المتعاطف مع الفكر المتطرف (الشرق الأوسط)

«اعتدال» يرصد أسباب مهاجمة «الفكر المتطرف» الدول المستقرّة

أوضح «المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرّف (اعتدال)» أن استقرار الدول «يفيد التفرغ والتركيز على التنمية؛ خدمة لمصالح الناس الواقعية».

غازي الحارثي (الرياض)

ميركل تعرب عن حزنها لعودة ترمب إلى الرئاسة الأميركية

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث خلال اجتماع ثنائي مع المستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل على هامش قمة حلف شمال الأطلسي في واتفورد ببريطانيا... 4 ديسمبر 2019 (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث خلال اجتماع ثنائي مع المستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل على هامش قمة حلف شمال الأطلسي في واتفورد ببريطانيا... 4 ديسمبر 2019 (رويترز)
TT

ميركل تعرب عن حزنها لعودة ترمب إلى الرئاسة الأميركية

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث خلال اجتماع ثنائي مع المستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل على هامش قمة حلف شمال الأطلسي في واتفورد ببريطانيا... 4 ديسمبر 2019 (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث خلال اجتماع ثنائي مع المستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل على هامش قمة حلف شمال الأطلسي في واتفورد ببريطانيا... 4 ديسمبر 2019 (رويترز)

أعربت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل عن «حزنها» لعودة دونالد ترمب إلى السلطة وتذكرت أن كل اجتماع معه كان بمثابة «منافسة: أنت أو أنا».

وفي مقابلة مع مجلة «دير شبيغل» الألمانية الأسبوعية، نشرتها اليوم الجمعة، قالت ميركل إن ترمب «تحد للعالم، خاصة للتعددية».

وقالت: «في الحقيقة، الذي ينتظرنا الآن ليس سهلا»، لأن «أقوى اقتصاد في العالم يقف خلف هذا الرئيس»، حيث إن الدولار عملة مهيمنة، وفق ما نقلته وكالة «أسوشييتد برس».

وعملت ميركل مع أربعة رؤساء أميركيين عندما كانت تشغل منصب مستشار ألمانيا. وكانت في السلطة طوال ولاية ترمب الأولى، والتي كانت بسهولة أكثر فترة متوترة للعلاقات الألمانية الأمريكية خلال 16 عاما، قضتها في المنصب، والتي انتهت أواخر 2021.

وتذكرت ميركل لحظة «غريبة» عندما التقت ترمب للمرة الأولى، في البيت الأبيض خلال شهر مارس (آذار) 2017، وردد المصورون: «مصافحة»، وسألت ميركل ترمب بهدوء: «هل تريد أن نتصافح؟» ولكنه لم يرد وكان ينظر إلى الأمام وهو مشبك اليدين.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب والمستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل يحضران حلقة نقاشية في اليوم الثاني من قمة مجموعة العشرين في هامبورغ بألمانيا... 8 يوليو 2017 (أ.ف.ب)

ونقلت المجلة عن ميركل القول: «حاولت إقناعه بالمصافحة بناء على طلب من المصورين لأنني اعتقدت أنه ربما لم يلحظ أنهم يريدون التقاط مثل تلك الصورة... بالطبع، رفضه كان محسوبا».

ولكن الاثنان تصافحا في لقاءات أخرى خلال الزيارة.

ولدى سؤالها ما الذي يجب أن يعرفه أي مستشار ألماني بشأن التعامل مع ترمب، قالت ميركل إنه كان فضوليا للغاية وأراد معرفة التفاصيل، «ولكن فقط لقراءتها وإيجاد الحجج التي تقويه وتضعف الآخرين».

وأضافت: «كلما كان هناك أشخاص في الغرفة، زاد دافعه في أن يكون الفائز... لا يمكنك الدردشة معه. كان كل اجتماع بمثابة منافسة: أنت أو أنا».

وقالت ميركل إنها «حزينة» لفوز ترمب على كامالا هاريس في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني). وقالت: «لقد كانت خيبة أمل لي بالفعل لعدم فوز هيلاري كلينتون في 2016. كنت سأفضل نتيجة مختلفة».