«صباحية مباركة يا عريس» يُعيد نجوم «مسرح مصر» إلى مواجهة الجمهور

العرض الكوميدي الاستعراضي من إخراج وإنتاج أشرف عبد الباقي

«صباحية مباركة يا عريس» يُعيد نجوم «مسرح مصر» إلى مواجهة الجمهور
TT

«صباحية مباركة يا عريس» يُعيد نجوم «مسرح مصر» إلى مواجهة الجمهور

«صباحية مباركة يا عريس» يُعيد نجوم «مسرح مصر» إلى مواجهة الجمهور

بعد مرور نحو 10 أشهر على توقف عروض «مسرح مصر» بالعاصمة المصرية القاهرة، أعاد العرض الكوميدي الاستعراضي «صباحية مباركة يا عريس» نجوم فرقة «مسرح مصر» إلى مواجهة الجمهور مرة أخرى.
ويأتي عرض مسرحية «صباحية مباركة يا عريس» التي ينتجها ويخرجها الفنان المصري أشرف عبد الباقي، ضمن عودة النشاط المسرحي عقب أشهر من الإغلاق بسبب جائحة «كورونا»، ويشارك في بطولة العرض الفنان الكوميدي الشاب علي ربيع، ومحمد أسامة الشهير بـ«أُس أُس»، وسليمان عيد، وطاهر أبو ليلة، وحسام داغر، وغيرهم، وتدور في إطار كوميدي استعراضي مكون من فصلين.
ويُعيد العرض المسرحي «صباحية مباركة يا عريس» نجوم «مسرح مصر» إلى خشبة المسرح مجدداً، بعد تألقهم في موسم دراما رمضان الماضي، إذ شارك الفنان الكوميدي الشاب علي ربيع في الماراثون الرمضاني بمسلسل «عمر ودياب» مع زميله مصطفى خاطر، كما شارك الفنان الشاب محمد أسامة الشهير بـ«أس أس» أحد الفنانين المشاركين في العرض المسرحي الجديد في موسم رمضان عبر مسلسل «اتنين في الصندوق»، مع حمدي الميرغني، وبيومي فؤاد.
«مسرح مصر» الذي بدأ في عام 2014 على قناة «الحياة المصرية» تحت اسم «تياترو مصر» حقق انتشاراً لافتاً في مصر وبعض دول العالم العربي، قبل أن يعرض على قناة «إم بي سي مصر» بعنوان «مسرح مصر»، ليعرض بشكل متتالٍ على مدار 7 مواسم كان آخرها في نهاية العام الماضي.
ووصف محمد أسامة عودته للمسرح في الفترة الجارية بأنها «رائعة»، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «المسرح هو الذي وضعني على الطريق الصحيح في مشواري الفني»، مشيراً إلى أن «العرض يقدم خلال أيام معدودة وبجمهور محدود وهذا أمر طبيعي بسبب (كورونا) فما زال الخوف يسيطر على العاملين والجمهور على حد سواء».
«صباحية مباركة يا عريس» هو العمل المسرحي الثاني الذي ينتجه الفنان أشرف عبد الباقي بعد مسرحية «جريما في المعادي» الذي عرض بالموسم الصيفي الماضي، فيما يعد الثالث له على المستوى الإخراجي.
ويلتزم المسرح الذي يستضيف عرض «صباحية مباركة يا عريس» بكافة قواعد السلامة للعاملين والحضور بشكل كبير، وفق الفنان حسام داغر، أحد أبطال العرض المسرحي الجديد، الذي يقول لـ«الشرق الأوسط»: «إن العودة للمسرح مجدداً تعد خطوة جريئة جداً من قبل الفنان أشرف عبد الباقي الذي يكرس وقته وجهده وماله من أجل استمرار العروض المسرحية في مصر»، مشيراً إلى أنه يقدم دور «فضل» (زوج شقيقة الفنان علي ربيع) بالعرض المسرحي، حيث يبدي غيرته الشديدة على زوجته خلال العرض وتتوالى الأحداث الكوميدية».
في السياق، تشهد المسارح الحكومية تقديم عدد من العروض المسرحية على غرار «المتفائل» من بطولة سامح حسين، وسهر الصايغ، والمأخوذ عن رواية «كانديد» للكاتب فولتير، ومن إعداد وإخراج إسلام إمام، وبدأ تقديم العرض على خشبة «المسرح القومي» خلال إجازة عيد الأضحى المبارك في بداية الشهر الجاري، بالإضافة إلى العرض المسرحي «الحادثة» للمؤلف والكاتب المصري الراحل لينين الرملي، ومن بطولة مصطفى منصور، وريهام أبو بكر، وإخراج عمرو حسان، كذلك العرض المسرحي «أفراح القبة» عن رواية الكاتب نجيب محفوظ، بطولة عبد المنعم رياض، ومحمد يوسف، وفاطمة عادل، وإخراج يوسف المنصور، والعرض الغنائي الاستعراضي «سيد درويش» على مسرح «البالون»، بطولة لقاء سويدان، ومحمد عادل.
كما يشهد مسرح «كايرو شو» استئناف عرض مسرحية «علاء الدين»، بطولة أحمد عز، كما أعلن المخرج والمنتج مجدي الهواري الشريك المؤسس لـ«كايرو شو» عن انطلاق عرض مسرحية «حزلقوم» الشهر المقبل في مصر، وذلك بعد عرضها في المملكة العربية السعودية ضمن فعاليات موسم الرياض.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)