دعم الرئيس أوباما لمدير «سي آي إيه» يخفف من مطرقة الديمقراطيين

حرب الأمة ضد التنظيمات الإرهابية في منعطف تقرير «التعذيب»

الرئيس الأميركي أوباما يستقبل جون برينان مدير «سي آي إيه»  قبل عرض تقرير التعذيب  على مجلس الشيوخ الأسبوع الماضي  (نيويورك تايمز)
الرئيس الأميركي أوباما يستقبل جون برينان مدير «سي آي إيه» قبل عرض تقرير التعذيب على مجلس الشيوخ الأسبوع الماضي (نيويورك تايمز)
TT

دعم الرئيس أوباما لمدير «سي آي إيه» يخفف من مطرقة الديمقراطيين

الرئيس الأميركي أوباما يستقبل جون برينان مدير «سي آي إيه»  قبل عرض تقرير التعذيب  على مجلس الشيوخ الأسبوع الماضي  (نيويورك تايمز)
الرئيس الأميركي أوباما يستقبل جون برينان مدير «سي آي إيه» قبل عرض تقرير التعذيب على مجلس الشيوخ الأسبوع الماضي (نيويورك تايمز)

مر السيد جون أو برينان، مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، على البيت الأبيض للاجتماع بالرئيس باراك أوباما، قبل ساعات من استجابته العلنية خلال الأسبوع الماضي، على تقرير لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ الذي يوجه الاتهام لوكالة الاستخبارات المركزية باستخدام وسائل التعذيب والخداع. في ظاهر الأمر، أنه كان هناك، في البيت الأبيض، لأجل إيجاز استخباري، غير أن الرسائل المسلمة في وقت لاحق من ذلك اليوم من قبل البيت الأبيض ومن السيد برينان، كانت متزامنة، لدرجة اتفاق الصياغة فيها، وجاء الجانب الأكبر من الزيارة ذات التوقيت المثالي ليقع بالكاد تحت تصنيف سري للغاية: فبعد 6 سنوات من الشراكة، كان الرئيس يقف مساندا لرئيس وكالة الاستخبارات المحاصر من قبل الديمقراطيين المطالبين باستقالته.
ولا يعني ذلك عدم وجود قدر من الاحتكاك بين الجناح الغربي ووكالة الاستخبارات في لانغلي بولاية فيرجينيا، إثر صدور التقرير اللاذع. يعتقد مستشارو السيد أوباما المنزعجون للغاية أن السيد برينان قد ضاعف من سوء الموقف الراهن بمواجهته للديمقراطيين من أعضاء اللجنة حول التقرير خلال العام الماضي، فالقلق يساور أولئك الذين كانوا يعتبرون السيد برينان بمثابة درع الرئيس الواقي ضد وكالة الاستخبارات، حينما كان يعمل من داخل البيت الأبيض، منذ توليه رئاسة الوكالة؛ من حيث إنه «صار أهليا»، كما يصفونه.
وعلق السيد جون أو برينان، مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، على تقرير لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ حيال برنامج الاعتقال والاستجواب الذي أشرفت عليه الوكالة أثناء إدارة الرئيس السابق بوش الابن.
ولكن، خلال 67 عاما، هي عمر وكالة الاستخبارات المركزية، كان هناك قليل من الرؤساء الذين كانت لهم روابط وثيقة مع رؤساء الوكالة، فضلا عن العلاقة القوية التي تجمع الرئيس أوباما بالسيد برينان، وهي علاقة قد شكلت السياسة وسياسات الجدال حول حرب الأمة ضد التنظيمات الإرهابية، فضلا عن كفاح الوكالة الخاص لأجل تحقيق الاتزان بين الأمن والحرية، وجاءت النتيجة برئيس يعارض التعذيب غير أنه لا يعارض من أشرفوا على تنفيذه.
يقول السيد ديفيد كول، وهو أستاذ الأمن القومي والقانون لدى جامعة جورج تاون، إن «المأزق الذي يواجه السيد برينان يماثل المأزق الذي يواجه السيد أوباما، فكلاهما يعارض ما جرى تنفيذه ويسبب لهما قلقا عميقا، ويوافقان على أنه ما كان ينبغي له أن يحدث، وكلاهما، في نهاية الأمر، يعتمد على وكالة الاستخبارات المركزية في خدمات الأمن القومي ذات الأهمية القصوى».
وبحق، فبدلا من الخروج بخطاب شخصي حيال الاتهامات الواردة في التقرير ضد وكالة الاستخبارات المركزية، أحال السيد أوباما الأمر برمته إلى السيد برينان ليكون الواجهة العلنية للإدارة الأميركية في هذا الشأن.
يقول السيد دانيال بنجامين، كبير مسؤولي مكافحة الإرهاب لدى وزارة الخارجية الأميركية خلال فترة الرئاسة الأولى للسيد أوباما، ويعمل حاليا في كلية دارتماوث: «من اللافت للنظر بشكل واضح أن من يتولى الرد هنا هو مدير وكالة الاستخبارات، ولكن قد يكون ذلك انعكاسا لقرار أصلي لدى الإدارة الأميركية لتطويق الأمر برمته والحيلولة دون حمام دم حزبي واسع النطاق حول تورط البيت الأبيض، تحت إدارة جورج بوش، في التعذيب».
وفي رده على التقرير، كان السيد برينان يحاول موازنة الأمر، فيما بيّن رئيسه ووكالته، وقد تبنى مجددا قرار السيد أوباما عقب توليه لمنصبه من حظر أساليب الاستجواب القاسية مثل الإيهام بالغرق، والتعري، والحرمان من النوم، غير أنه وجد الانتقادات إلى «عدد محدود» من ضباط وكالة الاستخبارات الذين تجاوزوا قواعد وزارة العدل الأميركية الحاكمة لعمليات الاستجواب.

وقد رفض، وبشكل قاطع، ادعاءات اللجنة من أن أساليب الاستجواب لم تكن ذات قيمة مركزية في إحباط المؤامرات الإرهابية، وأن الوكالة قد عملت على تضليل الجمهور بشأن فعالية تلك الأساليب، على الرغم من قوله إنه من غير المعروف ما إذا كان المعتقلون قد تحدثوا على وجه التحديد جراء الأساليب الوحشية التي تعرضوا لها.
* خدمة «نيويورك تايمز»



رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية
TT

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

هل عادت رياح اليسار تهب من جديد على أميركا اللاتينية بعد موجة الانتصارات الأخيرة التي حصدتها القوى والأحزاب التقدمية في الانتخابات العامة والرئاسية؟
من المكسيك إلى الأرجنتين، ومن تشيلي إلى هندوراس والبيرو، ومؤخراً كولومبيا، خمسة من أقوى الاقتصادات في أميركا اللاتينية أصبحت بيد هذه الأحزاب، فيما تتجه كل الأنظار إلى البرازيل حيث ترجح الاستطلاعات الأولى فوز الرئيس الأسبق لولا دي سيلفا في انتخابات الرئاسة المقبلة، وإقفال الدائرة اليسارية في هذه المنطقة التي تتعاقب عليها منذ عقود شتى أنظمة الاستبداد العسكري والمدني، التي شهدت أبشع الديكتاتوريات اليسارية واليمينية.
بعض هذه الدول عاد إلى حكم اليسار، مثل الأرجنتين وهندوراس وبوليفيا، بعد أن جنح إلى الاعتدال، ودول أخرى لم تكن تتصور أنها ستقع يوماً في قبضة القوى التقدمية، مثل تشيلي وكولومبيا، فيما دول مثل المكسيك وبيرو ترفع لواء اليسار لكن اقتصادها يحتكم إلى أرسخ القواعد الليبرالية.
هذه الموجة تعيد إلى الأذهان تلك التي شهدتها المنطقة مطلع هذا القرن مع صعود هوغو تشافيز في فنزويلا، وتحت الظل الأبدي الوارف لفيديل كاسترو، فيما أطلق عليه يومها «اشتراكية القرن الحادي والعشرين». ومن المفارقة أن الدوافع التي كانت وراء ظهور هذه الموجة، نجدها غالباً في تمايزها عن تلك الموجة السابقة التي كان لارتفاع أسعار المواد الأولية والصادرات النفطية الدور الأساسي في صمودها. فيما محرك التغيير اليوم يتغذى من تدهور الوضع الاجتماعي الذي فجر احتجاجات عام 2019 وتفاقم مع ظهور جائحة «كوفيد». يضاف إلى ذلك أن تطرف القوى اليمينية، كما حصل في الأرجنتين وكولومبيا وتشيلي وبيرو، أضفى على الأحزاب اليسارية هالة من الاعتدال ساعدت على استقطاب قوى الوسط وتطمين المراكز الاقتصادية.
ومن أوجه التباين الأخرى بين الموجتين، أنه لم يعد أي من زعماء الموجة الأولى تقريباً على قيد الحياة، وأن القيادات الجديدة تتميز ببراغماتية ساعدت على توسيع دائرة التحالفات الانتخابية نحو قوى الوسط والاعتدال كما حصل مؤخراً في تشيلي وكولومبيا.
حتى لولا في البرازيل بحث عن حليفه الانتخابي في وسط المشهد السياسي واختار كمرشح لمنصب نائب الرئيس جيرالدو آلكمين، أحد زعماء اليمين المعتدل، الذي سبق أن هزمه في انتخابات عام 2006.
ولى زمن زعماء اليسار التاريخيين مثل الأخوين كاسترو في كوبا، وتشافيز في فنزويلا، وإيفو موراليس في بوليفيا، الذين اعتنقوا أصفى المبادئ الاشتراكية وحاولوا تطويعها مع مقتضيات الظروف المحلية، وجاء عهد قيادات جديدة تحرص على احترام الإطار الدستوري للأنظمة الديمقراطية، وتمتنع عن تجديد الولاية، وتلتزم الدفاع عن حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة.
لكن مع ذلك لا يستقيم الحديث عن كيان واحد مشترك تنضوي تحته كل القوى التقدمية الحاكمة حالياً في أميركا اللاتينية، إذ إن أوجه التباين بين طروحاتها الاقتصادية والاجتماعية تزيد عن القواسم المشتركة بينها، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل حول طبيعة العلاقات التي ستقيمها هذه القوى التقدمية مع محيطها، وأيضاً مع بقية دول العالم.
وتشير الدلائل الأولى إلى ظهور توتر يتنامى بين رؤية القوى التقدمية الواقعية والمتعددة الأطراف للعلاقات الدولية، والمنظور الجيوستراتيجي للمحور البوليفاري. ومن المرجح أن يشتد في حال فوز لولا في البرازيل، نظراً لتمايز نهجه الدبلوماسي عن خط كوبا وفنزويلا، في الحكم كما في المعارضة.
ويلاحظ أن جميع القوى اليسارية الحاكمة اليوم في أميركا اللاتينية، وخلافاً لتلك التي حكمت خلال الموجة السابقة، تعتمد أسلوباً دفاعياً يهدف إلى صون، أو إحداث، تغييرات معتدلة من موقع السلطة وليس من خلال التعبئة الاجتماعية التي كانت أسلوب الأنظمة اليسارية السابقة، أو البوليفارية التي ما زالت إلى اليوم في الحكم. ولا شك في أن من الأسباب الرئيسية التي تدفع إلى اعتماد هذا الأسلوب الدفاعي، أن القوى اليسارية والتقدمية الحاكمة غير قادرة على ممارسة الهيمنة السياسية والآيديولوجية في بلدانها، وهي تواجه صعوبات كبيرة في تنفيذ برامج تغييرية، أو حتى في الحفاظ على تماسكها الداخلي.
ويتبدى من التحركات والمواقف الأولى التي اتخذتها هذه الحكومات من بعض الأزمات والملفات الإقليمية الشائكة، أن العلاقات مع كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا ستكون مصدراً دائماً للتوتر. ومن الأمثلة على ذلك أن الرئيس الكولومبي الجديد غوستافو بيترو، ونظيره التشيلي، اللذين كانا لأشهر قليلة خلت يؤيدان النظام الفنزويلي، اضطرا مؤخراً لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها نظام نيكولاس مادورو، علماً بأن ملايين الفنزويليين لجأوا في السنوات الأخيرة إلى كولومبيا وتشيلي.
وفي انتظار نتائج الانتخابات البرازيلية المقبلة، وبعد تراجع أسهم المكسيكي مانويل لوبيز لوبرادور والتشيلي بوريتش لقيادة الجبهة التقدمية الجديدة في أميركا اللاتينية، برزت مؤخراً صورة الرئيس الكولومبي المنتخب الذي يتولى مهامه الأحد المقبل، والذي كان وضع برنامجه الانتخابي حول محاور رئيسية ثلاثة تمهد لهذا الدور، وهي: الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية وتغير المناخ، والدور المركزي لمنطقة الكاريبي والسكان المتحدرين من أصول أفريقية، والميثاق الإقليمي الجديد الذي لا يقوم على التسليم بريادة الولايات المتحدة في المنطقة لكن يعترف بدورها الأساسي فيها.