جيمس كاميرون يتحدث عن أفلامه ويبقي مغامراته المقبلة سراً

«الشرق الأوسط» تحاور المخرج العالمي قبل عودته إلى عالم «أفاتار» مع نهاية هذا الشهر

كاميرون خلال التصوير
كاميرون خلال التصوير
TT

جيمس كاميرون يتحدث عن أفلامه ويبقي مغامراته المقبلة سراً

كاميرون خلال التصوير
كاميرون خلال التصوير

تركَنا المخرج جيمس كاميرون عالقين بين السماء والأرض بعد آخر «أفاتار» سنة 2009. تركنا مشدوهين لموهبته في سرد حكاية شاملة الاهتمامات، تقع على كوكب بالغ الغربة يعيش فيه قوم يشبهوننا ويختلفون عنا. يشعرون مثلنا ويتميزون بأحاسيسهم وثقافاتهم الخاصة كذلك. عالم لم نرَ مثله من قبل على كثرة ما شاهدناه من أفلام خيال علمي، منذ أيام السينما الأولى وإلى اليوم.
بعد ذلك، ونسبة للنجاح المدوي الذي حققه الفيلم (أكثر من مليارين و790 مليون دولار حول العالم)، حدث المتوقع، وقرر المخرج المضي قُدُماً في إتقان ما وفره لنا في «أفاتار». قرر، بكلمات أخرى، إنجاز سلسلة من أربعة أفلام أخرى تحكي ما لن نعرفه من أحداث، وما لن نستطيع توقعه من غرائبيات، نظراً للكتمان الشديد خشية زوال عنصر المفاجأة، والتأثير على عنصر الذهول المتوقع من جراء هذا المزج بين البشر وغير البشر فوق كوكب بعيد يبدو أكثر سلاماً وجمالاً من ذلك الذي نعيش فوقه.
باشر المخرج، بعد تحضير دام سنوات طويلة، تصوير شخصياته في مشاهد معينة، أغلبها تلك التي تصورهم في أتون المؤثرات التقنية و«الأنيميشن» المتقن، الذي تستخدمه السينما هذه الأيام. ثم توقف التصوير حال انتشار وباء «كورونا» الذي أطاح بمشروعات منجزة، وأخرى كانت - مثل «أفاتار 2» - قيد الإنجاز. الآن يعد العدة للعودة إلى التصوير، وكله حماس يتبدى من ثقته بمشروعه ومن حديثه.
هذا هو اللقاء الثاني بيننا. تم الأول على صفحات «الشرق الأوسط» في عام 2009، مباشرة بعد انتهاء تصوير الجزء الأول. هذه المرة تم اللقاء (إلكترونياً) قبيل الانطلاق للعمل. وفيه يتحدث قدر ما يسمح لنفسه عن المغامرة الأفاتارية المقبلة، كما عن العالم الذي نعيش فيه، والمزج غير المريح بين العلم والإنسان، وما ينتظره الثاني من الأول بعد سنوات غير بعيدة.
وفيما يلي نص الحوار:

> كيف تتأقلم مع «كورونا» هذه الأيام؟
- بحذر طبعاً؛ لكن أيضاً بقدر كبير من التفكير في حالنا اليوم وما نحن عليه.
> ما نحن عليه؟
- لا بد من أنك تعيش ما نعيشه جميعاً. هناك أشياء أقرب إلى الخيال من الواقع باتت تسيطر على حياتنا؛ لكني لا أمضي أيامي في هذا التفكير وحده. معظمه أمضيه في عالم مشروعاتي وما أريد إنجازه، منتظراً أن أعود إلى مملكتي كمخرج، وأصرخ: «أكشن».
> هل تستغل العزلة لإجراء تغييرات في سيناريو «أفاتار 2»؟
- لا يوجد ما أرغب في تغييره عملياً؛ لكني أفكر في «الغرافيكس» التي أرسمها للقطاتي. أعمل على خطة التصوير، ولو أن كل شيء في الواقع بات جاهزاً. العمل يشغلني دائماً، ولم أكن متوقفاً عنه حتى من قبل هذه الفترة الحرجة من حياتنا.
> أنتجت «أليتا: ملاك المعركة» في العام الماضي، وقبله كنت منتجاً منفذاً لأكثر من فيلم. ثم ستعود كما هو مقرر إلى تصوير الفيلم مع نهاية هذا الشهر. هل أنت متحمس؟
- لا أستطيع أن أقول الكفاية عن سعادتي بالعودة لاستكمال تصوير «أفاتار 2» والأجزاء التالية. أنا متحفز للعمل؛ لأن مجرد التفكير فيه متعة. لك أن تدرك المتعة التي سأشعر بها حين معاودة العمل.
> ما الذي تم تصويره من هذه السلسلة قبل غزو الوباء؟
- أساساً قمنا بكل التمثيل الذي سيستخدم بالتواؤم مع المؤثرات الخاصة. هذه تتطلب عادة وقتاً طويلاً وربما يكون مملاً بالنسبة للممثلين؛ لأنها تخضع لكثير من الشروط التقنية. كنا بدأنا التصوير في مايو (أيار) الماضي بمشاهد نيوزيلاندية مختلفة، نستخدمها بالدمج مع الكومبيوتر «غرافيكس»؛ لكن هناك الكثير مما لا يزال علينا تصويره، حتى في مجال المزج بين الممثل والمؤثرات المختلفة. كذلك فإن عديداً من المشاهد ما زال ناقصاً. نتحدث عن أربعة أجزاء متلاحقة، سيستغرق العمل عليها خمسة أعوام.
> وبنظام 3D طبعاً؟
- مؤكد. نستخدم نظام كاميرات معروفة باسم «سوني فنيس» (Sony Venice) كاميرا. الأفضل في مجال الأبعاد الثلاثة. لا أريد أن أتحدث كثيراً عن «أفاتار» لأنه من الأسرار. لا ينفع أن نبدأ مبكراً بالكشف عن كل شيء.
> تحب الخيال العلمي جداً؟
- نعم. أحب العمل في هذا النوع من السينما. إنه النوع المفضل عندي.

عن العلم والحياة
> ما الذي يستهويك تحديداً في هذا النوع؟
- أحببت الخيال العلمي منذ أن كنت صبياً. الأفلام التي أحببتها في ذلك السن كانت تلك الفانتازية، سواء تلك الفضائية أو عن «الروبوتس»، وبالتأكيد تلك التي تصور مخلوقات من العالم الآخر، أو وحوشاً من الأرض. أحببت موديلات راي هاريهاوزن (أحد عمالقة صنع وتحريك الدمى والأشكال السينمائية في الستينات وحتى الثمانينات - المحرر) وكل العمليات التي تصور ما هو غريب عن الواقع؛ لكني في سنوات لاحقة مِلت أكثر إلى الخيال العلمي.
> لكن بدأت أفلامك الكبيرة بفيلم «تايتانك».
- نعم. هو ليس من الخيال العلمي؛ لكن الخيال العلمي هو ما أحب تحقيقه أكثر من سواه.
> في العام الماضي قمت بإنتاج «أليتا» الذي يتحدث عن امرأة أو ما تبقى منها، وكيف يتم صنعها إلكترونياً من جديد. هل هذا يحدث اليوم بالفعل؟ أو هو علم قيد التطوير؟
- أعتقد بأن العلم يُجري أبحاثاً عدة على هذا الموضوع؛ لكني أذكِّرك بأن «أليتا» ليس الأول في مجاله. كل ما هناك أننا حاولنا خلق شخصية قابلة للتصديق قدر الإمكان. ما زال الفيلم غير واقعي بالطبع؛ لكننا حرصنا على أن تبقى بطلة الفيلم قريبة من التصديق.
> لماذا؟ كيف يختلف مفهوم ونظرة المشاهد إلى تلك الشخصية أو سواها، إذا كانت قابلة أو غير قابلة للتصديق؟ هي ما زالت خيالية.
- طبعاً. في يقيني أن السبب في نجاح «أفاتار» يعود إلى أننا جعلنا الشخصيات الزرقاء من مواطني ذلك الكوكب قابلة للتصديق. هي غريبة الشكل لوناً وفي المظهر والملامح العامة؛ لكنها تقترب من الشكل والجوهر الآدمي. أليس كذلك؟ هذا ما جعلها مختلفة بالمقارنة مع أفلام تصور أهل الكواكب البعيدة على نحو بعيد عن المنطق أو القبول إلا على أساس غرابتها الكاملة. أردت هناك أن أسرد حكاية لقاء بين إنسان الأرض وبين إنسان الكوكب الآخر.
> حتى المشاعر كانت واحدة... فيها الحب والكبرياء وسواهما من الأحاسيس.
- طبعاً.

وفي الأعماق
> إلى جانب الفضاء، أنت مهتم بأعماق المحيط. صورت فيه فيلم «The Abyss»؛ لكنك عدت لتصويره قبل ثلاث سنوات على ما أعتقد. هل هذا جزء من عملك على «أفاتار»؟
- دعني أصحح أمراً صغيراً. عدت إلى أعماق المحيط قبل أكثر من ثلاث سنوات. في عام 2012 تحديداً. هبطت أعمق نقطة في المحيط؛ لكني لست الوحيد الذي فعل ذلك؛ بل هناك باحثون ودارسون وعلماء غاصوا في تلك المنطقة قبلي وبعدي. لم أقم بتلك الرحلة كجزء من فيلم ما. لا «أفاتار» ولا سواه.
> هل تقصد أنك صرفت على هذه الرياضة العلمية من جيبك الخاص؟
- نعم. أصنع الأفلام لكي أسدد ديوني المتراكمة من جراء حبي للاستكشاف (يضحك).
> ما الغاية الفعلية منها؟
- الغاية هي المعرفة. لا تتصور غرابة الكائنات المائية في تلك الأعماق. ولا شعوري وأنا أجد نفسي في العزلة ذاتها التي تعيش فيها تلك الحيوانات. وليست الحيوانات المائية فقط؛ بل الأعشاب والبيئة كلها. بعض الأسماك ذات أشكال غريبة تغذي مخيلتي. أستفيد من استخدامي لها كجزء مما أريد تصويره. أقصد أنها عنصر استلهام مهم. هذا لا يعني أنني لن أعود إلى الأعماق كجزء من فيلم ما. قد أقوم بذلك؛ لأنه عالم لا مثيل له، ولا يعرف معظم الناس حقيقته. هل تعلم أن هناك كائنات مائية لا تتحرك من مكانها؟ لا تسبح.
> بذلك تبدو لي عالماً بقدر ما أنت مخرج... مَن الشخصية التي تغذي الأخرى هنا؟
- الشخصيتان معاً. كنت مهتماً بالفلك والفيزياء، ومن يهتم مثلي بهما ويحب العمل السينمائي لا يستطيع الفصل بينهما وبين السينما. لا تنسى أن عديداً من كتاب السيناريوهات جاؤوا أساساً من حبهم للفيزياء، وأعتقد أن بعضهم كان عالماً مارس الكتابة، لينقل إلى القراء أو إلى السينما بعض علمه.

حلم وواقع
> لكن دعني أعود إلى العلم والحياة... حياتنا نحن... قلتَ إن العلم يتقدم في شأن تطويع البشر ليكونوا آليين.
- قلتُ إن العلم يجري أبحاثاً في هذا الشأن. صحيح.
> كيف ترى حياتنا كبشر بعد مائة سنة مثلاً؟
- هذا سؤال مثير للاهتمام حقاً؛ لكني لا أملك إجابة محددة بالطبع، فأنا لا أعمل في هذا المجال. أحاول استنباط ما أقرأه من مستقبل؛ لكني لا أصنع ولا السينما تصنع هذا المستقبل. هناك شركة اسمها «Boston Dynamics» تنجز ما هو مذهل في حقل «الروبوتكس»، وبعض هذه الأبحاث ضروري. لا أعتقد أن البشر الذين سيتعرضون لحوادث تتطلب جراحات وبتر أعضاء سيعانون من نتائج هذه الحوادث. العلم سيقوم بتركيب يد صناعية تبدو كاليد المفقودة، أو أي جزء آخر من أجزاء الإنسان. السؤال هو: متى سيقوم البشر بالإقبال على هذا العلم فعلياً. هل هو جيلنا أم الجيل المقبل أم الجيل الذي سيخلفه؟
> كوبريك تحدث في «2001: أوديسا الفضاء» عن أن الذكاء الصناعي سوف يزاحمنا، ثم سيتغلب على ذكائنا نحن كبشر. هل ترى ذلك قادماً؟
- بل أعتقد أنه موجود بالفعل. العالم لم يعد قابلاً للمنطق. ما يحدث فيه حالياً ليس منطقياً إلا بالتفكير في أن شخصاً ما أو كياناً ما، مؤسسة خفية، تقوم بتحريك حياتنا، ودفع العالم إلى الهاوية. بتنا ممتزجين بالتطور التكنولوجي، ومنتمين إليه، سواء رغبنا في ذلك طوعاً، أو كرهاً. نحن جزء من الهواتف النقالة والكومبيوترات والعالم القائم على التكنولوجيا. نستوعب ونتأقلم بصورة طبيعية أكثر مما فعلنا قبل عشرين سنة مثلاً.
> ما رأيك إذن في فيلم كوبريك بهذا المجال؟
- هو الفيلم الذي قررت في أعقاب مشاهدته التحول من معجب بسينما الخيال العلمي إلى ممارس فيها. عندها بدأت أفكر علمياً في السينما، وأصنع موديلات، وأحاول تصويرها من زوايا مختلفة.
> لا بد لي من العودة إلى «أفاتار». أحترم أنك لا تريد التوسع في الحديث فيه؛ لأنه لاحقاً سيكون حديث الناس جميعاً... لن أسأل عن أسرار السلسلة التقنية أو حكاياتها. ما أحب معرفته هو كيف تتطلع قدماً لاستكمال هذه السلسلة؟
- عليَّ أن أقرص نفسي لكي أتأكد من أني لا أحلم. إنني أنجز هذه السلسلة لكي أتعيَّش من ورائها. أعلم أنني سأعيش في رحاب هذه السلسلة للسنوات الخمس المقبلة. اسمع، الحقيقة هي أن عالم «أفاتار» عالم ثري جداً كفكرة وكمضمون وكعناصر صنع الحكايات تقنياً ودرامياً، وعلى كل مستوى. سأعمل مع كبار الفنيين والعاملين في تصميم عالم المؤثرات. سأعمل مع أفضل فنيي «الأنيميشن» (للمشاهد التي تتطلب التجسيد الرسمي - المحرر). لا شيء لا أستطيع قوله في هذه الأفلام. متأكد من أن جورج لوكاس عندما أخرج «ستار وورز» الأول، واجه هذا الوضع ذاته، وفوقه ذلك الشعور بالغبطة الكبيرة.
> هل سيكون لديك الوقت لإخراج أفلام غير هذه السلسلة؟
- كإخراج لا. كإنتاج سأقوم بإنتاج أفلام موازية خلال فترة عملي على هذه السلسلة. انتباهي الأساسي كصانع أفلام لن يتعرض لأي تمويه أو تأثير. سأركز على إنجاز هذه الأفلام، وأتطلع لإنجاز سواها، كمخرج، فيما بعد.


مقالات ذات صلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

يوميات الشرق «صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

تعود أحداث فيلم «صيفي» الذي عُرض ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي في دورته الرابعة، إلى فترة أواخر التسعينات.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق المخرج محمد سامي في جلسة حوارية خلال خامس أيام «البحر الأحمر» (غيتي)

محمد سامي: السينما تحتاج إلى إبهار بصري يُنافس التلفزيون

تعلَّم محمد سامي من الأخطاء وعمل بوعي على تطوير جميع عناصر الإنتاج، من الصورة إلى الكتابة، ما أسهم في تقديم تجربة درامية تلفزيونية قريبة من الشكل السينمائي.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين رئيس في مشهد من فيلم «الفستان الأبيض» (الشركة المنتجة)

لماذا لا تصمد «أفلام المهرجانات» المصرية في دور العرض؟

رغم تباين ردود الفعل النقدية حول عدد من الأفلام التي تشارك في المهرجانات السينمائية، التي تُعلي الجانب الفني على التجاري، فإن غالبيتها لا تصمد في دور العرض.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق الفنانة الأردنية ركين سعد (الشرق الأوسط)

الفنانة الأردنية ركين سعد: السينما السعودية تكشف عن مواهب واعدة

أكدت الفنانة الأردنية ركين سعد أن سيناريو فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو»، الذي عُرض بمهرجان البحر الأحمر السينمائي، استحوذ عليها بمجرد قراءته.

انتصار دردير (جدة )
يوميات الشرق إيني إيدو ترى أنّ السينما توحّد الشعوب (البحر الأحمر)

نجمة «نوليوود» إيني إيدو لـ«الشرق الأوسط»: السينما توحّدنا وفخورة بالانفتاح السعودي

إيني إيدو التي تستعدّ حالياً لتصوير فيلمها الجديد مع طاقم نيجيري بالكامل، تبدو متفائلة حيال مستقبل السينما في بلادها، وهي صناعة تكاد تبلغ الأعوام الـ40.

إيمان الخطاف (جدة)

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».