دعم دولي للبنان لاستعادة دوره... وبرّي يتقدّم حليفه بحثاً عن تسوية

«التيار الوطني» في أزمة وخلط الأوراق في الشارع المسيحي

الرئيس الفرنسي إيمانويل مكرون متحدثاً في بيروت الأربعاء (دالاتي ونهرا)
الرئيس الفرنسي إيمانويل مكرون متحدثاً في بيروت الأربعاء (دالاتي ونهرا)
TT

دعم دولي للبنان لاستعادة دوره... وبرّي يتقدّم حليفه بحثاً عن تسوية

الرئيس الفرنسي إيمانويل مكرون متحدثاً في بيروت الأربعاء (دالاتي ونهرا)
الرئيس الفرنسي إيمانويل مكرون متحدثاً في بيروت الأربعاء (دالاتي ونهرا)

كشفت مصادر دبلوماسية أوروبية في بيروت، أن المؤتمر الدولي الذي عُقد أمس (الأحد)، في باريس بدعوة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لدعم لبنان وتوفير المساعدات العاجلة له، يأتي في سياق إصرار الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي والفاتيكان على إنقاذ لبنان في اللحظة الأخيرة ومنع انهياره، تمهيداً لاستعادته وقطع الطريق على إقحامه في تجاذبات المحاور الإقليمية والنزاعات الدائرة في المنطقة. وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط» إن المجتمع الدولي يدعم كل الجهود الرامية إلى تحييد لبنان وتوفير الإمكانات لإعادته إلى خريطة الاهتمام الدولي.
وأكدت المصادر الأوروبية أن الإصرار الدولي على تهيئة الظروف التي تدفع باتجاه تمكين لبنان من أن يستعيد دوره ولو متأخراً جاء تتويجاً لمبادرة أصدقاء لبنان لمراجعة مواقفهم في ضوء النكبة الكارثية التي أصابت بيروت، وصولاً إلى اعتقادهم بأن هناك ضرورة لتضافر الجهود لإنقاذه اليوم قبل الغد، لأن الوقت لم يعد يسمح بوضعه على لائحة الانتظار أو بالتخلّي عنه، وهذا ما يسمح لمحور الممانعة بزعامة إيران بالتدخّل بكل ثقله لملء الفراغ.
ولفتت إلى أن ماكرون يحظى بتأييد أميركي وأوروبي وفاتيكاني وبات يحمل تفويضاً على بياض لوضع خريطة طريق لإنقاذ لبنان واستعادته، وقالت إن الدول العربية أو معظمها على الأقل، ليست بعيدة عن الأجواء الدولية التي سرعان ما تبدّلت فور الزلزال الذي أصاب بيروت.
وتعترف بأن هناك صعوبة قد تعترض ماكرون لتسويق اقتراحه بتشكيل حكومة وحدة وطنية، وتعزو السبب إلى أن الحراك الشعبي الذي استعاد زمام المبادرة لا يزال يصر على إجراء انتخابات نيابية مبكّرة، وبالتالي يرفض تعويم المنظومة الحاكمة أو استبدال قوى المعارضة التقليدية بها، وهذا ما تأخذه باريس في الاعتبار وتتضامن معها واشنطن التي تستعد لإيفاد مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد هيل إلى بيروت، وهو أحد أبرز الخبراء في الملف اللبناني.
حكومة انتقالية
وفي هذا السياق، ترجّح مصادر نيابية في بيروت أن يكون البديل بتشكيل حكومة انتقالية، لأن الحالية أُسقطت في الشارع ولم يعد في مقدور رئيس الجمهورية ميشال عون تعويمها باعتبار أن «العهد القوي» بدأ يتهاوى، ويخطئ إذا كان يعتقد أن تدفّق المساعدات الإنسانية إلى بيروت وما رافقها من اتصالات دولية وعربية كان محورها، ستؤدي إلى رفع الحصار السياسي المفروض عليه.
وتؤكد المصادر النيابية أن من شروط إجراء الانتخابات المبكّرة مبادرة البرلمان إلى حل نفسه، أو أن يتقدّم أكثر من نصف عدد نوابه بالاستقالة. وتقول إن هناك رغبة لدى كتل نيابية للاستقالة، لكنها تشترط أن تأتي تتويجاً للتفاهم على قانون انتخاب جديد، وإن كان النواب الخمسة الذين استقالوا وراء تشجيع زملاء لهم للسير على خطاهم.
لذلك، فإن هناك صعوبة لضبط إيقاع المفاجآت السياسية التي تسببت بها الارتدادات التي أحدثها الزلزال، إلا أنها ستؤدي إلى إحداث متغيّرات في الشارع المسيحي ستكون حكماً على حساب «التيار الوطني الحر» بزعامة جبران باسيل الذي يكاد يغيب في دفاعه عن الهجمة التي تستهدف مؤسسه العماد عون.
فالتيار الوطني بحسب هذه المصادر، يتعرّض إلى أزمة داخلية لم يعد في مقدوره السيطرة عليها لاستعادة نفوذه في الشارع المسيحي، لأن عون لم يعد يمتلك القوة التي قادته إلى رئاسة الجمهورية، بعد أن تهاوت خطوط دفاعه في وجه الانتفاضة المتجدّدة للحراك المدني بقيادة وجوه معظمها من المسيحيين، ناهيك بأن استقالة نواب حزب الكتائب أتاحت لرئيسه سامي الجميل إبرام عقد جديد مع الشارع المسيحي، وهو يدخل حالياً في منافسة مع حزب «القوات اللبنانية» لملء الفراغ الناجم عن تراجع نفوذ «التيار الوطني» فيه، وهذا ما دفع بسمير جعجع إلى التلويح باستقالة نوابه في حال تأكد له أن إجراء الانتخابات المبكرة وُضع على نار حامية.
كما أن نواب تيار «المستقبل» و«اللقاء النيابي الديمقراطي» ليسوا في منأى عن رغبتهم في الاستقالة أو معظمهم على الأقل، لكن العائق يكمن في التوافق على قانون الانتخاب، لأن الاستقالة من دون التفاهم المسبق على مرحلة ما بعدها لن تؤدي الغرض السياسي المرجو منها.
وعليه، فإن «حزب الله» يقف حالياً أمام ما سيترتّب من مفاعيل سياسية ناجمة عن إعادة خلط الأوراق في الشارع المسيحي، خصوصاً أن عون لا يستطيع توفير الغطاء له، لأن وضعيته بين المسيحيين إلى تراجع، وفي المقابل فإن «حزب الله» الحليف الاستراتيجي لرئيس الجمهورية يقف الآن أمام خيارات صعبة فهل يستمر في توفير الدعم له، وبالتالي يتصرف كأنه رافعة سياسية لتعويمه؟ أم سيبادر إلى مراجعة حساباته لأن وقوفه إلى جانبه سيدفع به للاصطدام بالمزاج الشعبي المسيحي؟
وقد يضطر «حزب الله» للالتفات إلى تقويم الوضع المسيحي المستجد على قاعدة تجنُّب الاشتباك السياسي مع الشارع المسيحي وإعطائه الأولوية لتحصين الحاضنة الشيعية له، انطلاقاً من أن هذا التحصين يتطلب تعاطيه بمرونة مع المخارج المطروحة للانتقال بالبلد من التأزُّم إلى الانفراج، وهذا يتطلب منه الوقوف خلف رئيس البرلمان نبيه بري الذي يتقدّم عليه في التواصل محلياً وعربياً ودولياً، وبالتالي يمكن أن يشكّل له صمام أمان لتطمينه وحمايته، إلا إذا ارتأت قيادة الحزب الدخول في مغامرة بعدم تخلّيها عن عون الذي يبدو وحيداً، فيما تستعد حكومته للرحيل كواحد من «الإنجازات» التي تسجّل لرئيسها دياب.



أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
TT

أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)

دفعت الأحداث المتسارعة التي شهدتها سوريا الحوثيين إلى إطلاق العشرات من المعتقلين على ذمة التخطيط للاحتفال بالذكرى السنوية لإسقاط أسلافهم في شمال اليمن، في خطوة تؤكد المصادر أنها تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية ومواجهة الدعوات لاستنساخ التجربة السورية في تحرير صنعاء.

وذكرت مصادر سياسية في إب وصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن الحوثيين أطلقوا دفعة جديدة من المعتقلين المنحدرين من محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) بعد مضي ثلاثة أشهر على اعتقالهم بتهمة الدعوة للاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بنظام حكم الإمامة في شمال البلاد عام 1962.

الكثيري والحذيفي بعد ساعات من إطلاق سراحهما من المعتقل الحوثي (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن معتقلين آخرين من صنعاء تم إطلاق سراحهم أيضاً، ورأت أن هذه الخطوة تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية على إثر انكشاف حجم الجرائم التي ظهرت في سجون النظام السوري، الذي كان حليفاً للحوثيين.

وبحسب هذه المصادر، تم إطلاق سراح محمد الكثيري، وهو أول المعتقلين في محافظة إب، ومعه الناشط الحوثي سابقاً رداد الحذيفي، كما أُطلق سراح المراهق أمجد مرعي، والكاتب سعيد الحيمي، والطيار الحربي مقبل الكوكباني، مع مجموعة من المعتقلين الذين تم نقلهم إلى السجون السرية لمخابرات الحوثيين في صنعاء.

وتوقعت المصادر أن يقوم الحوثيون خلال الأيام المقبلة بإطلاق دفعة من قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» الذين اعتقلوا للأسباب ذاتها.

امتصاص النقمة

كان الحوثيون، وفقاً للمصادر السياسية، يرفضون حتى وقت قريب إطلاق سراح المعتقلين الذين يُقدر عددهم بالمئات، وأغلبهم من محافظة إب، ومن بينهم قيادات في جناح حزب «المؤتمر الشعبي»، أمضوا أكثر من ثلاثة أشهر في المعتقل واتُهموا بالتخطيط لإشاعة الفوضى في مناطق حكم الجماعة من خلال دعوة السكان للاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم الإمامة.

تعنت حوثي بشأن إطلاق سراح قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن الجهود التي بذلتها قيادة جناح حزب «المؤتمر» المتحالف شكليّاً مع الحوثيين، وكذلك الناشطون والمثقفون والشخصيات الاجتماعية، وصلت إلى طريق مسدود بسبب رفض مخابرات الحوثيين الاستجابة لطلب إطلاق سراح هؤلاء المعتقلين، على الرغم أنه لا يوجد نص قانوني يجرم الاحتفال بذكرى الثورة (26 سبتمبر 1962) أو رفع العلم الوطني، فضلاً عن أن الجماعة فشلت في إثبات أي تهمة على المعتقلين عدا منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو للاحتفال بالمناسبة ورفع الأعلام.

وتذكر المصادر أنه عقب الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد وانكشاف حجم الانتهاكات والجرائم التي كانت تُمارس في سجونه، ووسط دعوات من أنصار الحكومة المعترف بها دولياً لإسقاط حكم الحوثيين على غرار ما حدث في سوريا وتفكك المحور الإيراني في المنطقة، سارعت الجماعة إلى ترتيب إطلاق الدفعات الجديدة من المعتقلين من خلال تكليف محافظي المحافظات باستلامهم والالتزام نيابة عنهم بعدم الاحتفال بذكرى الإطاحة بالإمامة أو رفع العلم الوطني، في مسعى لامتصاص النقمة الشعبية وتحسين صورتها أمام الرأي العام.

مراهق أمضى 3 أشهر في المعتقل الحوثي بسبب رفع العلم اليمني (إعلام محلي)

ورغم انقسام اليمنيين بشأن التوجهات الدينية للحكام الجدد في سوريا، أجمعت النخب اليمنية على المطالبة بتكرار سيناريو سقوط دمشق في بلادهم، وانتزاع العاصمة المختطفة صنعاء من يد الحوثيين، بوصفهم أحد مكونات المحور التابع لإيران.

وخلافاً لحالة التوجس التي يعيشها الحوثيون ومخاوفهم من أن يكونوا الهدف المقبل، أظهر قطاع عريض من اليمنيين، سواء في الشوارع أو على مواقع التواصل الاجتماعي، ارتياحاً للإطاحة بنظام الحكم في سوريا، ورأوا أن ذلك يزيد من الآمال بقرب إنهاء سيطرة الحوثيين على أجزاء من شمال البلاد، ودعوا الحكومة إلى استغلال هذا المناخ والتفاعل الشعبي للهجوم على مناطق سيطرة الحوثيين.