الحرارة تلهب كوكب الأرض... وملايين الفقراء ضحاياها

تصاعدت درجاتها منذ 60 عاماً وباتت تشكل خطراً يهدد صحة الإنسان وإنتاج الغذاء

TT

الحرارة تلهب كوكب الأرض... وملايين الفقراء ضحاياها

بلغت درجة الحرارة في بغداد 51 درجة مئوية خلال يوليو (تموز)، وكانت درجة الحرارة أعلى الدائرة القطبية الشمالية 38 درجة خلال الشهر نفسه. كذلك تجاوزت أستراليا أعلى درجة حرارة مسجلة خلال فصل الصيف الحالي، حيث تَحوَّل لون السماء إلى الأحمر القاني نتيجة لحرائق الغابات التي تأججت بفعل الجفاف الطويل.
طوال 150 عاماً من نشاط التصنيع، تسبب احتراق الفحم والنفط والوقود في انبعاث غازات الاحتباس الحراري (الدفيئة) وانتشارها في الجو، مما أدى إلى ارتفاع متوسط درجات الحرارة على مستوى العالم ووصولها إلى أرقام قياسية. كذلك ازدادت وتيرة حدوث الموجات الحارة ومدتها في كل أنحاء العالم تقريباً، مقارنةً بما كان عليه الحال منذ سبعين عاماً.
لكنّ آثار ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض لا تصيب كل سكانه على نحو متكافئ. فإذا كنت فقيراً ومهمشاً، من المرجح أنك ستعاني بدرجة أكبر من الارتفاع الشديد في درجات الحرارة، إذ ربما لا تستطيع امتلاك مكيف هواء، بل قد لا تكون لديك خدمة الكهرباء حين تحتاج إليها بالأساس. كذلك ربما لا يكون أمامك خيار سوى العمل في الخارج تحت أشعة الشمس الحارقة، التي تجعل ركبتيك لا تقويان على حملك قبل أن تصاب بالهذيان. كذلك ربما يتسبب ارتفاع درجة الحرارة في حدوث جفاف شديد، ومهما كددت في العمل تحت الشمس فسيذبل المحصول الذي زرعته، وسيعاني أبناؤك من الجوع. ولن يكون من السهل حزم حقائبك والرحيل، وزراعة الذرة أعلى الجبل، فالمرء يحتاج إلى الاستحمام عدة مرات يومياً إذا توفر الماء، وكذلك تحتاج إلى ترطيب جلد طفلك لحمايته من طفح الحر. يمكنك النوم خارج المنزل حين ينقطع التيار الكهربائي، إذا كنت تحتمل لسعات البرغش، وربما تجلس أيضاً أمام المروحة وحدك وأنت تعاني من الخطر المزدوج للوحدة والحرارة.
لا يمثل الارتفاع الشديد في درجة الحرارة خطراً مستقبلياً، بل هو خطر نواجهه بالفعل في الوقت الحالي. إنه يهدد صحة الإنسان، وإنتاج الغذاء، ومصير اقتصاد دول بأسرها، وتأثيره أسوأ بالنسبة لمن يقفون عند أسفل السلم الاقتصادي في مجتمعاتهم. تخيّل ما سيكون عليه الحال إذا تعايش المرء مع خطر يُعدُّ الأكبر والأكثر خفاءً في العصر الحديث.
فيما يلي بعض الروايات الشخصية من مجتمعات محرومة في كل من اليونان ونيجيريا وغواتيمالا والهند، إلى جانب روايات بعض كبار السن في الولايات المتحدة الأميركية.
- أثينا: وتيرة الموجات الحارة تتسارع
اعتاد حسيب هوتاك، الشاب البالغ من العمر 21 عاماً، النوم على سطح منزل في أثينا. توجد غرفة صغيرة على السطح سقفها من الصفيح وبابها مجرد ستارة. تجعل حرارة النهار الغرفة فرناً، وجوُّها خانق بما يجعل النوم داخلها مستحيلاً.
كان هوتاك في السادسة عشرة حين غادر منزله في منطقة شولغارا بأفغانستان، وهو الوحيد الذي فعل ذلك من بين أحد عشر أخاً وأختاً. بعدما فشلت محاولته في العبور إلى أوروبا، وبعد إقامته لسنتين في مخيم للاجئين، تم منحه اللجوء في اليونان، وأقام مع صديق على سطح منزل يقع في حي كولونوز المكتظّ بالسكان، وهو أحد أحياء الطبقة العاملة من سكان أثينا، والذي استقر فيه الكثير من المهاجرين.
ارتفعت حرارة المدينة مع بداية العقد، حيث أوضحت سجلات درجات الحرارة الموجودة داخل مرصد أثينا القومي أن عدد الأيام الحارة، أي التي تتجاوز فيها درجة الحرارة 37 درجة، كان أقل من 20 يوماً سنوياً خلال العقد الأول من القرن العشرين، وبحلول منتصف ثمانينات القرن العشرين قارب عدد الأيام الحارة 50 يوماً، لكن العدد ارتفع إلى 120 يوماً خلال الفترة بين عامي 2006 و2017.
- نيجيريا: قرية لا تعرف الظلام
الظلام لا يخيم أبداً على القرية التي تقطنها فايث أوسي، وهي في منتصف الثلاثينات من العمر. فخمسة أعمدة من غاز الميثان تضيء أوبريكوم الواقعة في قلب المثلث الغنيّ بالنفط جنوب شرقي نيجيريا، حيث تعيش فايث مع زوجها وأولادها. تمثل تلك الأعمدة جزءاً من عمليات بتروكيميائية ضخمة تقوم بها شركة «أجيب» الإيطالية المتعددة الجنسيات. وتتم عمليات الاحتراق طوال اليوم في الهواء الاستوائي المشبع بالبخار.
عادةً ما يكون الطقس حاراً، حيث تصل درجة الحرارة في المتوسط إلى 33 درجة خلال فصل الصيف، ولا تنخفض قليلاً إلا خلال الأشهر التي تتساقط فيها الأمطار. وتزيد تلك العمليات من حرارة الجو، حتى خلال ساعات الليل، خصوصاً إذا كنت فقيراً بحيث لا تستطيع السكن إلا في نطاق تلك العمليات لانخفاض أسعار الأراضي بها.
وتوضح إحدى الدراسات أن درجات الحرارة كانت أعلى بمقدار 12 درجة في محيط المنازل الأقرب إلى عمليات الاحتراق تلك. وتعمل فايث تحت شمس حارقة في حقول الكسافا، قبل العودة مرهقةً إلى بيت أكثر حرارة، للعناية بأطفالها الذين يصيبهم الطفح الجلدي معظم أيام السنة.
ويؤثر هذا التغير المناخي الخطير بالفعل على الأشخاص الأكثر فقراً في نيجيريا، مثل فايث وعائلتها، حيث تزداد الأيام والليالي فائقة الحر، في الوقت الذي تقل فيه الأيام والليالي المعتدلة، وهو توجه رصدته الدراسات في غرب أفريقيا.
- غواتيمالا: الحرارة تفسد المحاصيل
روك، البالغ من العمر 38 عاماً، من السكان الأصليين في غواتيمالا، وهم من مجتمع الـ«شورتي» الذي ترجع أصوله إلى شعب المايا، الذين يعيشون في واحدة من المناطق الأكثر فقراً والأكثر قذارة في الأميركتين، وتُعرف باسم «دراي كوريدور» (الممر الجاف).
تدمر درجات الحرارة المرتفعة الأرض، مترافقة مع تراجع هطول الأمطار بداية الصيف بشكل ملحوظ خلال السنوات القليلة الماضية. وقد ضربت المنطقة خمس موجات جفاف قاسية طويلة في نهاية الصيف خلال العقد الماضي. كذلك ارتفعت درجة الحرارة في البلاد ككل بنحو درجة واحدة مئوية منذ عام 1960، وازدادت الأيام والليالي الحارة وطالت مدتها. ويقول روك إن الأمطار لا تأتي حين يحتاج إليها لري محصوله، ويوضح: «حين نحتاج إلى الشمس نحظى بالماء فجأة»، وقد ذبلت وتلفت محاصيل الذرة والفول، التي تعد من الأغذية الرئيسية، لثلاث سنوات متتالية.
يُعدُّ متوسط حجم غازات الدفيئة لكل مواطن في غواتيمالا ضئيلاً، حيث يبلغ 1.1 طن متري، مقارنةً بـ16.5 طن لكل شخص في الولايات المتحدة الأميركية، لكنّ الشعور بأثر ارتفاع درجة الحرارة على الكوكب أكبر في غواتيمالا. ومن المحتمل أن يتراجع حجم محاصيل الذرة الصفراء والفول بنحو 14% بحلول 2050، حسب دراسة تم نشرها مؤخراً. ومن غير المرجح أن تكون حبوب القهوة، التي تُزرع في المناطق المنخفضة، مجدية اقتصادياً.
- الهند: الطقس الحار يتجه إلى الخطر
تنحني رابيتا لتملأ إناء بالرمال، وترفعه وتحمله على رأسها، وتصعد الدرج. إنها تفعل ذلك مرات لا تُحصى كل يوم، حتى مع ارتفاع درجة حرارة الجو ورطوبة الهواء خلال ساعات النهار. رجلاها تؤلمانها من صعود الدرج، ورأسها يصاب بالدوار أحياناً. ولا يمكن لفترات الاستراحة أن تتجاوز خمس دقائق، وإلا سوف تتلقى التوبيخ من مراقب العمال في موقع البناء. إنها تنتمي وزوجها أشوك كومار إلى طبقة المنبوذين، التي تقع في أدنى درجات السلم الاجتماعي الهندوسي، وتتقاضى أجراً أقل من نصف الأجر الذي يتقاضاه الرجل.
وقد تضاعف حدوث الموجات الحارة الشديدة المصحوبة بالرطوبة منذ عام 1979 إلى درجة لا يتحملها الجسم البشري لساعات طويلة متواصلة، حسب ورقة بحثية صدرت مؤخراً. وتصنف منظمة العمل الدولية الحرارة من بين المخاطر الصحية التي يتعرض لها بوجه خاص عمال البناء من أمثال رابيتا. يمكن لأكثر الناس العمل بنصف طاقتهم فقط عندما تتجاوز درجة الحرارة 33 درجة، كما يمكن أن يكون التعرض للحرارة الشديدة لساعات طويلة مهلكاً ومميتاً، وفقاً للمنظمة.
ومن المتوقع أن تزداد الخسائر الاقتصادية الناجمة عن ارتفاع الحرارة لتصل إلى 2.4 تريليون دولار سنة 2030، لكن من المتوقع أيضاً ألا تتوزع تلك التكلفة على نحو متكافئ، إذ ستكون جنوب آسيا وغرب أفريقيا المنطقتين الأكثر تضرراً، ليس فقط بسبب ارتفاع درجة الحرارة والرطوبة، بل أيضاً بسبب تردي أوضاع العمال من أمثال رابيتا.
- الولايات المتحدة: الحرارة أخطر على كبار السن
في يوم أحد قائظ خلال شهر يوليو وصلت فيه الحرارة إلى 34 درجة، جلس رافائيل فيلاسكيز، البالغ من العمر 66 عاماً، في باحة منزله، بينما وضع على وجهه زجاجة من المياه الباردة. لقد أحب الجلوس خارج المنزل على مقعد خشبي وإطعام الحمام، بينما يمسح عرقه المتصبب باستمرار بمنشفة. لم يكن هناك ما يفعله داخل المنزل، ولا يمكنه تحمل تكلفة شراء مكيف هواء، كما أنه لا يعرف كيف يمكنه الحصول على مكيف هواء مجاناً في إطار برنامج محلي يستهدف مساعدة كبار السن في التمتع بجو معتدل في أثناء الوباء الذي تسبب في إغلاق أكثر مراكز التبريد.
يؤدي ارتفاع درجة الحرارة في الولايات المتحدة إلى وفاة الكثير من كبار السن مقارنةً بأي حدث قوي آخر متعلق بالطقس، بما في ذلك الأعاصير. وتمثل المشكلة جزءاً من نمط قومي مشين، حيث يعيش المواطنون من ذوي الأصول الأفريقية واللاتينية مثل فيلاسكيز في المناطق الأكثر حراً داخل المدن الأميركية في أغلب الأحوال. وقال كيزي تشارلز غوزمان، نائب مدير جهود الصمود في مكتب عمدة نيويورك: «يزيد غياب المساواة المخاطر المناخية والبيئية». وتشير تقديرات دراسة أكاديمية حديثة إلى وفاة نحو 12 ألف شخص بسبب أمراض متعلقة بارتفاع الحرارة، تتجاوز أعمار 80% منهم الستين.
- خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

الثلوج تزور جبل فوجي بعد أطول تأخُّر منذ 130 عاماً

يوميات الشرق الزائر الأبيض... وإن تأخَّر (أ.ب)

الثلوج تزور جبل فوجي بعد أطول تأخُّر منذ 130 عاماً

غطَّت الثلوج قمة جبل فوجي الياباني بعد أكثر من شهر على الموعد المعتاد، وتسجيل رقم قياسي لأطول فترة تأخُّر لهذا التساقُط منذ 130 عاماً.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
الاقتصاد صورة جماعية في الاجتماع الدوري الـ35 لمجلس الوزراء العرب المسؤولين عن شؤون البيئة بجدة (الشرق الأوسط)

مسؤول عراقي لـ«الشرق الأوسط»: مشروعات مشتركة جديدة مع السعودية لتحقيق الاستدامة البيئية

يعيش العراق حالة انتعاش في المسارات كافة؛ منها قطاع البيئة الذي يعيش طفرة نوعية في المشروعات، وتحسين البنية التحتية، وفقاً لما أورده الدكتور جاسم الفلاح.

سعيد الأبيض (جدة)
أوروبا الملك فيليب السادس يتحدث مع الجمهور الغاضب خلال زيارته جنوب شرقي إسبانيا المتضرر من الفيضانات (أ.ب)

217 قتيلاً حصيلة فيضانات إسبانيا والملك يقطع زيارة إثر احتجاجات

قطع الملك فيليب السادس والملكة ليتيسيا، الأحد، زيارتهما إلى جنوب شرقي إسبانيا المتضرر من الفيضانات بعدما اعترضتهما حشود ساخطة.

«الشرق الأوسط» (فالنسيا)
الاقتصاد السعودية تستعد لاستضافة المؤتمر في بداية ديسمبر المقبل (الشرق الأوسط)

السعودية تدعو العالم لمواجهة تحديات تدهور الأراضي في «كوب 16»

وجّهت الرئاسة السعودية لمؤتمر الأطراف (كوب 16) القادم في الرياض، نداءً إلى المجتمع الدولي لاتخاذ إجراءات قوية بشأن التصدي لتهديدات الجفاف.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
أميركا اللاتينية الجلسة الختامية لمؤتمر «كوب 16» في كالي الكولومبية (أ.ف.ب)

مؤتمر «كوب 16» للتنوّع البيولوجي يقرر تشكيل هيئة دائمة للشعوب الأصلية

اتفقت الدول المشاركة في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالتنوع البيولوجي (كوب 16) في كولومبيا على إجراء يقضي بتشكيل هيئة دائمة للشعوب الأصلية.

«الشرق الأوسط» (كالي (كولومبيا))

«الأمم المتحدة» تحذر من تفاقم الجوع في غزة والسودان ومالي

فلسطينيون يتجمعون للحصول على مساعدات غذائية مقدمة من برنامج الأغذية العالمي في جباليا بشمال غزة (رويترز)
فلسطينيون يتجمعون للحصول على مساعدات غذائية مقدمة من برنامج الأغذية العالمي في جباليا بشمال غزة (رويترز)
TT

«الأمم المتحدة» تحذر من تفاقم الجوع في غزة والسودان ومالي

فلسطينيون يتجمعون للحصول على مساعدات غذائية مقدمة من برنامج الأغذية العالمي في جباليا بشمال غزة (رويترز)
فلسطينيون يتجمعون للحصول على مساعدات غذائية مقدمة من برنامج الأغذية العالمي في جباليا بشمال غزة (رويترز)

حذّرت وكالات الأغذية، التابعة للأمم المتحدة، الخميس، من تفاقم مستويات الجوع، خلال الأشهر السبعة المقبلة، في أجزاء كثيرة من العالم، وأكثرها إثارة للقلق غزة والسودان وجنوب السودان ومالي وهايتي.

وتتسبب الصراعات والعنف المسلَّح في معظم حالات انعدام الأمن الغذائي الحاد في جميع المناطق التي جرت دراستها في التقرير نصف السنوي لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة «الفاو»، وبرنامج الأغذية العالمي، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

وتُشكل العوامل المناخية الحادة عاملاً حاسماً في مناطق أخرى، في حين أن عدم المساواة الاقتصادية، وارتفاع مستويات الديون في كثير من البلدان النامية، يقوّضان قدرة الحكومات على الاستجابة، وفقاً للتقرير المشترك الذي يدرس الفترة من نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 إلى مايو (أيار) 2025.

ويكشف التقرير، الذي يعتمد على أبحاث أجراها خبراء في وكالتين تابعتين للأمم المتحدة مقرُّهما روما، إن هناك حاجة ماسة إلى العمل الإنساني لكبح المجاعة والموت في قطاع غزة والسودان وجنوب السودان وهايتي ومالي.

ويحذر التقرير، بالإضافة إلى ذلك، من أنه «في غياب الجهود الإنسانية الفورية، والعمل الدولي المتضافر لمعالجة القيود الخطيرة، والتي تهدف إلى تهدئة الصراع وانعدام الأمن، من المرجح أن تتفاقم المجاعة والخسائر في الأرواح» في هذه المناطق.

كما أن نيجيريا وتشاد واليمن وموزمبيق وبورما وسوريا ولبنان في وضع مقلق جداً.

ويُسلط التقرير الضوء فقط على «الحالات الأكثر خطورة»، ومن ثم ليس على «جميع البلدان أو الأقاليم التي تعاني بدورها مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد»، وفق مُعِدّي التقرير.

ويُعد عام 2024 الثاني على التوالي، الذي يشهد تراجعاً في تمويل المساعدات الإنسانية، وواجه 12 برنامج مساعدات في قطاع الأمن الغذائي تراجعاً في التمويلات تزيد على 75 في المائة في دول مثل إثيوبيا واليمن وسوريا وبورما.

الآثار المباشرة وغير المباشرة

ويجري قياس مستويات انعدام الأمن الغذائي استناداً إلى مؤشرات من 1 إلى 5، ويتوافق المستوى الأخير مع حالة «الكارثة».

وفي قطاع غزة، أثار التصعيد الأخير في الأعمال العدائية مخاوف من احتمال تحقق سيناريو «الكارثة» المتمثل في المجاعة، وفق التقرير.

وسيواجه نحو 41 في المائة من السكان؛ أي ما يعادل 876 ألف شخص، مستويات «طارئة» من المجاعة، ما يمثل المستوى الرابع، في الفترة ما بين نوفمبر إلى نهاية أبريل (نيسان) المقبل، بينما سيواجه ما يقرب من 16 في المائة؛ أي 345 ألف شخص، مستويات «الكارثة»، وفقاً للتقرير.

وحتى منتصف أكتوبر (تشرين الأول) 2024، بلغ عدد النازحين 1.9 مليون شخص؛ أي ما يعادل 91 في المائة من سكان غزة.

أمّا في السودان فسيظل مئات الآلاف من النازحين بسبب النزاع يواجهون المجاعة، وفق المصدر نفسه.

وفي جنوب السودان، من المتوقع أن يتضاعف عدد الأشخاص الذين واجهوا المجاعة والموت، في الأشهر الأربعة بين أبريل (نيسان) ويوليو (تموز) 2024، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2023.

لكن هذه الأرقام قد تتصاعد ابتداء من مايو (أيار) 2025، مع الفترة التي تلي وتسبق موسمي الحصاد.

ووفقاً للتقرير، تضرَّر أكثر من مليون شخص من الفيضانات الشديدة، هذا الشهر، في جنوب السودان، حيث تعاني العنف والركود الاقتصادي.

وعلى نحو مُشابه، يهدد العنف المسلَّح في هايتي، مقترناً بالأزمة الاقتصادية المستمرة والأعاصير، بتفاقم مستويات الجوع.

ويهدد تصاعد الصراع في مالي، حيث سحبت الأمم المتحدة بعثة حفظ السلام التابعة لها في عام 2023، بتفاقم المستويات الحرِجة بالفعل مع قيام الجماعات المسلَّحة بفرض حواجز على الطرق، ومنع إيصال المساعدات الإنسانية.

وفقاً للتقرير، فإن الآثار المباشرة وغير المباشرة للصراع على انعدام الأمن الغذائي كبيرة، وتتجاوز بكثير القضاء على الماشية والمحاصيل.

وتابع: «يُجبر النزاع الناس على الفرار من منازلهم، مما يؤدي إلى تأثر طرق العيش والدخل، ويحد من الوصول إلى الأسواق، ويفضي إلى تقلبات الأسعار وعدم انتظام إنتاج واستهلاك الغذاء».

وفي بعض المناطق التي تُعدّ مثيرة للقلق، فإن الظروف الجوية القاسية الناجمة عن احتمال عودة ظاهرة «إل نينو» هذا الشتاء، وهي ظاهرة مناخية طبيعية يمكن أن تؤدي إلى هطول أمطار غزيرة أو تفاقم الجفاف وموجات الحرارة، قد تسبب تفاقم الأزمات الغذائية، وفقاً للتقرير.